ابحث في مدونتي

الاثنين، 17 يوليو 2017

لا تتخلي عن صداقاتكِ




 
في واقع الحياة يعيش الإنسان ما بين اجتماع وعزلة، يُردَد دائما على مسامعنا أن الإنسان في حقيقته كائن اجتماعي بل يُستَدل على تكوُّن الدول واختراع القوانين والتشريعات الوضعية على طبيعة الإنسان الاجتماعية وحاجته ليكون مع مجموعة يتبادل خلالها البشر حاجاتهم وينظمون خلالها تفاعلاتهم إلا أن وجود المرء ضمن مجموعة لا يُنهي حاجته للعزلة أيضا.. وبقدر ما تحتاج العلاقات الاجتماعية والتفاعلات الجماعية لجهد ووقت وضبط نفس ومراعاة للنفس وللآخرين، فكذلك تحتاج العزلة لجهد ووقت وضبط نفس ومراعاة للنفس وللآخرين.
.
الكثير من المناسبات والتفاعلات الاجتماعية هي بمثابة عادات يضطر البعض للقيام بها مُكرهًا تحت ضغط "الواجب الاجتماعي" لحفظ أواصر التقارب العامة داخل المجموعة، على مستوى العائلة أو الحي أو القرية والبعض يُعبّر عن حالة ضيق شديدة لكثرة واجباته الاجتماعية بينما يعيش آخر حالة سعادة شديدة وهو يمارس تلك العادات ويؤدي تلك الواجبات بل لعل البعض يعيش حالة من التعاسة لأنه فارغ من التفاعلات والواجبات الاجتماعية لأسباب مختلفة..ولعلنا جميعا نتفق أن الاعتدال دائما هو الحالة الصحية فلا استغراق في التفاعلات الاجتماعية ولا عزوف عنها بل الحفاظ على مساحة عزلة مثمرة ومدّ خيوط التواصل والحفاظ على مجموعة علاقات اجتماعية مثمرة أيضا فلا غنى عن الاجتماع ولا العزلة
.
"علاقات الصداقة" أحد أجمل أنواع التفاعلات الاجتماعية، انها تقع غالبا خارج اطار صلة الرحم وكذلك خارج اطار الواجب الاجتماعي، لعل الصداقة هي اكثر العلاقات الاجتماعية "إلحاحًا" على النفس خصوصا حين يوفق الله المرء بصداقات صادقة ومتينة وقوية وهو ما لا يتوفر في الجميع ولا يتوفر للجميع واحب الاستشهاد بتعبير الشاعر العراقي ايهاب المالكي "العشرة الطويلة إتريد نوعية" أي ان العلاقات طويلة المدى تحتاج لأفراد من نوع خاص وحقا ما قال
.
على مدى سنوات دراستي وعملي وتطوعي دفعتني الهموم والأهداف والأحداث للعديد من العلاقات بعضها تحول لعلاقة صداقة عميقة جدا ولستُ ممن يطلق وصف الصديق على أي فرد أدرك تماما معنى أن فلان من الناس صديق دونا عن الآخرين إلا أن طبيعة الحياة والانشغالات قد تُبعد البعض وقد تُفَتِّر العلاقات مع البعض الآخر خصوصا نحن النساء فبعض الفتيات تأخذها الحياة الزوجية والأبناء من جملة علاقاتها والمؤسف أن تأخذها من علاقات الصداقة بالذات!
 
منذ أيام التقيتُ بصديقة قديمة جدا جدا، صديقة لم تعد إنسان اعرفه فبالرغم من أن مقاعد الدراسة ومناسبات القرية جمعتنا على مدى ثمان سنوات تقريبا حيث كنا نعيش صداقة لدرجة الالتصاق إلا أن لقائي معها كان باردا جدا لم يستغرق سوى لحظات تبادلنا خلالها تحية ثلجية لا تشبه حتى تحايا الغرباء.
 
تأملتُ كثيرا لأتذكر نقاشا كنا نخوضه دائما.. من المهم أن تكون المرأة شعلة نشاط منزلها والراعي الأول لافراد الأسرة لكن ذلك لا يمنع أن تحتفظ كل سيدة بسلسلة علاقاتها خارج اطار أسرتها الصفيرة لأنها ككل إنسان تحتاج هذه المساحة الخاصة جدا


مساحة أن تكون صديقة لصداقة امتدادها سنوات طويلة وأحداث متفرقة وخبرات عديدة.. مساحة تحتفظ فيها بكونها تلك "الفتاة" مهما كبرت وتعقلت وتحملت مسؤوليات..تلك الفتاة التي تستغرق بالضحك كلما التقت صديقاتها..تلك الفتاة التي قد تتصرف بحماقة معهن وقد تقول عبارات يُساء فهمها لكن لن يُساء فهمها وهي في محيط صديقاتها تلك..مساحة تتحدث خلالها عن أحلامها التي لم تتحقق دون أن تشعر بأنها فاشلة! مساحة تتحدث خلالها عن لحظات الشعور بالخذلان والفشل القاسية دون أن تشعر بأنها تكشف نقاط ضعفها أو تشتكي ربها!!


هذا النوع من الصداقات بمثابة لحظات العزلة التي تحتاجها الزوجة والأم بعيدا عن اسرتها لتعود إليها ممتلئة بشحنات ايجابية منعشة تستأنف معهم مسؤولياتها ومتعتها وتستشعر خلالها "أناها" وشئ من حريتها واستقلاليتها مع شخصيات تكون في قمة التلقائية معهن.


أنا ممن يعتقدون أن السيدة التي تتقدم في العمر بعد ان تقطع أواصر القربى مع صديقاتها ستكون مهددة بلحظات وحدة قاسية في مرحلة لا تتيح للانسان أن يجازف بدخول علاقات جديدة لتكوين صداقات متينة عفوية بلا مجاملة ولا تكلف الا اذا انقذت نفسها من ذلك مبكرا!



لكل النساء أقول


حافظن على صداقاتكن
احرصن على تواصلكن
اسمحن لعملكن وأسركن أن يشغلن المساحة الأكبر لكن دائما ارجعن لحضن لقاءاتكن وحافظن على مساحتكن وعلاقاتكن الخاصة التي يجب أن تحترمها أسركن.. لا تتنازلي عن مساحتكِ الخاصة تحت أي مبرر.


لكل الرجال أقول
احرص على أن يكون لزوجتك مساحتها الخاصة..ان كنت حريصا على سعادتكم


همسة:
 
نحفظ ذكريات الاجتماع الجميلة
لُتعيننا على حاجة العزلة الضرورية

إيمان الحبيشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...