ابحث في مدونتي

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2019

المبادرات الاجتماعية "سهلوها" مثالا



من الطبيعي جدا أن تلقى بعض المبادرات المجتمعية التي تطرح بين فينة واخرى اقبالا واسعا أو تقبلا متواضعا، وذلك بحسب ما تتقاطع معه تلك المبادرة واهتمام وهمَّ الناس في المجتمع، ومن الطبيعي اكثر انه ومهما اتسعت رقعة قبول مبادرة ما، ان تكون في مقابلها أصوات تشكك أو على الأقل لا تؤمن بتحقق أهدافها أو لا تؤمن بوسيلتها لتحقق تلك الأهداف، أو قد لا تؤمن بأهدافها اصلا. 

منذ أسابيع انطلقت مبادرة اجتماعية ذات جوانب انسانية ودينية واسرية تحت مسمى "سهلوها" لرجل علم عامل في المجال الاجتماعي هو السيد هاني المعلم، طرحت تلك المبادرة ضرورة تسهيل الزواج في جوانبه المادية الكمالية بشكل رئيسي، أي أن توقيت ذلك التسهيل يقع بعد حسن الاختيار وحصول التوافق والانسجام بين رجل وامرأة وربما بين عائلتيهما أيضا، وفي تصوري انه -اي التسهيل-يختص بالشاب في مقتبل العمر ومن أسرة محدودة الدخل، ممن بدأ لتوه تأمين حياته الأسرية، بدأ للتو في زرع أولى بذورها وذلك باختيار زوجة، ذلك أن عبء بذر بذرة الأسرة المادي يقع على الزوج في مجتمعنا لاعتبارات كثيرة لست بصدد مناقشتها، وإن ساهمت المرأة في ذلك فتبقى المساهمة منها إحسانا وتفضلا لا واجبا يُنتَظر منها ان تأديه كلما توجهت امرأة لمؤسسة الزواج.

شخصيا خضت مجموعة من النقاشات واطلعت على مجموعة من التعليقات ممن وجد أن هذه المبادرة قاصرة أو خاطئة أو حتى مسيئة، وهو ما وجدته أمر طبيعي كما اسلفت، رغم اعتقادي التام بجمال هذه المبادرة وضرورتها وحاجتها للاكتمال، في ظل تعقد الحياة المادي والمعنوي في عموم العالم وفي مجتمعنا على وجه أخص، كما لا يمكن ابدا الفصل بين قضية استهداف الإنسان في هذا المجتمع استهدافا ممنهجا واضحا مقصودا نعيش مأساته ونتلمس اضراره، مؤمنة ان صعوبة الزواج احد افرازات هذا الاستهداف إضافة لأسباب أخرى بكل تأكيد، وبالتالي فمن الظلم في حق أنفسنا ان لا نلتفت اليه وان لا نضعه في اعتبارنا-اي الاستهداف- وذلك من أجل حياكة اطواق نجاة تجرنا من مستنقع التهميش والفقر والجهل وشظف العيش لبر التمكن والإنجاز وبناء الحياة الكريمة بكل جوانبها المادية والأسرية والاجتماعية والمعنوية.

هناك أربعة آلاف أسرة على الأقل محرومة من حياة أسرية حقيقية بسبب غياب أربعة آلاف معتقل وعدد من المعتقلات خلف قضبان السجن.. اما متزوج محروم من مباشرة مهامه الأسرية أو غير متزوج محروم من تكوين أسرة كان يطمح لتأسيسها قبل ان تُسلب حريته. 

هناك مئات الشباب المهاجرين المحرومين من اسرهم، اما لصعوبة التحاق الزوجة والابناء بهم في ديار الغربة وبالتالي هم واسرهم محرومين من طرف اساسي يباشر مهامه الاسرية أو منهم غير متزوجين ويلاقون صعوبة في تكوين اسرة طرفها الآخر ابنة البلد اما لصعوبة الظروف او حتى لعدم قبول الكثيرات لخيار الغربة الصعب.

ناهيكم عن عشرات الشباب ممن حرموا من فرصهم الوظيفية الحقيقية التي تتناسب ومؤهلاتهم وكفائتهم وقدراتهم وسهرهم الطويل وحرمانهم الوظيفي مؤثر اساسي على قدرتهم المادية.

هل يعقل ان تطرح المرأة نفسها من هذه المعادلة؟ هل يعقل ان تنسى ان في ذلك استهداف لها ايضا؟ الا ترى ان تحملها لظروف الاستهداف هو جزء لا يتجزأ من نضالها الاجتماعي والسياسي  والديني؟!! 


رغم ذلك اقول..اتفهم ان لا تعجب مبادرة ما مجموعة من أفراد المجتمع، لكني في ذات الوقت اسجل ملاحظة في غاية الأهمية ربما تكون سببا في عدم تقبل "بعض الفتيات" على وجه التحديد لهذه المبادرة وربما لكل مبادرة يُعتَقد خطأً انها مجرد تضحية جديدة تقدمها المرأة للرجل!!
هذه الثنائية التي يحيا على خيالها وعدائها بعض الناس تحرم كثيرين من عملية التفكير المنطقي.. إذ من الاجحاف النظر الى الزواج بصفته وكأنه بؤرة النار التي تقذف فيها المرأة نفسها طوعا او كرها من أجل رغبات الرجل! فتنزه المرأة عن حاجتها لان تكون جزءا من أسرة صغيرة ذات زوج وأبناء. أعجب من انه لا يزال بيننا من ينظر للزواج وتفاصيله نظرة اشمئزاز ودونية تتناسب وطبيعة الرجل وتترفع عنها المرأة وحين تقبل الزواج من رجل فهي مضحية ويجب ان يقدم الطرف الآخر كل التزام مقابل تلك التضحية.

في حين.. ان الزواج حاجة حقيقية يحياها الإنسان رجلا كان أو امرأة، ايا كانت ثقافته ودينه ولونه وبلده، كما اثبتت مؤسسة الزواج صمودها حتى اليوم أمام دعوات تعطيل قيامها في حالتها الطبيعية بين المرأة والرجل مقابل دعوات حقوق الشواذ بالزواج ودعوات الإجهاض والاباحية وتخلي المرأة عن دورها في الإنجاب مقابل تبني أيتام أو لقطاء أو مشردين -رغم انسانية كفالة هذه الفئات- إلا أنها لم ولن تكون بديلا عن حاجة الإنسان للشعور بالابوة والامومة وفي وضعها الطبيعي ضمن مؤسسة زواج قانونية يقرها شرع المجتمع وعرفه ايا كان شرعه وعرفه.

في الواقع فإن كل مشروع جديد يخوضه الإنسان، وكل تغيير يسعى له الإنسان فهو يحتاج لمقدمات واستعدادات معنوية وشخصية ومادية، وعليه فيجب على كل مقبل على الزواج رجلا كان او امرأة ان يوفر لنفسه الاستعداد المناسب الذي يهيئه لدخول مؤسسة الزواج ولخوض تجربة مشاركة جديدة بحجم تجربة الزواج، هذه الاستعدادات لا تبدأ قبيل الزواج مباشرة ولا تقتصر على الجوانب المادية بل لعلها اهم وأكثر الحاحا منها، لكن في الواقع فإن الجانب المادي هو الجانب البارز وهو الجانب الذي يولى أهمية شديدة لدى كل الأطراف، إلى درجة أننا لا نستغرب حين نسمع عبارة "الِّي ماعنده لا يطق باب الناس"، وفق مقاييس مادية تختلف من أسرة لأسرة وربما من قرية لقرية، ودون وضع اعتبار لمدى استعداد الإنسان المعنوي والشخصي والعاطفي والاجتماعي ومدى تأمينه لنفسه ماديا على المدى المتوسط والطويل، فوضوح خارطة طريق انسان ما ثروة يعتد بها بينما امتلاك أحدهم لعشرة آلاف دينار في الوقت الراهن دون وجود عقل تدبيري لحياة طويلة المدى لا يعدو كونه مجرد رقم وسينتهي!!!

لا يعني ذلك عدم وضع اعتبار للجوانب المادية لكنه يعني تغيير نظرة الإنسان لسبل تأمين الحياة المادي وكيفيته.

نعود لموضوع الزواج وحملة تسهيله، الكثير من اللغط ساد مع انطلاق هذه الحملة وهناك مجموعة من الاشكاليات والمطالبات الحقة كأن يتبع دعوة تخفيف الاعباء المادية حملة رفع ثقافة الحياة الزوجية ونظرة الرجل والمرأة لهذه الحياة المشتركة بل وسبيل اختيار كل طرف لشريك حياته وبالتالي فهذه مبادرة اجتماعية تحتاج لمبادرات توعوية وصحية وثقافية ودينية واجتماعية واقتصادية على المجتمع ككل ان يبادر لتأمينها، وكما وجدت فإن هناك محاولات جادة لمطلقي الحملة لاستيفاء بعض الجوانب وهو جهد مبارك نشد على ايديهم ليوفقوا فيه، اما الأصوات الغاضبة التي وجدت في تلك الحملة إساءة للمرأة فأتساءل مستغربة.. كيف من الممكن أن تتأثر كرامة ومكانة المرأة حين نهمس في اذنها بأن تترفع عن حاجات كمالية مقابل الالتفات لجوانب اكثر أهمية؟! مقابل الدخول في تجربة الزواج بأخف عبء مادي ممكن يرفع عن العلاقة ضغطا قد يؤثر في بقية جوانب الحياة الجديدة للزوجين.

في الواقع فان اسباب ارتفاع تكاليف الزواج متعددة، منها ما هو متعلق بمطالبات الاسر والزوجين الجديدين ومنها ما هو مفروض عليهم، فغلاء الاسعار عموما عامل مؤثر وقسري لكن اختيار اسم محدد للصالة والملاية ومصففة الشعر والمصورة الذين يبيعون اضافة لخدمتهم اسمهم، عوامل - ثانوية - تؤدي لتكلفة مادية مرتفعة نسبيا مقارنة بالقدرة على تأمين كل ذلك بسعر اقل مع شي من التواضع وبذات الجودة!

وفي تصوري فلعل تكلفة المهر - الثابتة نسبيا- لا تدخل ضمن ارتفاع تكاليف الزواج المادية مقابل بقية الجوانب لذلك فعملية تسهيل الزواج هي عملية مراعاة ظروف اثنين من ابناء مجتمعنا يرغبان في تأسيس اسرة وهذه المراعاة ليست بالضرورة ان تكون في كل مراحل الزواج انما في شكليات ثانوية من الممكن التخلي عنها أو الاستيعاض عنها عبر بدائل معقولة.

الموضوع ذو جوانب متعددة من الصعب اختزالها في مقال أو حملة أو خطبة، لكن كل عمل وكل خطبة وكل توجيه وكل فعل يضيف حتما لثقافة الناس في التزويج والنظر لمؤسسة الزواج ويبقى امر اخير من الممكن ان اختم به المقال لا الموضوع .. هي همسة اخاطب بها الاسرة المؤمنة التي بين جنبيها شبان في مقتبل العمر يطمحون يوما في تأسيس اسرة; في خضم هذه الحياة المادية المعقدة وبين زحمة المظاهر الزائلة لا تنسوا وصايا الرسول الكريم واهل بيته عليهم الصلاة، في حثهم على التزويج ومقاييس الاختيار ومعنى مسؤولية الزواج وبركة أقلهنّ مهرا، وليكن ذلك مبدأ تنطلق منه الاسرة المؤمنة برجالها ونسائها والتي يشكل فكر اهل البيت عليهم السلام دستورها، مبدأ يؤمنون به ويصرون عليه ويسعدون به ويثقون بأثره وبركته الدنيوية والاخروية وان لم يلمسوها بأيديهم.

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...