ابحث في مدونتي

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

الكلمة حق غلافه المسؤولية



حتى وقتٍ قريب لم تكُن الكلمةَ مُتاحةََ للجميع، وكانَ العازمونَ على القراءةِ يُعانون من مشقةِ الحصولِ على ما يقرأون، لكنَّ الحالَ استحالَ لغيرِ الحال حينَ إنطلقتْ عبرَ الشبكةِ العنكبوتيةِ عشراتِ المنتدياتِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ لتبلغَ الذروة مع َانتشار مواقعِ التواصل الاجتماعي، فصارَ الجميع قادراََ على بث رأيهِ أو ما يجولُ بنفسهِ لآلاف القراء عبرَ ضغطة زر، لم تعد هناك رقابة حقيقية على الكلمة، خصوصا مع تَمَكن الكاتب من إخفاء هويته لو شاء، تحولنا تحولا حقيقياََ نحو الحرية، وإن لوحق كاتبٌ ما يوماََ، ففكرتهُ التي أرادَ لها أن تصلَ وصلت، ولم تعُد أيَ سُلطةٍ قادرةٍ على مَحوِها أو وقفِ إنتشارها وهو أمرٌ جيدٌ قطعاََ، فالكثيرُ منَ المُبدعين إنطلقوا عبرَ هذهِ المواقع، وكثيرٌ من الأفكارِ السلبية البالية استُبدلت بفضلها، لكن بطبيعة الحال حتى القُدرة على بث الأفكار والآراء أُثبِتَ انها سلاح ذو حدين، فكما إنتشرت العديد من الافكار الراقية، هناك الكثير من الأفكار والأساليب الهدَّامه صارت أساليب وأفكار مُعتَمَده وباتت تُشكلُ الكثيرَ من الإنتاج الفكري للبعض، حتى البذاءات يا سادهة صارَ لها أصحابها الذين يرفعون شعارات رنانة ليمارسوها بكل حرية، فَتَحتَ عبائةِ النقد تُهاجم الشخوص وتُقذَف، وربما ديست قيمٌ اجتماعية وتربوية ودينية تقوم عليها مجتمعات، ووراءَ ستار الحريةِ لُفظ الاحترام ووُإدت المسؤولية، لستُ أدعوا للوقوف عند خطوط حمراء إلا التي أقرها الله ونبيه واهل بيته مع التفكر بها طبعاََ، لكنا نحتاج لوقفة.

نمتلكُ عُقولاََ راجحةََ وهبها الله إيانا لتُفكر حتى تصلَ بِنا لقمةِ الكمال الانساني، ولأن المجتمعات تتكونُ من مئات الآلاف من الانفس البشريةِ المختلفةِ، فمن الطبيعي أن تتعدَّدَ الآراء والرؤى خصوصاََ في تلك الأمور التي تحتملُ اللبسَ أو طرح الرأي فضلاََ عن بعضِ ما صار المجتمع يُعدُّه ثابتاََ حتى ينقُضُهُ العقلُ الانساني ليُثبتَ أن ثابتَ الأمس ليس سوى ضربا من ضروبِ إعاقةِ الفكر البشري والتطور الانساني فيُتخلى عنه.

 لكن،، أليس للكلمة مسؤوليتها؟!
حين يُسطِرُ أحدهُم رأياََ سيستحسنهُ البعض وسينقده البعض الآخر، ذلك امر طبيعي جدا، فكل رأي يحتمل ان يكون صوابا او خطأ، وربما كان رأيا مبنيا على جزء من الحقيقة، فلا يكون متكاملا لكن حين يُنقد بكل وعي فقدْ تبرزُ الجوانب المخفيةِ التي قد تُمكن كاتبه من العمل على اخراجه متكاملا، هذا ان تمكنَّا فعلاََ من النقدِ بشكلٍ بنَّاء يُحقق وصية أمير المؤمنين  ”أضْرِبْ بعْضَ الرّأْيِ بِبَعْضٍ يَتَوَلَّدْ مِنْهُ الصَّوَابُ.“

السؤال الذي أطرحُهُ ولا أجِد له اجابة هو؛ لمَ يتم تسفيه بعض الآراء لدرجة الاستهزاء؟
لمَ يَقفز البعض على الرأي المكتوب للكاتب؟
لماذا تُنقَضُ الرؤى عبرَ شتم أصحابها وتخوينهم وإخراجهم من ملة الدين؟
كيفَ منَ المُُمكن أن نُميزَ الخيط الدقيق بين النقد البناءِ والتسقيط؟
بل كيف نُدرك حقيقة النقد من البذاءة؟
وما دور القارئ لكل تلك الآراء والرؤى وما ينتجُ عنها من نقد أو تراشق؟ 
 
مسؤولية الكلمة تقعُ على عاتقِ كاتِبها وناقدها وقارئهما كأفراد من جهة والمجتمع من جهة اخرى، فحين نَكتب بمسؤوليةِ مخاطبة العقل لا إثارة العواطف او تأليب النفوس، وحين نقرأُ بصفة البحث عن الفكرة ومدى جدواها وواقعيتها وتقييمها وتقويمها من أجل المصلحة العليا لا من أجلِ التَصَيُد على كاتبها، وحين يكونُ لقارئِ الفكرة ونقدها دورٌ في رفضِ التسقيط والتصيد والشتم وتقييم التعاطي مع تلك الفكرة وذلك النقد، وحين تكون للمجتمع هبةٌ ضد التناحر الفكري، وداء شخصنة الآراء والرؤى، نكونُ في مأمن من السقوط الأخلاقي الذي بات منتشرا نتيجة الاختلاف الذي خلقنا الله عليه، وأساس تلكم الممارسات ايمان حقيقي بطبيعة الاختلاف والحق في ان نختلف، ورغبةٌ حقيقيةٌ في الخروج بمجتمع سليمٍ معافى قادر على المُضي بالانسان نحو الاستقرار والتنمية والتقدم.

ما يُؤلمني اليوم أن الحديث عن أخلاقيات الاختلاف وفن إدارة الخلاف، والتأدب في أي نقاش أصلا صارت أفكار ودعوات مرفوضة، يُتهم قائلها بالانبطاح والتملق أحيانا وبالحماقة والسفهِ أحيانا أخرى، يُؤسفني أن الشدة في القول وتجريم الاختلاف، والامعان في الخلاف، ومقابلة الاساءة بالاساءة، صارت قيوداََ تَلُفُ مَعاصِم التسامح والرحمة والتقبل، بينما كثيرون يتشدقون بأنهم من أُمّة كان نبيها (محمد) صلى الله عليه وآله خيرَ خلق الله الذي صَبَرَ على مُخاطبة الأكثرِ عنتاََ في التاريخ فقال عنه ربُهُ (وإنك لعلى خلق عظيم) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...