ابحث في مدونتي

الأحد، 1 أكتوبر 2017

انطلق من محرم ولا تتعثر به


لطالما تساءلت؛ هل من الممكن أن يخلو موسم شعبي ما أو فعالية جماهيرية ما من سلبيات؟! وأتبَعتُ التساؤل بآخر؛ وهل يعني ذلك أن نتوقف عن عملية النقد والمطالبة بالتصحيح؟ يبدو أن الجواب عن هذين السؤالين المتناقضين هو ذاته بـ: لا.

نعيش في البحرين وفي مختلف بقاع الأرض زخما جماهيريا كبيرا في عشرة محرم الحرام بمناسبة ذكرى استشهاد سبط النبي محمد صلى الله عليه وآله، وعلى الرغم من امتلاء هذا الزخم الجماهيري بالجوانب الإيجابية التي منها أنَّ جميع الفئات الاجتماعية تسعى للمشاركة فيه وتنهل من معينه إلا أننا نشهد كذلك جوانب سلبية يُسلّط عليها الضوء بتركيز يزيد أو يقل بحسب عوامل مختلفة، وأثق أنّ ذلك التركيز ناجم في أغلبه عن حالة إيمان بضرورة استثمار هذه الأيام خير استثمار وتصحيح المسيرة الإحيائية ودفعها لأرقى الدرجات، والإصرار على تمثُّل القيم الحسينية التي استشهد من أجلها سبط رسول الله وقُتل مع أهل بيته وصحبه شر قتلة، مع ذلك لا يخلو هذا التركيز أيضا من مماحكات وتحزبات وحسابات نسأل الله أن يبعدنا عنها.

منذ اليوم الأول من شهر محرم الحرام؛ بل قبل ذلك بأيام، بدأت عملية الرصد المكثفة لكل واردة وشاردة أثناء العملية الإحيائية لم تبدأ من ورقة المنديل الملقاة على الأرض ولم تنته بالمنبر الحسيني، وأثق أن الضغط سيؤدي إلى تغيير إيجابيّ إن شاء الله، لكن بشرطه وشروطه وإذا ما كان ضغطا دافعا للأمام لا مثبِّطا ولا محبِطا ولا مستعدِيا ولا مهوّلا.

السؤال؛ هل حقا لا يتحقق التغيير إلا عبر رصد السلبيات والتركيز عليها وإلقاء اللوم والعتاب والتقريع وأحيانا التضخيم؟!

نعرف جميعا أن عملية التغيير تتم عبر عدة عمليات منها إثارة الوعي بضرورة وجود شيء ما أو بضرورة التخلي عنه، ومنها النقد البنّاء الذي يهدف إلى الكشف عن جنبة قد تكون غير مكشوفة وإن لم يعطِ الناقد علاجها فيَكْفيه أنه كشفها وأماط اللثام عنها لعل غيره يكشف عن علاجها.

وللنقد أصوله وليس من أصوله أن أُثبت على طول الخط سوء جهةٍ ما وسلبيتها وتخلّفها، فذلك كما أخشى ليس سوى تحزبًا وتضخيمًا وتغوّلًا في وجه جهة أو وسيلة لغرض شخصي بحت هو (أنا) الإنسان التي تعشق أن تكون هي صاحبة الحق المطلق.

أما العملية التي تغيب كثيرا عنا فهي عملية التعزيز، فالكثير من السلوكيات والعادات والأفكار في موسم محرم الحرام هي أفكار وسلوكيات وعادات إيجابية نحتاج إلى تعزيزها وإلقاء الضوء عليها وإشاعتها، بل إن كثيرًا من العادات والسلوكيات والفعاليات هي في أساسها تحمل بعدا إيجابيا قد يكون الإسراف في التمسك به أو التركيز عليه أو سوء تطبيقه أنتج بعض الجوانب السلبية التي يظل من الواجب تشذيبها وتهذيبها وليس رفضها برمتها.

مثلا: في قرية المالكية مضيف قائم على عاتق مجموعة من الشباب من فئة الصم والبكم. هل تساءل أحدنا ماذا يمثل لهم أن يقدموا خدماتهم عبر هذا المضيف؟! وماذا يعني لهم أن يكتظ الأطفال والكبار عندهم؟!

على الرغم من التناول السلبي لظاهرة المضيفات والحاجة الحقيقية لتقنين هذه الظاهرة خصوصا في بقعة صغيرة مثل البحرين، كانت لهذه المبادرة الشبابية لفتتها الخاصة وأثرها الإيجابي. ماذا لو تحولت تلك المضيفات لكشكات كتب توزع مجانا مخصصة مرة للأطفال ومرة للمراهقين؟! ماذا عن خيام خاصة بمضيفاتها تنصب عند المآتم خصوصا قاعات النساء لتستقبل الأطفال وتشغلهم عبر قصة وتسجيل ورسم وورشة وإطعام، تحكي لهم عن قيم الحسين "ع" تاركة للأم فرصة لمواساة الإمام ولبقية النسوة هدْأةً للالتفات إلى حديث الخطيب؟! ماذا عن الكثير من الأفكار التي نحتاج إلى شغل عقولنا بها بدل حمل مجهر يلتقط بعض السلبيات ليضخّمها ويهوّلها ويحوّلها لنقاش عريض عبر مواقع التواصل -وغالبا مع الأسف- دون نتاج يذكر؟!

فالكثير من النقاشات الحقة التي تجري عبر مواقع التواصل الإلكتروني تهدف إلى مناهضة بعض الممارسات الشاذة في إحياء ذكرى الحسين عليه السلام؛ لم تكن سوى سجالات أدت لإلقاء الضوء عليها ونشرها وربما إشاعتها في جهود أدت إلى عكس ما يراد منها، بينما كان قد تناولها الكثير من المراجع والخطباء وليس مكانها أو وقتها عشرة محرم الحرام على أقل تقدير.

في العراق وخلال ساعتين فقط تم جمع مبلغ وقدره ١٣ مليون دينار عراقي لطفلة فقيرة بحاجة لعملية جراحية تكلفها ١١ مليون دينار عراقي، أليس ذلك استثمارًا لإحياء عاشوراء؟! أليس ذلك إحياءً لقيم الإمام الحسين "ع"؟! من منا التفت إلى هذه اللفتة؟!

في قرية داركليب انطلقت مسابقة للقصة القصيرة ربطت شخصية محلية حكواتية بعاشوراء تستهدف طلاب وطالبات المرحلة الاعدادية (يمكنكم الاطلاع عليها عبر الصورة المرفقة). الكثير من الأفكار والفعاليات التي تقوم على سواعد فَتِيّة وشابّة وكبيرة وصغيرة؛ رجالًا ونساءً هي جهود في خدمة قضية الإمام الحسين عليه السلام، هدفها الأساس تعزيز وتأكيد المعرفة بالحسين وثورته منذ ما قبل كربلاء حتى ما بعدها، وهي جهود تستحق بل تحتاج أن تُشكر.




إن التركيز والتأكيد والترصد لكل ما هو سلبي غوّل الكثير من الأمور الصغيرة التي -لربما- ما كانت لتُثبت وجودها لولا هذا التركيز، بينما الكثير من الإيجابيات ومع كل أسف جرى تحجيمها عبر عدم الالتفات إليها وعدم مدها بالدعم المعنوي الذي تحتاجه فضلا عن الدعم البشري، فالجهود منصرفة إلى رصد وتأكيد كل ما هو سلبي!


نحن في قرانا ومآتمنا ومدننا وبلداننا نشهد وسنشهد الكثير من الأخطاء والسلبيات، فإما أن نتعثر بها ساقطين مضيِّعين أجمل وأرقى موسم نحياه، أو ننطلق منها مصحِّحين مصرّين على الإيجابية في التعاطي والواقعية في التشخيص.

والسؤال الذي يجب أن نسأله أنفسَنا: كيف من الممكن أن نقدم الفكرة من أجل أن تؤثر في عملية تصحيح حقيقية؟! وكيف نرتفع بها عن تثبيط الهمم؛ لتكون انطلاقة لعلاج ما نراه سلبيا؟

نفعنا الله وإياكم بالحسين وذكرى الحسين "ع".

هناك 6 تعليقات:

  1. بوركت، جدّ جميل ��

    ردحذف
  2. �� نحتاج للعقول مفتوحه عندها حاسة الاحساس!.

    ردحذف
    الردود
    1. نحتاج لممارسة عملية العصف الذهني مع الانفتاح لنستمع ثم نتكلم

      حذف
  3. يستحق القراءة والتمعن ،، فحقا نحتاج لعقول راقية تبحث عن اللب في الأحداث وليس القشور

    ردحذف

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...