ابحث في مدونتي

الأحد، 15 أبريل 2018

أمي ومدرستي




من المعروف أن العملية التعليمية بل والتربوية بين المدرسة والبيت؛ هي عملية تكاملية تدور في فلك النهوض بإمكانات الطالب الذهنية والشخصية والسلوكية من الدرجة الأولى، ومن المعروف أن ثمة تواصل بينهما لا يمكن أن ينقطع وأن انقطاعه قد يقوّض من الجهود المبذولة لتحقيق ذلك النهوض، إذ لطالما حثت المدرسة أولياء الأمور على التواصل معها وفتحت قنوات ذلك التواصل، ولطالما طالب أولياء الأمور بتوفير قنوات يسيرة من أجل التواصل مع المدرسة، وبالتالي فإن أهمية هذا التواصل مما لا يختلف عليه اثنان.
 
لكن.. من الملاحظ أنه وكما هناك أولياء أمور مقصرين جدّا في التواصل مع المدرسة رغم وجود حاجة لذلك، فان هناك مبالغين في هذا التواصل.


لفت نظري أن هناك قلة من أولياء الأمور وبخاصة الأمهات يكدن لا يفارقن مدارس أبنائهن، فهي تتواجد فيها بشكل شبه يومي يشبه الدوام وهي متوفرة دائما، تساهم في الفعاليات وعمليات التواصل والبرامج وتعقد علاقات مع المعلمات والهيئات الإدارية والتعليمية في مدرسة أبنائها، وهو أمر وإن كان جيدا لكن المبالغة فيه -كما أخشى- تعني محاصرة الأبناء في كل مكان حتى في أفضل المواقع أمنا وهي المدرسة التي من الممكن أن نكون في غاية الشعور بهدوء النفس والثقة وهم فيها، يتفاعلون مع أقرانهم ويتعاملون مع معلميهم، ينشطون في الفعاليات واللعب والرفقة، ويكوّنون ذواتهم بعيدا عن رقابتنا ومثاليتنا وتوجيهاتنا التي لا تنتهي، يواجهون مشكلاتهم وينمون شخصياتهم ويتعلمون معنى أن يكونوا في الحياة بعيدا عن جو الأسرة؛ أي عالمهم الوحيد حتى وقت دخولهم المعترك الدراسي!


قد يشعر طفل بالفخر والسعادة لوجود والدته شبه الدائم معه في المدرسة، وهو بالمناسبة وجود شاءت أم أبت يحميه بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ويمنع تفاعلاته الطبيعية مع معلميه وأقرانه ثم يدربه على أن الأم "كيان وُجد ليرافقه في كل مكان ويحميه ويساعده في كل وقت"! وهذا ما لا يقع في مصلحة الابن ولا في مصلحة أولياء الامور.


يحتاج الأبناء إلى مساحة خاصة يمارسون فيها تفاعلاتهم الطبيعية، يواجهون مشاكلهم بعيدا عنا، قد يزجرهم معلم أو يقاطعهم زميل، سيكونون حينها هم أمام مشكلة -بالنسبة لهم- عظمى، حينها سيمارسون ذواتهم في حل هذه المشكلة وقد يلجأ الأبناء لآبائهم حين يعجزون عن حلها، حينها سيكون للآباء دورهم في "توجيه" الابن أولا ثم في محاولة التدخل فيما لو تفاقمت المشكلة أو تفاقم قلقه بسببها لكن عليهم أولا أن يختبروا أنفسهم عند وقوع المشكلة، وقد يُفاجَأ الآباء من حسن تصرف الأبناء أحيانا.

ثم
يا سيدتي..
 
دعي هذه المساحة واستثمريها أنت أيضا في تمضية شؤونك بل حتى في ترفيهك عن نفسك، من قال أن دور الأم أن تكون "كيانا وقفا للأبناء" من قال أن شغلك الشاغل في اليوم أن تجري خلف ابنائك حتى داخل أسوار المدرسة، الأمومة تعني أن نسبغ عليهم ما نستطيعه من حب وحنان وتوجيه وتعليم، لكن مع الحفاظ على أن نكون نحن وهم كيانان قائمان بذاتهما لا للتداخل بينهما، ونعم للتقاطع في وقتهما وأهدافهما وضرورات حياتيهما، ونعم للاستقلالية وحفظ المساحات الخاصة. 


لا يملك الآباء أبناءهم
كما لا يملك الأبناء آباءهم
وهذا بالتحديد ما يجب أن نعيه،
هي علاقة تحكمها المسؤولية والحقوق والواجبات والحب والحزم والتوجيه، لكن دورنا الأساس هو في أن نهيئ الأبناء لخوض معترك الحياة بإيمان وثقة ومنظومة قيم نسعى لزرعها فيهم كما هُيئنا لخوض معترك الحياة قبلهم.


تواصلي مع المدرسة
كوني قريبة
لكن.. لا تنسي نفسكِ كثيرا

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...