ابحث في مدونتي

الاثنين، 24 يوليو 2017

مقال سابق: الفضيلة بين الافراط والتفريط

لفتت نظري مجموعة من التغريدات لأحد المدونين العرب، انتقد فيها (فريضة الجهاد) بصورتها التقليدية القائمة على ثقافة المدد الإلهي، ورغم أني أختلف معه في بضع توصيفات كتبها، إلا أن تغريداته تقاطعت في بعض جزئياتها مع أفكار كنتُ قد مررت عليها، إما عبر قراءاتي أو بين بضع مناقشات خضتها مع آخرين، منها على سبيل المثال فكرة للدكتور علي شريعتي في كتابه النباهة والاستحمار تتلخص في الفقرة التالية:
 
(عندما يشب حريق في بيتك، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن، فكيف إلى عمل آخر؟ فالاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف إلى عمل آخر ما هو إلا استحمار وإن كان عملًا مقدس أو غير مقدس)!
في اعتقادي إن فكرة ترتيب الأولويات هنا هي الفكرة التي تسيطر على منتقدي المجتمعات الإسلامية في تعاطيهم مع بعض القيم والواجبات الدينية، فالتصرف الطبيعي مثلًا لمن احترق بيته أن يحمل الماء ويستنجد بالجيران لينقذ عياله وممتلكاته، لا أن يصلي صلاة الاستسقاء حتى ينقذه الله بغيث من السماء!
أتصور أننا نحمل الكثير من القيم، بصورتها التقليدية التي تخلق منا بشرًا متواكلين وكسالى، وتُخرج من تحت أيدينا مجتمعات استهلاكية مغلوبة على أمرها، يبتزها الحاكم جهرًا والدول العظمى مواراة وسرًا.
بنظرة سريعة على المجتمعات الإسلامية ستجد أن الأسلوب السلبي في حملنا لقيم السماء هي أساس للكثير من مشكلاتنا، نحن مجتمعات مهزوزة لا تثق بقدراتها ولا بقيمها، وإلا فعلام نُمنى بالهزيمة كل حين؟! لأننا كثيرًا ما ظننا أن النصر يعني أن نحمل السيف ونتقدم، دون خطة، دون مراقبة، دون علم مادي نستثمره في دراسة مقدمات المعركة ثم أسباب النصر، ثم حين تغرقنا الهزيمة ندفع بالاتهامات تجاه قيم السماء (الي ما تجيب خبر) ثم صرنا نفتش بين دفات الشعوب المنتصرة عن قيم بديله وأنظمة أخرى غير التي منَّ الله بها علينا!
اليوم يهرب كثيرون من القيم النبيلة، لأن هناك من استخدمها بصورتها البالية الفجة، حتى أثبت لهم فشلها، وكأنها باتت مجرد فضائل أو قيم نظرية فحسب ولا تصلح للحياة الواقعية. كثير من المجتمعات الإسلامية اليوم تعيش أزمة الاستغراق في الماضي، كالجماعات الإسلامية التي ربما تعيش أكذوبة أن الحق كل الحق في أن ترجع أيام الخلافة الإسلامية على الطريقة الأموية، فتسبي النساء وتقطع الرؤوس وتأكل أكباد البشر!! وكثير من المجتمعات الإسلامية تريد الانطلاق نحو مستقبل غريب لا يعرفونه ولا يعرفهم، لا يربطهم فيه بالإسلام رابط، فالإسلام ليس سوى مكبل للشعوب، وقاهر لها، ومحارب للعلم، متوحش يدعو لافتراس الآخر وسحقه دون رحمة!!

كثيرات كفرن بالالتزام الديني، ذلك أنهن اخترن لهن أزواجًا ملتزمين دينيًا ظاهرًا، يظنون أن الدين هو أن لا يبتسموا في وجوههن، وأن يشاوروهن ليخالفوهن، وأن يعاملوهن من منطلق أنهن ناقصات عقل ودين!! حتى إذا ما اراد لها الله أن تخرج من حلق ذلك الزواج حتى تصر على أن تتزوج بآخر لا يستمع للخطب الدينية، ولا يكترث بالمتوارث من الأقوال والعادات، حريص على الاستماع للأغاني، متدبر في برامج التلفاز، مستغرق في المقاهي، نسي الطريق للمسجد!!
 
كثيرون سئموا من مقولة (رضا الله من رضا الوالدين)، ذلك أن والدهم لم يرض عنهم يومًا، رغم أنهم أطاعوه حين قرروا أن يدرسوا تخصصًا أراده هو ولم يريدوه هم، ذلك أنهم حين تزوجوا اختاروا زوجة يريدها هو لا هم من أرادوها، ولا زالوا يعنفون صبحًا ومساء تحت ذريعة هذه العبارة وتلك، ناسين أو متناسين أن رضا الله لا يتوافق مع قهرهم وكبت حاجاتهم والتدخل بكل شؤونهم، وأن نصيب الوالدين هو البر والإحسان لا الطاعة العمياء!
كثيرون صاروا يطالبون بقوانين وضعية تلغي قوانين السماء كقانون الأحوال الشخصية، ذلك أن المحاكم الشرعية ملئى بظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ذلك أن كثيرون ممن وضعوا أنفسهم تحت طائل مسؤولية الحكم بين الناس، قد فقدوا عدلهم واتجهوا نحو شهواتهم واستغلوا مطرقة سلطتهم لينفذوا رغباتهم لا عدل الله وإحسانه!

لا أدري حقًا إن كان من حقنا أن نلوم أفرادًا تمردوا على مجتمعهم الذي يكبل الفضائل، ليحولها من معناها المرن الإنساني الوادع، لسجن بغيض يحبس داخله إرادة الإنسان وحريته وسعادته التي أراد الله لها أن تحفظ، لكني أثق أننا مطالبون بتصحيح الأمور.
أنه من واجب كل فرد أن يتعرف حقًا، على دين الإسلام بصورته المحمدية الأصيلة، التي تتباهى في أروع صورها عند أهل بيت نبي الرحمة، الذين عبدوا الله حق عبادته، وأدوا إليه حقوقه، وكانوا كالبلسم الشافي يضمدون جراح الأمة التي ما هدأت جراحها منذ وفد نبي الرحمة على العلي الأعلى.
لنحفظ فضائل الصبر والحب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمداراة والإحسان للوالدين وغيرهم من سندان الإفراط ومطرقة التفريط، حتى تثق الأجيال بما تحمل من ثقافة إسلامية إنسانية لا يأتي عليها الدهر أبدًا.
 
 
نشر بتاريخ
25 أكتوبر 2014
 

مقال سابق: في موسم الحج .. الأطفال الحلقة الأضعف


في بقعة هي من أطهر البقاع، وعلى أرض فجّرها الله إكرامًا لطفل، هو النبي إسماعيل عليه السلام، وتروية لحاجته الملحة بالماء، ورأفة بعاطفة الأمومة التي أجبرت هاجر أن تسعى سبعًا بين جبلين، متوكلة على الله راجية أن يحفظ لها فلذة كبدها..


ستجد هناك على ذات الأرض، بينما تمارس مناسك هاجر، وبينما تستذكر الأمومة والرحمة، والطفولة واللطف الالهي، ستجد أن الطفولة هناك يتم استغلالها بكل قسوة.. ستجد أن عاطفة الأمومة ليست سوى سلاحًا لاستدرار عطف الحجاج، الذين أمَّوا تلك البقاع من كل واد.. وستجد أن السعي مهملٌ تمامًا ولا يتجاوز كونه مجرد طقس، عند من اختار أن يجتذب الأموال، عبر استعطاف الآخرين ببكاء الأطفال، بجوعهم ودموعهم وأحيانًا باستعراض بتر أعضاءهم! 
 
 






أذهلني كثيرًا أن أجد على قارعة الطريق، أمهات بعز شبابهن أحيانًا، يصطففن على امتداد صحراء منى، وبشكل أكثر تحديدًا عند منطقة رمي الجمرات، مستعرضات أطفالهن من مختلف الأعمار، بينما يبكون بحرقة تحت لهيب شمس منى الحارة، طمعًا في بعض الريالات!


لم أتمكن من التركيز كثيرًا في تلك المناسك، بينما أرى أطفالًا بعضهم لم يتجاوز السابعة من عمره، وهو يكشف عن كتفه المنزوع منه ذراعه ويمد اليد الأخرى لاستلام الأموال!
إحدى الأمهات كانت تضع طفلتها المنهكة، ذات الثلاث سنوات ربما، جالسة تمامًا أمامها، بينما يقع رأسها كل ثانية على كتفها حين يغلبها النوم.. طلبتُ من الأم أن تضع ابنتها في وضعية الاستلقاء إلا أنها رمقتني بنظرة غاضبة وأشارت عليّ بيدها أن (ابتعدي)!


هل من الغريب أن تستغل أمهات أطفالهن بهذه الصورة؟ هل من الغريب أن تتجمد عاطفة الأمومة عندهن لدرجة أن يقبلن بترك أبنائهن الرضع، تحت لهيب الشمس لاجتذاب المال؟

ربما تنتفي غرابة ذلك حين نفكر كيف من الممكن أن يغير الفقر نفس الإنسان، وكيف يضطره لمخالفة إنسانيته التي جُبل عليها، لكن هل تنتفي غرابة أن يكون ذلك الاستغلال تحت مرأى ورعاية دولة -إسلامية- بحجم السعودية وفي موسم الحج! موسم المساواة!



أحد الشباب المرافقين لنا بالحملة أخبرني حين رأى شدة ذهولي، بأن هؤلاء (جماعات أفريقية) يمتهنون التسول، يحضرون كل عام في موسم الحج ثم يمتنعون عن العودة لبلدهم، وأنهم يتعمدون كثرة الإنجاب زيادة في الأيدي المتسولة، ومن أجل استدرار العطف يقطعون أيديهم، أو يتظاهرون بقطع أرجلهم.. واستدل على ذلك بما شاهده في إحدى الدول الآسيوية أيضًا!


هي مؤسسة لها إدارييها وعمَّالها الذين يتاجرون بالإنسانية!


كنا كحجَّاج نُمنع من التجمع عند الاسطوانات البعيدة عن الرمي لإعادة جمع أنفسنا من قبل العسكر، بينما يفترش أولئك الأطفال مع أمهاتهم أرض منى، وفي عمق الازدحام الذي يضطر له الحجاج لتأدية مناسكهم!

كنت أستغرب بشدة لماذا نُمنع بينما يُترك المتسولون؟! والطبيعي أن يبعد هؤلاء عن الازدحام الخانق بأرض منى، الأمر الذي وجدت فيه رعاية لاستغلال الأطفال من قبل الدولة، وإلا فمن واجب السعودية ومن تزعم أنها أكبر دولة إسلامية، والتي تحصد الكثير الكثير من أموال المسلمين على امتداد العام أثناء زيارتهم للأراضي المقدسة، أن ترعى هذه الفئة وأن تستنقذهم من الجهل والفقر واستغلال الطماعين.


هل يعقل أن تعجز السعودية، عن فتح قنوات مع بلد هؤلاء المتسولين، لمتابعة أحوالهم وإعادتهم لبلدهم، بعد تأهيلهم إنسانيًا وعلميًا ليمارسوا التغيير في مجتمعهم؟ هل يعقل أن تغفل السعودية أو تعجز عن فتح مراكز تعليمية واجتماعية ترعى هؤلاء، وأن تقدم مساعدات مالية لبلدهم إن كان يعاني الفقر ليتمكن من احتضان أبنائه وتغيير وضعه الفكري والاجتماعي والعلمي والاقتصادي، الامر الذي بدوره سيخدم المجتمع الإسلامي عامة!


لا أدري لمَ استقر بقلبي شعور تعمّد بعدم مساعدة هذه الفئات، إذ أن مساعدتهم تعني تطوير الإنسان فكريًا وإنسانيًا، وهو حتمًا ما لا تسعى إليه بلدة تُصدِّر الإرهاب والتكفير، وتربي أبنائها ليكونوا آلة قتل تُدار لرعاية مصالح الدول العظمى دون أدنى اكتراث بالله وبالإنسان وبالمجتمعات!


لله در الطفولة فحتى في موسم الأمومة واللطف الإلهي.. تستباح!!
 
 
 
نشر بتاريخ
18 أكتوبر 2014

 

مقال سابق: حملات النصب ووعاظ السلاطين

جمعتهم الصدفة البحتة في حملة واحدة حين عزموا على حج بيت الله في هذا العام..
قرابة الـ50 فردًا اختاروا – وثقة في شخصيات من منطقتهم أو من معارفهم – أن يسجلوا ضمن الحملة.. السؤالان الوحيدان اللذان توجه بهما هؤلاء الأشخاص لها كانا حول امتلاكها لترخيص رسمي قانوني لتسيير الحجاج لمكة.. وحول توفر الإرشاد الديني الثقة لضمان سلامة مناسك الحج..
وتأكدوا من إضافتهم كحجاج عبر دفع مبلغ وقدره 1400 دينار لوسطاء لم يذكروا أنهم (لا ينتمون للحملة بشكل رئيسي) بل متعهدين بإلحاق المجموعة بالحملة بمجرد وصولهم لمكة ثم نقلهم ورعايتهم في المدينة المنورة!!
 
حين بدأ حجاج البحرين بالتوافد على مكة ومع صدمة إعادة الكثير منهم ومنعهم من دخولها، استبد بهؤلاء الخوف فصاروا يتساءلون ويستوثقون ويلحون بالسؤال حول سلامة إجراءات تسجيلهم.. ورغم كل التأكيدات بسلامة تسجيلهم كحجاج إلا أنهم مُنعوا من دخول مكة المكرمة عند منافذها لعدم امتلاكهم لملصقات تثبت كونهم حجاج مصرحين بعد مرورهم بمطار الرياض والطائف بسلام.. وعن طريق المنافذ البرية لمكة وبشكل فردي تمكن المتعهد بهؤلاء الحجاج من (تهريبهم) لداخلها بعد نزعهم لإحرامهم وترك كل مايتعلق بالحج من مستلزمات خلفهم.. صدمة هذه المجموعة لم تقتصر على يوم ونصف من المتاعب في محاولة الدخول بل امتدت حتى آخر لحظة لهم على الارض المقدسة..
فلا إرشاد ديني توفر إلا شفقة من المرشد الرئيسي للحملة والذي لم تره المجموعة إلا أثناء المحاضرات وفي رحلة رمي الجمرة الاولى!!
ولا كادر يأخذهم لأداء المناسك ولا خدمات أو رعاية صحية. الطواف لعمرة التمتع كان بإرشاد ديني لطالب علوم دينية جاء حاجًا لأول مرة في حياته، والتنقلات عبر القطار في المشاعر كان أيضًا عبر مواراة تلك المجموعة بعمق مجموعة أخرى كانت لها امتيازات الحجاج بفارق 200 دينار دفعوها ولم تُطلب من الخمسين فردًا موضوع مقالنا!
 
أما خيام المبيت في منى والتنقل منها لأداء طواف الحج ثم العودة لرمي الجمرات فكارثة إنسانية بحتة!! فحتى قوارير الماء كانت عصية على التوفر لهم بعد أداء كل منسك.. وبعد سقوط عدد من النساء مغشيًا عليهن أثناء رمي الجمرات، اضطر الشباب لالتقاط قوارير من الأرض وغسلها ثم إعادة شحنها من خزانات المياه المتوفرة على مسافات بعيدة ومتفرقة أو إعادة شحن القوارير التي تشبث بها أصحابها!!.. المرتان الوحيدتان اللتان استشعر فيها الحجاج الخمسون الرعاية كانت وهم متوارون في المجموعة التي استحوذت على كل الامتيازات وكل سبل الراحة!
لم يكن الأغرب هو تعرض الحجاج للنصب والإهمال بل والتلاعب بالأرواح مقابل ربح كان يفكر فيه أصحاب تلك الحملة.. بل وجدتُ الأغرب من ذلك هو إصرار البعض على (غفر) ذنب أصحاب الحملة، وخفض الأصوات المطالبة بمحاسبتهم بل والامتناع تمامًا عن التلويح حتى بتقديم شكوى رسمية ضدهم (حتى لا يتم قطع أرزاقهم)، وهذا البعض متضرر تمامًا ومستاء جدًا مما حصل!!
 
كان الحديث عن الصبر على البلاء كعبة يطوف بها البعض حتى تُقبل حجتهم وترتفع لبارئهم.. وكان (النصب والاحتيال واللعب بأرواح الناس) سيئة من الضروري أن تقابل بحسنة! أما المعروف الوحيد الذي يجب أن يدفع باتجاهه فهو (الصبر) والمنكر الوحيد الذي وجب دفعه كان (الجدال)!!
 
أعرف تمامًا كيف كانت نوايا هؤلاء بيضاء كقلوبهم النقية، لكني وجدتُ أن نتائج مطالباتهم تدفع باتجاه أن يواصل المتجاوز تجاوزه.. فمن أمن العقوبة أساء الادب حتمًا..  لا يمكن أن نمر على التخلي عن مسؤولية ما يقارب الخمسين إنسان بين شاب وكهل بين معافى ومريض بل وحامل أيضًا تحت ظروف لم يختبرها أغلبهم دون رعاية طبية بل دون ماء!! لازلت أدخل في حالة صدمة كلما تذكرت كيف ترك صاحب تلك الحملة والمسؤول عن إدارتها خمسين شخصًا في لهيب شمس أرض منى دون ماء إلا ما حملوه في أيديهم أثناء خروجهم من الخيام لرمي الجمرات بينما كانوا يمشون مسافات طويلة جدًا!! لازلتُ مصدومة بينما أتذكر كيف تساقط عدد منهم من شدة حرارة الشمس ومشقة عملية الرمي دون مرشد ديني إلا من طالب العلوم ذاته والذي سقط مغشيًا عليه كذلك، بينما طبيب وممرضة الحملة في الخيمة مع المجموعة الأخرى!!
 
نحاول كثيرًا أن ندافع عن الحق أمام سلطان جائر.. وندفع كثيرًا باتجاه رفض الظلم من متجبر فاجر.. لكن لا بأس أن يسود الظلم بيننا؟ لماذا نصر على ممارسة دور وعاظ السلاطين ونحن مكتسين بنوايا ملائكة؟ لماذا نربت بيد التراجع والاستكانة على كتف من أنهكه ظلم أخيه بدل أن ندفعه باتجاه أن يرفع الظلم عن نفسه.. أن يرفعه فحسب دون أن يتسبب بسقوط من ظلمه حتى!!
 
إن عملية المحاسبة عملية راقية جدًا.. لم توجد في الكون عبثًا!!
ألم يصرح الله بأن لكم في القصاص حياة؟!
ألم توضع القوانين للالتزام بها؟ وبحسب أهمية القانون وبحسب خطورة تبعاته توضع عقوبة مخالفيه؟ لا نتحدث هنا عن عدم توفير سكن قريب أو وسيلة تنقل باردة.. بل نتحدث عن أبسط حق لإنسان كان بينه وبين الحملة التي اختارها عهد بحفظ حياته وسلامته ومناسكه! نتحدث عن توفير علب ماء لحفظ حياتهم بينما وفرت الحملات الأخرى لحجاجها أثناء أداء مناسكهم الماء والسكريات!!!
 
لست ضد مبدأ العفو.. لنعفو عمن أساء وظلم لكن بعد أن نتأكد أن ظلمه لنا لن يتكرر مع آخرين وإلا فنحن اعتدينا على حق الآخرين بعد تخلينا عن مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام هو ( النهي عن المنكر)!
 
أمران أوقعا هذه المجموعة في تعقيدات كان يجب أن ألا يتعرضوا لها وعلى كل من نوى حج بيت الله في الأعوام المقبلة أن يلتفت لها:
 
الأول: إخفاء معلومات مهمة عن المجموعة من قبل الوسطاء الذين لم يخبروا الحجاج بأنهم وسطاء لا ينتمون للحملة الرئيسية وبأن المجموعة ستلتحق بالحملة في مكة فحسب!
 
الثاني: النصب والتمييز الذي مارسته إدارة وكادر الحملة ضد هذه المجموعة عبر فرزها عن بقية حجاجها في تخلي سافر عن اتفاق الحملة مع الوسطاء برعاية الحجاج رعاية كاملة على أرض مكة مقابل أكثر من ألف دينار عن كل حاج!
 
حق وواجب أن نتحدث عن حق تمت إضاعته..
حق وواجب أن نُشعر كل فرد وكل مؤسسة في المجتمع أن هناك عاقبة للتجاوز.. وأن حقوق الآخرين لها قداسة لن نسمح بأن تُداس أيًّا كانت الجهة التي سلبت تلك الحقوق وتحت أي مبرر.
 
 
نشر بتاريخ
11 أكتوبر 2014
 

مقال سابق: عبث في خرائط النفوس (2)

لا زلتُ متوقفة عند محطة رياض الأطفال، حيث البيئة التي نختارها ربما بكل عناية لنلقي داخلها أطفالنا ليلعبوا ويتعلموا بينما ننصرف لشؤون الحياة التي فرضت نفسها علينا أو فرضناها على أنفسنا. وقد تحدثتُ في مقال سابق عن أهمية متابعة الأطفال داخل روضاتهم، وعن حق أولياء الأمور في إبداء ملاحظاتهم على أداء منتسبات الروضة في الهيئتين الإدارية والتعليمية لما لهذه المرحلة من بالغ الأثر على نفسيات الصغار الذين سيكبرون ليشكلوا القوة البشرية ضمن مجتمعنا.(١)
 
ربما تحدثتُ في مقالي السابق وبشكل مستفيض عن مرحلة الطفولة وكيف من الممكن أن يُساء لها بقصد أو بغير قصد داخل رياض الأطفال، إلا أن الضوء لا بد أن يُلقى في ذات الوقت على القائمين على تلك الروضات إذ لا يخفى عليكم أن رياض الأطفال تعدّ (عملًا استثماريًا ومشروعًا تجاريًا) من الدرجة الأولى يستثمر حاجة الأهالي لمن يرعى صغارهم أثناء غيابهم.
 
نعيش في بلد يقدَم فيه التعليم للمواطن مدفوعًا من حصة الفرد من ثروات البلاد وبالتالي لا يوجد رسوم مادية رسمية تُدفع مقابل التعليم إلا أن مرحلة رياض الأطفال مستثناة من مراحل التعليم مما يعني أن لرياض الأطفال شيء من الاستقلالية، فلا يُشترط أن تحمل القائمات على تلك الرياض شهادة تعليمية ذات درجة علمية معينة، وعليه لا تحصل العاملات في هذا المجال على أية امتيازات مادية ووظيفية واجتماعية أسوة ببقية العاملين في ذات المجال بالمراحل التعليمية اللاحقة إلا ما رحم ربي. هذا يعني أن رياض الأطفال لا يعدّ مجال جاذب للقوة البشرية القادرة والمؤهلة للعمل بل حقيقة ومع كامل الاعتذار للعاملين في هذا المجال هو مجال يُضطر الإنسان للعمل فيه تحت وقع حاجة مادية أو ربما عملية أو حتى اجتماعية. إن ذلك يقودنا إلى حقيقة مزعجة جدًا وهو أن المجال الذي لا بدّ أن تتوفر للعاملين فيه (قدرة كبيرة على التعامل مع الطفل وبشكل تربوي واحترافي) هو من أقل المجالات التي توظف ما يتناسب وحاجتها. إنه مجال يتم فيه سد النواقص والحاجات بشكل عشوائي ظالم للعاملات فيه وللمستهدفين منه إلا أن الضرر الواقع على الفئة الأخيرة ضرر كبير يعود على المجتمع ككل.
 
ربما تمتلك العديد من العاملات في مجال رياض الأطفال قدرة على تعليم الأطفال أو سعة في التعامل معهم – وكثيرات منهن يقدمن ما يقدمنه بكل حب وإخلاص – إلا أن ذلك لا يعني أن دور أصحاب تلكم الروضات أو أولياء الأمور أو حتى المؤسسة التعليمية في البلاد قد انتهى بتوفر مجموعات متمكنة في جانب من جوانب عملية تعليم ومتابعة الطفل بل إن على عاتق الجميع مسؤولية تقييم وتقويم العملية التربوية داخل رياض الأطفال وإن عنى ذلك أن تعتبر مرحلة رياض الأطفال إحدى أهم مراحل التعليم فتضم للمؤسسة التعليمية الرسمية وبالتالي يفرض وصفًا وظيفيًا يتلاءم ومتطلبات العمل مع هذه الفئة العمرية.
 
إن العملية التربوية المقدمة لهذه الفئة العمرية بحاجة لإصلاح جذري حقيقي ولا بد أن نسعى لذلك الإصلاح ولو استلزم إعادة تخطيط وإدارة هذه العملية من ألفها لياءها وأعي أن ما أقوله صعب جدًا ولا يمكن أن يخرج من أمرين أحلاهما مر:
 
1- إما أن ترتفع رسوم رياض الأطفال مقابل توفير بيئات وعاملين قادرين على إدارة العملية التربوية والتعليمية باحترافية وضمن مراقبة حقيقية ومحاسبة مباشرة مما يعني زيادة العبء على كاهل الأسر. 
 
 
2- أو أن تبدأ المؤسسة التعليمية الرسمية في البلاد باعتبار هذه المرحلة إحدى مراحل التعليم فتعيد صياغتها من جديد وهو أمر قد لا تُقدِم عليه المؤسسة الرسمية عن رضا واقتناع لكن ربما تخضع له تحت إلحاح أولياء الأمور وعبر إجراءات القانون تحت قبة برلمان حقيقي حين نصبح مواطنين في بلدنا.
 
 
نشر بتاريخ
4 أكتوبر 2014

مقال سابق: عبث في خرائط النفوس (1)

لم تعدّ (رياض الأطّفال) مجرَّد موقع يلجأ إليه أولياء الأمور لرعاية أطفالهم، بل صارت محطة يمر عبرها أغلب الأطفال قبل مرحلة الدراسة، وصارت دور رياض الأطفال تتفنن لاجتذاب أولياء الأمور ولحصد ثقتهم عبر تعدد مرافقها، ووجود معلمات أجنبيات لتعليم اللغة الإنجليزية، وتوفير أماكن للهو واللعب، وعبر حرصها على إقامة مختلف الفعاليات والرحلات الترفيهية، ولأن رياض الأطفال قطاع خاص يقوم على نفقة أولياء الأمور، فمن الطبيعي أن تتعدد تكاليفها، وفق ما تقدِّمه من خدمات في رعاية الأطفال، إذ أنه ونتيجة التطور السريع الذي يعيشه مجتمعنا، ونتيجة لدخول العديد من النساء لسوق العمل، صارت رياض الأطفال ضرورة ملحة للرعاية وللتعليم، وصدقًا تُقدِّم تلك الدور خدمة للأطفال وأولياء الأمور، إذا ما التزمت برعاية صحيحة وتعليم مبدع، إذ يبتعد الأطفال عن جو المنزل، ليختلطوا بجو أقرانهم في الروضة، فيتعلمون كيف يتفاعلون مع بعضهم، وكيف يتصرفون بعيدًا عن أمهاتهم وآبائهم. كما قد تكتشف بعض المعلمات مواهب وقدرات أولئك الأطفال، فتتم رعاية مواهبهم واستثمارها وشحذها واكسابها الثقة عبر إبرازها.
 
لكني أتساءل، هل تنتهي مسؤولية الوالدين على أعتاب باب رياض الأطفال؟ وهل تتوقف مسؤولية القائمين على تلك الرياض بمجرد أن يخرج الطفل من أعتاب الروضة؟ ماذا عن تلك الحلقة ما بين دخولهم لروضتهم وخروجهم منها؟ كم عدد أولياء الأمور الذين يتابعون بشكل حثيث حياة أطفالهم بالداخل؟ وبعيدًا عن الواجبات المنزلية والخطة الدراسية، تُرى كيف تتم معاملة أطفالهم؟ كيف تتم مكافئتهم إن أحسنوا، وكيف تتم معاقبتهم إن أساءوا؟
 
إن مرحلة رياض الأطفال، مرحلة دقيقة جدًا من مراحل نمو الانسان، إذ هي تختص بالفئة العمرية من أقل من ثلاث سنوات حتى ما يناهز السادسة، أي أن رياض الأطفال تُعنى بفئة عمرية وصف الامام علي عليه السلام صاحبها بأنه -أي الطفل- “ذو نية سليمة ونفس صافية” في إشارة لحقيقة الطفل. وهي مؤشر هام لأهمية مرحلة الطفولة، فذو النية السليمة والنفس الصافية، سيكبر ليكتسب من محيطه ما يحفظ تلك النية والنفس السليمة الصافية، أو ما يشوهها. يؤكد ذلك قوله عليه السلام في موضع آخر: “إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، مهما أُلقي فيها من شيء قبلته”. هل ندرك إذًا أهمية مرحلة رياض الأطفال على صغارنا؟ هل نراقب ما يُلقى في أرضهم؟
 
ربما تتمكن العديد من رياض الأطفال من إلقاء بذور محبة الله، ومعرفة محمد وآل محمد في نفوس أطفالنا، مما يعني زرع المحبة والصدق والحب والسلام والخير في نفوسهم، ذلك أن العديد منهم ورغم -الرقابة- يصرُّون على تثقيف الأطفال حول شخصيات تاريخية وعقائدية مهمة في رسم خرائط نفوس أطفالنا، ويقومون بذلك مشكورين رغم الضغَّط إدراكًا منهم لأهميتها في نمو شخصيات تقية قدوتها النبي محمد (ص) وأولاده (ع)، لكن على صعيد آخر يرتبط بالتعليم ولا ينفصل عنه إطلاقًا..
ماذا عن( المعاملة)؟!!! ..
 
بعيدًا عن تعليم الأحرف والأرقام والشخصيات، بعيدًا عن إقامة الفعاليات والرحلات والجولات، كيف تتم معاملة أطفال أعمارهم من ٣-٦ سنوات، حين يصرخون ويعاندون ويشاكسّون؟! أو حتى قبل أن يشاكسوا؟
سمعنا جميعًا عن روضة كانت تعذب الأطفال في عهدتها، فتربطهم وتمنعهم من الأكل. وقد روى الأطفال حوادث يشيب منها رأس الوالدين، وقد امتدت معاناتهم لأشهر قبل أن يكتشف ذلك والديهم!!
مخطئ من يظن أن تأثير تلكم الأشهر سيمسَح من أذهان أولئك الأطفال بمجرد أن تستبدل روضاتهم. هؤلاء الصغار هُزَّ شعورهم بالأمان في حين يقول (ع) :”من أخاف طفلًا فهو ضامن”.
 
حسنًا تلك كانت حالة استثنائية، شخصيًا لم أسمع بغيرها في داخل مجتمعنا، لكن كم عدد الروضات اللاتي تسيء معلماتها معاملة الأطفال فيها، فتنهرهم باستمرار لأتفه الأسباب، وتصرخ عليهم باستمرار لأنهم مارسوا طفولتهم وعاشوا مرحلتهم؟ كم مرة حملت معلمة ما طفلًا من قميصه بقسوة، وجَّرته بكل إهانة، أمام مرأى أصحابه لتغير موقعه لأنه كان يضحك أثناء الدرس؟!! كم معلمة طردت طفلًا لم يتجاوز الرابعة من عمره من فصلها، لأنه رفض أن يمسك القلم؟! ماذا عن صفع طفل أو دفعه أو إلقاء شيء ما (مهما صغر حجمه) باتجاهه!! قد تكون تلك تفاصيل صغيرة جدًا يستهجن القارئ حتى مجرد الإشارة إليها، إلا أنني أقولها بكل ثقة، أنها ليست مجرد (تفاصيل) بل علامات ستساهم بشكل أو بآخر، في رسم تفاصيل شخصيات صغارنا، ثقتهم بنفسهم، شعورهم بالأمان، حبهم للتعلم، إقبالهم على اللعب والاختلاط بأقرانهم، وغير ذلك الكثير مما لا يتسع المقام لذكره.
 
الآن سأُعيد عليكم أسئلتي السابقة:
* هل تنتهي مسؤولية الوالدين على أعتاب باب رياض الأطفال؟
واضح جدًا أن مسؤوليتنا كأولياء أمور لا تتوقف أبدًا بل تتضاعف في الوقت الذي لا يكون أطفالنا تحت مرأى عيوننا. لنسألهم عن يومهم كيف كان؟ ولنمتلك جرأة سؤال المعلمة وإبداء الملاحظات على معاملة الطفل داخل الروضة بكل أدب واحترام، فشعورهم بمتابعة أولياء الأمور يلقي رقابة ذاتية، تمنع من انفلات الأعصاب، والاستهتار في مراعاة أطفال قد تُشكِّل مشاكستهم، عبئًا حقيقيًا على كاهل أولئك المعلمات.
 
** وهل تتوقف مسؤولية القائمين على تلك الرياض بمجرد أن يخرج الطفل من أعتاب الروضة؟
تبقى على منتسبي رياض الأطفال إدارة ومعلمات مسؤولية أخلاقية تجاه كل ما يعلق بنفسية وذهن الطفل، سلبًا أو إيجابًا، بسبب معاملة أو تعليم تلقاه داخل أسوار الروضة، وحمله لخارجها فأثرَّت في سلوكياته وتعاملاته.
 
لتكن رياض الأطفال وحدة متكاملة مع الأسرة، للدفع باتجاه تخرِّج أطفال سليمي النفس والضمير، ينطلقون بثقة داخل حدود المجتمع وخارج حدود الوطن. وأُذكركم ونفسي بحديث الامام علي عليه السلام: “ولدك ريحانتك سبعًا وخادمك سبعًا، ثم هو عدوك أو صديقك”. وليعلم القائمون على رياض الأطفال أن أولادنا أمانة تركناها بين أيديهم ونعم المؤمن من ائتمن فلم يخن.**
 
_________________________________________________
** من الجيد الاطلاع على هذه الدراسة الوافية حول حقوق الانسان عند الإمام علي عليه السلام وفيها لمحات مهمة عن الطفل
  http://www.aqaed.com/book/595/10.html
 
نشر بتاريخ
سبتمبر 2014

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...