ابحث في مدونتي

الاثنين، 16 أكتوبر 2017

حين كنا ننتمي للحسين "ع"

ها قد عادت أيام عاشوراء، وها قد عادت مواضيع الجدل ذاتها، ولا أعرف هل أكون مجحفةً حين أقول أن الأمور -غالبًا- لا تتعدى دائرة الجدل!
في العام الماضي أُثير كثيرا موضوع تواجد النساء في محيط مواكب العزاء الرجالية بغرض المشاهدة، لتعاد مشاحنات الموضوع مجددا هذا العام وقبل أن تبدأ مراسم أيام عاشوراء المهيبة، لكني أجد أن العنوان أعمّ من “تواجد النساء في مواكب العزاء الرجالية” إنه عنوان إقامة شعائر نؤمن أنها من تقوى القلوب، إنها الحفاظ على قدسية وروحية وقيمية تلك الشعائر انعكاسا لمبدئية وقدسية صاحبها.
كان الشعار “حسينيون” يختصر المسافة بين معنى إحياء ذكر الحسين عليه السلام وكيفية وروح إحيائه، وإن احتوى ذلك الإحياء على بعض المظاهر التي كان لا بد من تهذيبها وتشذيبها بل وإيقاف بعضها وابتكار بعضها، لكن كان معنى أن نكون “حسينيون” هو أن نتمثّل قيم وسجايا وأخلاق الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه سلام الله عليهم جميعا والتي تفتّقت في كربلاء، كان معناها أننا من يريد الانتماء لخطه وفكره ونهجه، وكانت أيام عاشوراء هي أيام استنهاضٍ وتأكيدٍ على قيم مارسها الإمام الحسين ومن معه مقابل قيم رفضها برفضه ليزيد ومعسكره، كان الهدف الأساسي من إحياء واقعة الطف وشخوصها بحزنها وألمها هو أن نعرف ماذا تحتوي تلك الواقعة من دروس أخلاقية وسلوكية تمس صلب عقيدة وأخلاقية الإنسان الموالي لفكر محمّدٍ وآل محمد عليهم السلام، ولذلك فلطالما حتم الواجب أن يتم نقد الكثير من الممارسات والسلوكيات التي تحصل أثناء جو الإحياء وأحيانا باسم الشعائر والتقديس والإبكاء من أجل المحافظة على الهدف المرجو من إقامتها عبر عملية تقويم تنتج عن عملية تقييم واعية.
أتذكر جيدا حين كنت طفلة، أن كل ظلٍّ على حائط مأتم كان مهيئا ليعتبره البعض “معجزة عاشورائية”، وأن الكثير مما صار اليوم مسلّمًا به علميا، كان في سابق الأيام شيئًا مرتبطًا بالإعجاز المحمدي، لم يكن ذلك إلا نتاج بساطة الناس وقلة العلم مما كان يؤثر سلبا على هدف إحياء عاشوراء محولا إياها لأيام تجاذبات رؤى وتخيلات تبعد الناس عن الإحياء الواقعي لتلك الفاجعة.
ليختلف الأمر كثيرا هذه الأيام، حتى بات الخطيب الذي لا يحكي العقائد والواقعة إلا عبر رؤيا شاهدها في المنام مرفوض عند من يحرص على النهل من علم وقيم مجالس الإمام الحسين “ع”، ولا زلنا نحتاج لشيءٍ من التهذيب والتشذيب إما لأساليب الإحياء العاشورائي أو للمادة المقدمة فيه وكذلك لا زلنا بحاجة لتعديل وتقويم الكثير من التجاوزات التي تصاحب الكثير من برامج ومراكز الإحياء كحالة طبيعية تحتاج ليقظة دائمة، هذا فضلا عن مواجهة الكثير من الأباطيل التي تُلبّس بها شعائر الإمام الحسين عليه السلام مما نبتلى به كل مدة من بعض الشّواذ.
هل من المبالغة أن نقول أن قلة العلم والوعي في السابق كاد أن يخطف جمال عاشوراء منا وكاد أن يفوت علينا فرصة مركزية استثنائية تمكننا من عيش عشرة أيام أو يزيد بأسلوب نكون فيه مهيئون تماما للتفرغ من أجل هذا الإحياء فحسب؟
ربما يحوي ذلك شيئًا من المبالغة..
والدليل أن عاشوراء الحسين لا زالت تحيينا سنويا ولا زالت تتسع رقعتها كلّ عام ولا زالت راية تحمل اسم كربلاء بعنوان الانتصار على الظلم والجبروت خفاقة، ولعل سلسلة النقد التي يتعرض لها الكثير ممن أخفق في استثمار مجلس الحسين ليطعّم المجتمع بفكر عميق دافع للبناء والتطوير والخلود وإن كان كثيره أحيانا يتجه لهدم وجود المنبر باعتباره أداة ووسيلة رجعية لم تعد قادرة على التغيير، وهو من النقد الذي أثق أنه سيسقط أمام النقد الواعي الذي يؤمن بالحسين عليه السلام منبرًا وإحياءً وثقافةً تقوم على أمل إحياء قيمه.
إلا أن تحولا أراه يكبر مؤخرا وأظن أن مواجهته وتهذيبه أمر في غاية الأهمية، أمر لا يقل أهمية عن نزع الجهل والاكتفاء بالصياح والأحلام من برامج ومواد الإحياء، إنه تحول البعض من النداء بشعار “حسينيون” إلى النداء بشعار “الحسين للجميع”.
“الحسين للجميع”
أثق أنه شعارٌ راقٍ أساسه الإيمان بأن الإمام الحسين كمثل أبيه وأخيه ووالدته وجدّه وبنيه عليهم الصلاة والسلام، وجود إنساني استثنائي يستحق بجدارة أن يكون -بل هو هو- النموذج الحقيقي للوجود الإنساني الذي يريده الله للإنسان، إنهم الكمال الذي يسعى إليه أي إنسان يريد لنفسه أن تعلوا للكمالات الإنسانية عبر بوابة عقيدة سليمة أسست لمنظومة قيم وسلوكيات يطمح لها كل بشري سوي، وتطمح لها كل المجتمعات الحالمة بأن تكون مجتمعات منتجة على كل الأصعدة، سواء آمنت بتلك العقيدة أو اكتفت بمنظومة القيم، إلا أن رفعه عند كل نقد لمظاهر وسلوكيات وتجاوزات تمارس ضمن بعض الشعائر لا يختلف عن مطالبة الكثيرين بالاحتفاظ بالجهل والأحلام والبكاء الفارغ كأسس لإحياء عاشوراء الحسين “ع”.

بناءً على هذا الشعار، صار من الواجب أن يُقبل كل سلوك لائق أو غير لائق، شاذٍّ أو مقبولٍ أثناء التواجد ضمن دائرة إحياء عاشوراء على اعتبار أن الحسين رسالة للجميع وهو كذلك، وعلى اعتبار أن حرية الجميع مكفولة فالحسين لهم كما هو لنا، وكأن هناك حالة من محاولة لـ”وهب” الحسين عليه السلام ضمن هذا الشعار، فصار من حق الجميع أن يهبه للجميع وخرجنا من حالة أننا حسينيون ننتمي إليه، إلى حسين ينتمي للكل! وتم تحويل كربلاء لدى كثيرين من حالة قيمية وقضية مبدئية لفن وذوق وسحر، وهذا يعني أن نقبل الجميع بما هو عليه وإن كان يعني ذلك المساس بقدسية الرسالة الحسينية، فالأهم أن يبدَع الحسين رسما وشعرا ونثرا لترسم فسيفساء كربلاء بطريقة حضارية راقية، لتكون كربلاء مجرد أسطورة شعبية وأهزوجة يُدعى الجميع لإحيائها.
وتحولت تلك المرأة الغير محجبة والتي تعودت وتعودنا في سابق الزمان، أن تحضر إحياء عاشوراء متشحة بالسواد والحشمة وعيًا بالحسين وما يمثله من رسالة سماوية طاهرة، إلى مستضعفة تُسن الأقلام للدفاع عن حقها في “التبرج والسفور” بمحاذاة مواكب العزاء بل في منتصفها أحيانا فالحسين للمحجبة والسافرة على حد سواء!!
وصارت مجرد الدعوة للشباب عامة ذكورا وإناثا بالحفاظ على “هيبة” إحياء واقعة الطف، تدخلات سافرة من رجعيين يظنون أن الحسين “ع” ملكًا لهم، فما الضير أن يحضر أحدهم مجلسا حسينيا وأسفل ظهره يبرز من الخلف بينما يغطي عينيه التي تشخ بالدموع؟! وماذا يعني أن يسعى تلك الليلة وراء فتاة غمزت له أثناء مرور موكب شارك فيه بينما يواسي الزهراء “ع” لتزيد حماسته في اللطم؟!
منطق لا أعرف حقًّا إن كان من يتمنطّق به قد حكّمَ عقله فعلًا أم يحاول تبرير ما يريد أن يمارسه فحسب!
إن كان الحسين للجميع بمعنى أن يُبدِعه كلٌ كيفما يشاء، فمن يجد الحسين مجرد حلم ومن يجد إحياء ذكراه ضمن مواكب باسم “كلاب رقية” وغيرها مما أُبتليت به بعض المجتمعات مؤخرا، فهم يمارسون حصتهم من الحسين ولا يحق لمنتقد أن ينتقدهم أيضا!
وُفِّقت مدة لحضور مجالس حسينية في عاشوراء بأحد المجتمعات العربية، مجتمع لطالما قُورِنَّا به ولطالما طُولبنا أن نتشبّه به، ولعمري ما وجدت هناك إحياءً ولا عَبرة ولا عِبرة، فالحسين عليه السلام مجرد عادة تجمع سنوية يصاحبها الكثير من التجاوزات التي فُرضت على مجالس الإحياء تلك بسبب طبيعة المجتمع المنفتحة جدا، والذي علينا اليوم أن نعتبره مسطرة قياس ونتمثّل به!!
منحنا الله نعمة في مجتمعنا، هي نعمة الوعي بأهمية إحياء عاشوراء، وتنوع وسائل الإحياء تلك بين مجلس حسيني ومواكب لطم وفعاليات رسم وتشابيه ومضيفات وتمثيليات وأهازيج وأمسيات شعر، لا زلنا ندرك أن الحسين عليه اسلام قضية إيمانية إنسانية تحكي وحشية الظلم وجمال الإيمان والإخلاص والإيثار، لذلك لا زالت الدمعة الحزينة الواعية الإنسانية تصاحب فعالياتنا متّشحة بالخشوع والجلال والاحتشام ولا نحتاج لأكثر من محافظة على بعض الجنبات وتهذيب بعض الجنبات وتفكير عميق بأهداف إحيائنا قبل أن نرفع الصوت من حيث ندري أو لا ندري لنحوّل القضية الكربلائية لمهرجان احتفالي بهيج من حيث أثق أن لا أحد يريد.
عظّم الله أجوركم وأجورنا..
وأسأله التوفيق لنكون خير من يحيي ذكر محمد وآل محمد عليهم السلام كدروس نعيها ونتمثل بها ونحيا بين جمال قيمها.





نشر بتاريخ
16/10/2016

السبت، 14 أكتوبر 2017

المقاومة: العملية المشروعة

لو قمنا بعملية تركيز صغيرة، عبر استقطاع موضوع أو زاوية مكانية أو فكرة ووضعها تحت المجهر، مراقبين ما طرأ عليها من تحولات خلال عشرين سنة مضت حتى اليوم الحالي، فماذا تتوقعون أن تجدوا؟
بالتأكيد لن يكون ذلك الموضوع أو تلك الزاوية أو هذه الفكرة موضع البحث هي هي ذاتها خلال تلك السنوات المنصرمة، وسنجد أن تغييرا طرأ في شكلها أو جوهرها أو في تعاطي الناس معها حتى لو لم تكن يوما محطة اهتمام.
ذلك أن وعي الإنسان الفردي وكذلك وعي الجماعة والمجتمع لا يبقى كما هو، فهو قد يتطور لأسباب وقد يتراجع لأسباب أخرى، مؤثرا فيما يتعامل معه الناس، وفيما يعتنقونه من أفكار وفي ما يقررونه من مواقف.
انها عملية التغيير “القسرية” التي تحصل يوميا إما بشكل محسوس أو غير محسوس، يؤثر في درجة الإحساس بها أثر الموضوع في أصله على الناس أو أحيانا أثر ما طرأ عليه من تغيير.
رغم قسرية عملية التغيير، إلا أن من الطبيعي أن هناك عوامل مؤثرة أدت اليه، وأكثر العوامل تأثيرا هو “الناس” أي أفراد المجتمع، ومدى دفعهم بإتجاه التغيير أو رفضهم له مع الأخذ بالإعتبار أن هناك غالبا حالة مقاومة للأفكار والتغييرات الجديدة بحسب الكثير من علماء الاجتماع وبحسب ما نلمسه واقعا بأعيننا، وهي ليست بالضرورة حالة مقاومة “رجعية” أو “سلبية” أو “كارهه للتغيير” بل أجد في كثير من الأحيان أن عملية المقاومة تلك طبيعية جدا وتذهب بنا في اتجاهين لهما ثالث طبعا وربما أكثر:
الاتجاه الأول: تعديل التغيير الطارئ بشكل أكثر اتساقا مع روح المجتمع وأكثر فعالية
الاتجاه الثاني: تطور الوعي الفردي والاجتماعي نحو عملية التغيير تلك ومن ثم الانتقال اليها واعتناقها ايمانا بضرورتها وأهميتها
أما الإتجاه الثالث فقد يكون الإتجاه السلبي، الذي يرفض معه المجتمع التغير في جنبة معينة رغم الأذى المتحصل من عملية الثبات “الظاهرية” لتلك الجنبة وان كنت اثق ان التغيير مصيبا اياها لا محالة انما قد تحتاج وقتا أطول من غيرها، وربما تُخلِّف ضحايا يشعر المجتمع مع سقوطهم بضرورة الذهاب نحو التغيير مع كل أسف. 
ما أود الحديث عنه هنا هو “عملية المقاومة” التي تفرزها عملية التغيير كرد فعل عليها داخل المجتمع وفي عمق بعض الأفراد والجماعات، إذ نجد أحيانا أن أصابع إتهام جريئة وربما وقحة، تصمُ أفراد المجتمع أو جماعة فيه بوصمة التخلِّف والرجعية حين ترفض تغييرا ما أو تقاومه بغض النظر عن ماهية ذلك التغيير، وهل هو تغيير نحو الأفضل أم تراجع يظنه طالبوا التغيير ومؤيدوه تقدما. وذلك لا يعني طبعا أن نطرح أو نتجاهل الحقيقة التي تقول “أن المستفيد من بقاء الأمور كما هي سيظل متشبثا بثباتها محافظا على مكتسباته الشخصية والفئوية والحزبية” ولن ينتصر لعملية تغيير مفيدة إلا حين يقدم المصلحة العامة على مصلحته الخاصة وإلا جرفته عملية التغيير.
ان عملية تطور المجتمعات انما قامت عبر عملية التغير ومقاومة أثره ومن ثم القبول به أو تحسين نتيجته لشكل أكثر تناسبا لكن ليس بشكل عشوائي مطلق، وهنا يستحضرني مبدأ هيجل والذي يؤمن بأن: 
“التاريخ حركة منطقية (جدلية)، وهو في الغالب سلسلة من الثورات، يستخدم فيها “المُطْلَق” الشعوب إثر الشعوب والعباقرة إثر العباقرة أدوات في تحقيق النمو والتطور (نحو الحرية) إن هذه العملية المنطقية (الجدلية) في سير التاريخ تجعل من التغيير مبدأ الحياة الأساسي؛ إذ لا شيء خالد، وفي كل مرحلة من مراحل التاريخ يوجد تناقض وتعارض لا يقوى على حله سوى صراع الأضداد والتاريخ هو نمو نحو الحرية وتطورها”¹
كما يعبر عن ذلك “جوستاين غاردر”: “ما من شيء أفضل للتقدم من وجود معارضين أقوياء”²
إذا هل من الممكن إعتبار المجتمع المرن جدا “على فرض أنه موجود”، والذي يقبل بكل تغير وتغيير وتبدل، في شكله وأفكاره وهويته ومعتقداته وسلوكياته، مجتمعا صحيا؟
وهل من الممكن النظر لعملية المقاومة التي تحدثنا عنها، كعملية شيطانية لا بد من ايقافها والتسريع بموتها؟
وهل من الذكاء والتحضر أن تقفز المجتمعات للتغيير تقليدا لا اكتسابا واستشعارا بأهمية التغيير، بل وعبر المساهمة في صياغة عملية التغيير واضعا بالاعتبار الكثير من العوامل التي ستجعل عملية التغيير تلك ذات جدوى؟
إن الحارس الحقيقي الذي قد يتطرف أحيانا في حفظ المجتمع من عمليات تغيير هدّامة، وقد ينخر الفساد أحيانا أخرى المتصدين فيه، هو عملية المقاومة التي توجد بروح الإنسان والمجتمع لبعض عمليات التغيير خصوصا فيما يتعلق ببعض خصوصيات المجتمع والتي قد تكون جزء من الهوية التي تميزه، لقد حسَّنت المقاومة الكثير من عمليات التغيير الجارفة التي جاءت للمجتمع من الخارج لا من عمقه، وهي غالبا عمليات تغيير شكلية يتبدل فيها ظاهر المجتمع دون جوهره وهو ما يخلق حالة من التناقض والعشوائية التي تُسهم في وقوف المجتمع في نقطة محددة لا هو بقادر على أن يتراجع عن التغيير الذي لبسه ولا هو بقادر على التقدم به للأمام.
وهي في اعتقادي على عكس عمليات التغيير التي سعى لها المجتمع من واقع حاجة في التغيير، فاندفع باتجاهها وقد استشعر غالبية أفراد المجتمع الحاجة لها، وصاروا يحللون ويفككون ويركبون طريق التغيير الذي صاروا بحاجة ماسة اليه حتى وصلوا له بشكل أكثر استقرارا وفعالية وقوة، متجاوزين بعض المقاومين الذين قد يطلق عليهم لقب “متطرفين” حتى يلحق هؤلاء بركب مجتمعهم بعد حين.
وعلى الرغم من عمليات التغيير المستمرة، الناجحة أحيانا والمؤسفة أحيان أخرى، نجد أن المجتمعات في عمومها قد احتفظت بهوية وتاريخ يخصها، ذلك أن ضمان الوصول لمستقبل ناجح هو عبر مراجعة ومتابعة تاريخ ذلك المجتمع لا المجتمعات البعيدة رغم الحاجة لدراسة تجارب الشعوب طبعا، ومن ثم الخروج بعمليات تغيير من صلبه ورحمه لا عبر زرع “نطفة” غريبة في رحمه تؤدي لانجاب جنين غير شرعي لا يقبله المجتمع وان قبله ظل متعثرا به!
1/ ول ديورانت: قصة الفلسفة، ص380، 381.
2/ جوستاين غاردر: عالم صوفي، ص385.



نشر بتاريخ 
4/6/2016

الأربعاء، 11 أكتوبر 2017

آمن بالكلمات على قدر إيمانك بالصمت



كثير ما نواجه مواقف لسوء الفهم واختلاف وجهات النظر قد تصل أحيانًا للتصادم، التصادم في وجهات النظر لا التصادم الحقيقي المفضي للأذى.
.
وكثير ما نختار أحيانا أن نصمت وننسحب امتثالا للقول المأثور؛ (الباب الي يجي منه الريح سده واستريح) خصوصا حين نفقد الأمل بالقدرة على التغيير في وجهة نظر الطرف الآخر، أو حتى الاقتراب منها، أو حين نفقد الأمل في روحية الطرف الآخر ورؤاه ونرفع راية بيضاء للسلام معه رغم الاختلاف درءا لولادة خلاف.
.
لكن.. يبقى للكلمات أثرها الساحر في رفع الخلافات وحل المشكلات وعلاج القلوب المحتقنة، ولا أعني هنا الكلمة الطيبة فتلك لوحدها حكاية، لكن أعني أن نختار: (التحاور/النقاش/التوضيح/الاستفهام/العتاب المنتج/النقد البناء/الكلمة المكتوبة) في تفاعل البشر بعضها مع بعض.

حين تكون الكلمات سيدة التعاملات بين الأب وأبنائه، بين الأخوة والأخوات، بين الأصدقاء والصديقات وزملاء العمل والعلم، بين الأزواج والأهل والجيران والأقارب، بل حتى بين الغرباء الذين للتو اضطروا للتفاعل مع بعضهم بسبب حادث سيارة أو لقاء على هامش عمل مؤقت أو مجرد تلاق عابر، حين تكون سيدة كل هذه العلاقات هي الكلمات فكم من باب ريح سنسده لكن ليس على طريقة الصد والانسحاب، بل على طريقة استئصال السوء والشر والإبقاء على الود والمحبة؟
.
مؤسف أننا نفقد الكثير من الأبواب المفتوحة لعلاقات كانت من الممكن أن تكون منتجة وفاعلة وصحية لأن أحد أطراف أو كل أطراف تلك العلاقة يفتقدون لفن الكلام؟! يكفرون بسحر الكلمات؟ يؤمنون بالانسحاب وغلق الأبواب؟! ويختارون الصمت في الوقت الذي يكونوا فيه بأمس الحاجة للكلام؟!
.
كل علاقة منتجة هي علاقة مفعمة بالكلمات، وحين تود أن تقيس مدى نجاح علاقة..فقط راقب خارطة الحوار لطرفي العلاقة، أبجدية أطرافها ومدى قدرتهم على التحدث مع بعضهم حين الاختلاف كما حين التوافق، أثق أن كل علاقة تختفي منها الكلمات وتنسحب من بين جنباتها الابجدية علاقة تسير نحو الموت، بربكم من منا يصاحب صديقا صامتا؟! وأي علاقة تلك التي لا تعيش سكرة الثرثرة أحيانا والضحك أحيانا والفضفضة أحيانا والصمت أحيانا أيضا؟! بل والانفعال حين التحاور أحيانا؟! مجرد وجود حالة من الانفعال لا تلغي وجود حوار ولا تعني نهاية انسجام، لكن احترام حالة الانفعال التي قد يمتلئ بها أحدنا عند الدفاع عن وجهة نظر -دون الاساءة طبعا- جزء لا يتجزأ من أبجدية الطرفين وخارطة حوارهما وجمال مشاغبة أفكارهما لبعضهما وقد يكون ذلك الانفعال جانب من حوانب اثراء العلاقة وتنمية الشخصية لكل فرد معني بها.
.
إذا أرتم أن تحافظوا على علاقات صحية.. حافظوا على أبجدية وخارطة حوار واسعة جدا.. آمنوا بالكلمات كما تؤمنون بالصمت.

الأحد، 1 أكتوبر 2017

انطلق من محرم ولا تتعثر به


لطالما تساءلت؛ هل من الممكن أن يخلو موسم شعبي ما أو فعالية جماهيرية ما من سلبيات؟! وأتبَعتُ التساؤل بآخر؛ وهل يعني ذلك أن نتوقف عن عملية النقد والمطالبة بالتصحيح؟ يبدو أن الجواب عن هذين السؤالين المتناقضين هو ذاته بـ: لا.

نعيش في البحرين وفي مختلف بقاع الأرض زخما جماهيريا كبيرا في عشرة محرم الحرام بمناسبة ذكرى استشهاد سبط النبي محمد صلى الله عليه وآله، وعلى الرغم من امتلاء هذا الزخم الجماهيري بالجوانب الإيجابية التي منها أنَّ جميع الفئات الاجتماعية تسعى للمشاركة فيه وتنهل من معينه إلا أننا نشهد كذلك جوانب سلبية يُسلّط عليها الضوء بتركيز يزيد أو يقل بحسب عوامل مختلفة، وأثق أنّ ذلك التركيز ناجم في أغلبه عن حالة إيمان بضرورة استثمار هذه الأيام خير استثمار وتصحيح المسيرة الإحيائية ودفعها لأرقى الدرجات، والإصرار على تمثُّل القيم الحسينية التي استشهد من أجلها سبط رسول الله وقُتل مع أهل بيته وصحبه شر قتلة، مع ذلك لا يخلو هذا التركيز أيضا من مماحكات وتحزبات وحسابات نسأل الله أن يبعدنا عنها.

منذ اليوم الأول من شهر محرم الحرام؛ بل قبل ذلك بأيام، بدأت عملية الرصد المكثفة لكل واردة وشاردة أثناء العملية الإحيائية لم تبدأ من ورقة المنديل الملقاة على الأرض ولم تنته بالمنبر الحسيني، وأثق أن الضغط سيؤدي إلى تغيير إيجابيّ إن شاء الله، لكن بشرطه وشروطه وإذا ما كان ضغطا دافعا للأمام لا مثبِّطا ولا محبِطا ولا مستعدِيا ولا مهوّلا.

السؤال؛ هل حقا لا يتحقق التغيير إلا عبر رصد السلبيات والتركيز عليها وإلقاء اللوم والعتاب والتقريع وأحيانا التضخيم؟!

نعرف جميعا أن عملية التغيير تتم عبر عدة عمليات منها إثارة الوعي بضرورة وجود شيء ما أو بضرورة التخلي عنه، ومنها النقد البنّاء الذي يهدف إلى الكشف عن جنبة قد تكون غير مكشوفة وإن لم يعطِ الناقد علاجها فيَكْفيه أنه كشفها وأماط اللثام عنها لعل غيره يكشف عن علاجها.

وللنقد أصوله وليس من أصوله أن أُثبت على طول الخط سوء جهةٍ ما وسلبيتها وتخلّفها، فذلك كما أخشى ليس سوى تحزبًا وتضخيمًا وتغوّلًا في وجه جهة أو وسيلة لغرض شخصي بحت هو (أنا) الإنسان التي تعشق أن تكون هي صاحبة الحق المطلق.

أما العملية التي تغيب كثيرا عنا فهي عملية التعزيز، فالكثير من السلوكيات والعادات والأفكار في موسم محرم الحرام هي أفكار وسلوكيات وعادات إيجابية نحتاج إلى تعزيزها وإلقاء الضوء عليها وإشاعتها، بل إن كثيرًا من العادات والسلوكيات والفعاليات هي في أساسها تحمل بعدا إيجابيا قد يكون الإسراف في التمسك به أو التركيز عليه أو سوء تطبيقه أنتج بعض الجوانب السلبية التي يظل من الواجب تشذيبها وتهذيبها وليس رفضها برمتها.

مثلا: في قرية المالكية مضيف قائم على عاتق مجموعة من الشباب من فئة الصم والبكم. هل تساءل أحدنا ماذا يمثل لهم أن يقدموا خدماتهم عبر هذا المضيف؟! وماذا يعني لهم أن يكتظ الأطفال والكبار عندهم؟!

على الرغم من التناول السلبي لظاهرة المضيفات والحاجة الحقيقية لتقنين هذه الظاهرة خصوصا في بقعة صغيرة مثل البحرين، كانت لهذه المبادرة الشبابية لفتتها الخاصة وأثرها الإيجابي. ماذا لو تحولت تلك المضيفات لكشكات كتب توزع مجانا مخصصة مرة للأطفال ومرة للمراهقين؟! ماذا عن خيام خاصة بمضيفاتها تنصب عند المآتم خصوصا قاعات النساء لتستقبل الأطفال وتشغلهم عبر قصة وتسجيل ورسم وورشة وإطعام، تحكي لهم عن قيم الحسين "ع" تاركة للأم فرصة لمواساة الإمام ولبقية النسوة هدْأةً للالتفات إلى حديث الخطيب؟! ماذا عن الكثير من الأفكار التي نحتاج إلى شغل عقولنا بها بدل حمل مجهر يلتقط بعض السلبيات ليضخّمها ويهوّلها ويحوّلها لنقاش عريض عبر مواقع التواصل -وغالبا مع الأسف- دون نتاج يذكر؟!

فالكثير من النقاشات الحقة التي تجري عبر مواقع التواصل الإلكتروني تهدف إلى مناهضة بعض الممارسات الشاذة في إحياء ذكرى الحسين عليه السلام؛ لم تكن سوى سجالات أدت لإلقاء الضوء عليها ونشرها وربما إشاعتها في جهود أدت إلى عكس ما يراد منها، بينما كان قد تناولها الكثير من المراجع والخطباء وليس مكانها أو وقتها عشرة محرم الحرام على أقل تقدير.

في العراق وخلال ساعتين فقط تم جمع مبلغ وقدره ١٣ مليون دينار عراقي لطفلة فقيرة بحاجة لعملية جراحية تكلفها ١١ مليون دينار عراقي، أليس ذلك استثمارًا لإحياء عاشوراء؟! أليس ذلك إحياءً لقيم الإمام الحسين "ع"؟! من منا التفت إلى هذه اللفتة؟!

في قرية داركليب انطلقت مسابقة للقصة القصيرة ربطت شخصية محلية حكواتية بعاشوراء تستهدف طلاب وطالبات المرحلة الاعدادية (يمكنكم الاطلاع عليها عبر الصورة المرفقة). الكثير من الأفكار والفعاليات التي تقوم على سواعد فَتِيّة وشابّة وكبيرة وصغيرة؛ رجالًا ونساءً هي جهود في خدمة قضية الإمام الحسين عليه السلام، هدفها الأساس تعزيز وتأكيد المعرفة بالحسين وثورته منذ ما قبل كربلاء حتى ما بعدها، وهي جهود تستحق بل تحتاج أن تُشكر.




إن التركيز والتأكيد والترصد لكل ما هو سلبي غوّل الكثير من الأمور الصغيرة التي -لربما- ما كانت لتُثبت وجودها لولا هذا التركيز، بينما الكثير من الإيجابيات ومع كل أسف جرى تحجيمها عبر عدم الالتفات إليها وعدم مدها بالدعم المعنوي الذي تحتاجه فضلا عن الدعم البشري، فالجهود منصرفة إلى رصد وتأكيد كل ما هو سلبي!


نحن في قرانا ومآتمنا ومدننا وبلداننا نشهد وسنشهد الكثير من الأخطاء والسلبيات، فإما أن نتعثر بها ساقطين مضيِّعين أجمل وأرقى موسم نحياه، أو ننطلق منها مصحِّحين مصرّين على الإيجابية في التعاطي والواقعية في التشخيص.

والسؤال الذي يجب أن نسأله أنفسَنا: كيف من الممكن أن نقدم الفكرة من أجل أن تؤثر في عملية تصحيح حقيقية؟! وكيف نرتفع بها عن تثبيط الهمم؛ لتكون انطلاقة لعلاج ما نراه سلبيا؟

نفعنا الله وإياكم بالحسين وذكرى الحسين "ع".

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...