ابحث في مدونتي

الاثنين، 12 يناير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (6)




عادت لمنزلها مضطربة جدا، بمجرد أن وصلت للبيت سألت والدتها:

- ماما هل سمعت أخبارا عن بيت خالي أو عن قريتك؟
- أخبار مثل ماذا يا شريفة؟
- أية أخبار؟؟
- لا شئ

أسرعت لغرفتها، وقبل أن تنزع حجابها، أمسكت هاتفها وصارت تبحث بين صفحات تويتر عن أخبار اليومين الماضيين، لم تصدق ما شاهدته عيناها!!

* (اعتقال الناشط الستينيي علي بعد مداهمة منزله واعتقال المطارد المهدد بالتصفية (حسن جواد) اثر كمين مخابراتي وقد تعرض كلاهما للضرب الشديد أثناء اعتقالهما، ولا زالت آثار الدماء واضحة على جدار احدى الغرف)

انتحبت شريفة حتى كان يُسمع صوت بكاءها، أسرعت والدتها لغرفتها، طرقت الباب مرارا دون أن تجد جواب:
- شريفة افتحي الباب ماذا حصل اخبريني؟؟

بصعوبة فتحت الباب لوالدتها، احتضنتها مستفهمة عن سبب بكائها، لم تتمكن شريفة من الكلام واكتفت بإعطاء أمها الهاتف لتقرأ الخبر بنفسها، أطرقت وهي تمسح على رأس ابنتها:

- اهدئي يا حبيبتي، لقد اختار خالك طريقا شاقا مليئا بالشوك، وهو يعرف صعوبته وألمه، ان شقيقي علي قوي جدا ومعتاد على الاعتقال، نعم لقد كبر على المعتقلات والتعذيب، لكن لا تظني أنه سيضعف أو يجبن أو يبكي، كوني على ثقة بقوة خالك، لقد اكتسب قوة والدنا كاملة حتى لم يترك لوالدتك شيئا.

قضت شريفة نهارها وهي واجمة تفكر، (ان كان قد اعتقل خالي، فما معنى الكلام الذي كتبته زهراء؟ حسنا أين فضل؟ لم اختفى تماما؟), لم يكن الاستلقاء ليجيب عن أسئلتها الكثيرة، ومتى أُوحي لغير الأنبياء؟ كما يسعى المرء لقوت يومه ولطلب علمه لا بد أن يسعى أيضا للفهم والبحث والسؤال، نفضت الكسل عن جسدها ولبست حجابها وخرجت من غرفتها عازمة، استوقفتها والدتها:

- الى اين؟
- ماما اذا كنت قد اعتدت على أن يظلم شقيقك فتصمتين، أنا لا أريد أن أعتاد بأن يظلم الانسان أي انسان فألتزم الصمت، وهذا خالي، دعواتك ماما

لم تعد هذه الأم قادرة على السيطرة على زمام حياتها، زوج مشغول في تجارته، وابن متعجرف ينظر للجميع بدونية، الجميع حتى والدته، واليوم كبرت شريفة أيضا، وها هي تقارعها الحجة، وتقرر دونها شؤون حياتها، أدارت الأم رقم صديقتها "عمة أبنائها" وطلبت منها الحضور للبيت:

- تعبت يا شيخة تعبت كثيرا أشعر بالفشل يحاصرني من كل جانب.
- ماذا عساي أقول يا أم فهد، أخبرتك مرارا أن الاستسلام التام لأخي له عواقب وخيمة.
- كنت أحافظ على بيتي
- كنت تستطيعين المحافظة على بيتك وكذلك أهلك، لكنك اخترته دونهم، وتركت له الحبل على الغارب، لا أريد أن اقرعك، لكنك تعرفين أني لا يمكن أن أجاملك، انت صديقة عمري ووالله أنك أعز عندي من شقيقي هذا
- ماذا أفعل مع شريفة؟
- اتركيها تفعل ما لم تتمكنِ من فعله، هي ليست طفلة ستتم السادسة والعشرين قريبا، لقد دمرتم حياتها يوما حين كنتم تقررون كل صغيرة وكبيرة فيها، دعوها تفكر وتقرر وتخطأ وتصحح أخطائها وتتحمل مسؤولية قراراتها.
- سيقتلني شقيقك إن علم انها تتردد على بيت شقيقي. 
- سيقتلها لأنها تتردد على بيت عشنا فيه أجمل أيام حياتنا يا أم فهد؟؟

سقطت من عينيها دمعة، وطافت بها الذكريات، حسن الجوار جمع البيتين، حتى صار الأبناء كالأخوة، إلا هي كانت تجد في شباب أبا فهد وحلو هندامه وطموحه التجاري، حلما لطالما حذرتها منه شيخة، شيخة التي كانت تجيد الاصغاء لشقيقها علي، تقرأ مقالاته وتستفهم منه، بل تجادله أحيانا، شيخة التي تزوجت صديقه لأنه كان ذا عقل راجح، وخطاب قوي لتتلاقح جرأتها بجرأته، بينما استسلمت هي لمشاعر كانت تسعدها. 

لم يكن طريق الذهاب لمنزل الخال علي قصيرا كعادته، شعرت شريفة أن الدرب طويل طويل، يرفض أن ينتهي ليريحها من حيرتها وقلقها، كم تتألم وهي تفكر في خالها بين أيدي بشر غلاظ، قصص الاهانة التي كان يلوث بها فهد أسماعهم، كانت تتكرر في مخيلتها وكأنها فيلم رعب بطله خالها والشاب حسن، الذي كان يقيم بمنزل خالها على مدى العامين المنصرمين، لم يكن أحد يعرف بذلك الا ثلة قليلة جدا، فكيف وصلوا اليه؟ ولم اعتقلوا معه خالها؟ وصلت لباب البيت، لكنها عوضا من أن تهدأ زادت توترا، كلمات زهراء ترن في أذنها بصوت عال عال جدا.
قرأت البسملة ودخلت منزل خالها برجلها اليمين واضعة يدها على قلبها، في الظروف الصعبة نحن مستعدون لنصدق كل شي ونعمل أي شئ، الغث والسمين لأننا نكون محتاجين جدا لطمأنة نفس!
بمجرد أن سلمت على الحاضرين، زوجة خالها وبناته، تصنّم الجميع للحظات، وكأن الحياة تجمّدت فجأة، قطعت حالة الجمود تلك الإبنة الكبرى لخالها، بهدوء خاطبتها:
- أهلا شريفة تفضلي
- لم أعرف بالخبر الحزين الا هذا اليوم
لكن زهراء باغتتها:
- لم لم تسألي شقيقك فهد كان ليخبرك
- فهد؟ ومن أين لفهد بأخباركم؟ تعرفين يازهراء أنه لو علم بقدومي .....
قاطعتها زهراء :
- أعلم أعلم مللنا هذه الاسطوانة.

تسارعت نبضات شريفة كثيرا، جلست على الأرض، وبسرعة تناولت البخاخ من حقيبتها ليساعدها على التنفس، نهرت زوجة الخال زهراء وطلبت منها التوقف حالا، أجلست شريفة بشكل صحيح، وصاروا يحاولون تهدئتها، حتى هدأت تدريجيا وأقسمت عليهم بخالها أن يفصحوا لها عن سبب تعامل زهراء القاسي معها، لتبدأ نوبة بكاء مريرة جدا:
- هل أنتم متأكدون من ذلك؟ هل يعقل أن أخي يمتلك هذا الكم من الوقاحة؟
توجهت ببصرها نحو زهراء:
- أدرك شعورك تماما، أنا أيضا أحب والدك وأشعر بالحرقة عليه، زهراء ابنة عمتك لا ناقة لها ولا جمل، هي لا تملك أن تبعد عن وجهها بعوضة، أرجوك لا تكوني قاسية.
تدخلت زوجة الخال وبناته:
- هوني عليك عزيزتي، زهراء لا تقصد هي غاضبة فحسب
- وما ذنبي يا خالة؟
- لا ذنب لك يا عزيزتي لو كان خالك هنا لما سمح بكل ما جرى
بينما هي تتحدث رمقت ابنتها زهراء بغضب وأكملت:
- (ولاتزر وازرة وزر أخرى) هوني عليك وارفعي كفيك بالدعاء واطلبي من الله أن نسمع صوت خالك اذ لا نعرف ما حاله منذ جروه من المنزل.
صاحت زهراء بقسوة:
- أخبروها لا تجعلوها تعيش في الجهل او الاستغفال طويلا، أصدقينا القول يا شريفة، ماذا أخبرت شقيقك المتوحش عنا؟
بهدوء واجهاد أجابتها:
- كنت طوال الايام الماضية في المشفى، وهو عادة لا يزورني ولا يسأل عني، لا نتكلم الا نادرا وعادة اما يتهكم علي أو ينهرني لأتفه الأسباب، زهراء أنا لم أبح بأي شئ لأي أحد، أرجوك أنا لا اتحمل نظرتك هذه، ولا يمكن أن أتسبب بالأذى لخالي، ارجوك صدقيني
رق قلب زهراء لدموع شريفة، فسألتها بلطف:
- حسنا ركزي قليلا، هل أخبرت والدتك مثلا؟ أو ربما نزع هذا الفهد منك هاتفك أو ....
- لم يحصل كل ذلك يا زهراء، لم أخبر والدتي، لم ينزعني هاتفي، لم ألتقيه خلال الخمسة أيام الماضية بل لم ألتقيه خلال الاسبوع المنصرم، أقسم لكِ
بعطف شديد احتضنتها زهراء:
- أنا آسفة أنا آسفة أنا آسفة لكن منظر شقيقك وهو يجر والدي من شعره مزق قلبي، لقد رطم رأسه في الجدار عدة مرات، ان دمائه هناك على الجدران تنبأك عن توحش اخيك ووقاحته، هل يعقل أنه امتلك الجرأة ليدخل منزلنا؟؟ هل ظن أن لثامه سيخفي شخصه عنا؟ لقد ناداه أبي بالإسم ويبدو أنه وعن طريق الخطأ استدار!! لقد ساءت حالة جدتي المريضة بمجرد أن رأت ما تعرض له زوج ابنتها!! أي وحش صنعتِ يا عمتي؟؟

أجهشت شريفة بالبكاء، هي لا تشعر بالوجع لأن خالها ضرب وجر واعتقل فحسب، لكن ماشعورها وهي تتحمل ذنب دماء استحالت لماء؟؟ لماذا كان فهد على هذه الشاكلة؟ لماذا عليها أن تتحمل دناءته منذ الصغر حتى اليوم؟ كاد ينفجر قلبها غيظا وألما، شريفة تمتلك بداخل صدرها بركانا ينتظر أن يتفجر!

كانت تشعر بالإعياء ويبدو أنه من الصعب عليها أن تركب سيارتها، وتتجه لمنزلها الذي يشاركها فيه هذا الوحش البشري، كانت تشعر برغبة شديدة للبقاء في منزل خالها، لكن كيف تفرض عليهم وجودها؟ كيف تعرضهم لخطر عربدة ِشقيقها وأبيها "مجددا"، الأفكار والمشاعر تزدحم بداخلها، فجأة سمعت أصواتا مريحة جدا :

- الله اكبر الله أكبر الله اكبر الله اكبر الله أكبر الله اكبر الله اكبر الله أكبر الله اكبر

 


كانت أصوات التكبير تنبعث من كل مكان، من مآذن المآتم والمساجد، من مكبرات حملها الصغار في الشوارع، من أسطح البيوت ومن الأزقة، أغضمت عينيها وصارت تتنفس هواءا نقيا، توجهت كل الفتيات للسطح لتشاركن في التكبير، فلحقتهن شريفة بصعوبة، فتحت شفاهها، أغلقت عينيها، وضعت يدها على أذنها، أطلت برأسها من الجدار، وصارت تصيح:

- الله كبر الله أكبر الله اكبر الله اكبر الله أكبر الله اكبر الله اكبر الله أكبر الله اكبر.

بينما تسمع وتشارك بهتاف التكبير، كان يطوف بمخيلتها فضل، تمنت لو أنها تلقي بنظرها للشارع لتراه مارا أمامها، حاملا مكبر الصوت صادحا بهتافات التكبير"أين تراها أراضيك؟"، كان يطوف بمخيلتها خالها، تمنت لو تسمع صوته ليخبرها أنه لم يجلس في غرف التحقيق مقابل أخيها، وأنه لم يتعرض للتعذيب بسياط فهد، وبأنه قادم للبيت هذه الساعة، كان يطوف بمخيلتها صوت والدتها، يطلب منها البقاء ببيت خالها حرصا عليها، كانت تتخيل أن أكف بنات خالها تمسك بكفها، وتتعلق بأذيالها وتمنعها من العودة لمنزلها، لكن أصوات قوية شقت جمال أمانيها, وأضعفت أصوات التكبير، للحظة ظنت شريفة أن منزل خالها يتعرض للإقتحام، هل يعقل أن شقيقها اكتشف مكانها، وجاء لمحاصرتها هنا؟؟!


ألتقيكم في الحلقة القادمة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...