ابحث في مدونتي

السبت، 14 أكتوبر 2017

المقاومة: العملية المشروعة

لو قمنا بعملية تركيز صغيرة، عبر استقطاع موضوع أو زاوية مكانية أو فكرة ووضعها تحت المجهر، مراقبين ما طرأ عليها من تحولات خلال عشرين سنة مضت حتى اليوم الحالي، فماذا تتوقعون أن تجدوا؟
بالتأكيد لن يكون ذلك الموضوع أو تلك الزاوية أو هذه الفكرة موضع البحث هي هي ذاتها خلال تلك السنوات المنصرمة، وسنجد أن تغييرا طرأ في شكلها أو جوهرها أو في تعاطي الناس معها حتى لو لم تكن يوما محطة اهتمام.
ذلك أن وعي الإنسان الفردي وكذلك وعي الجماعة والمجتمع لا يبقى كما هو، فهو قد يتطور لأسباب وقد يتراجع لأسباب أخرى، مؤثرا فيما يتعامل معه الناس، وفيما يعتنقونه من أفكار وفي ما يقررونه من مواقف.
انها عملية التغيير “القسرية” التي تحصل يوميا إما بشكل محسوس أو غير محسوس، يؤثر في درجة الإحساس بها أثر الموضوع في أصله على الناس أو أحيانا أثر ما طرأ عليه من تغيير.
رغم قسرية عملية التغيير، إلا أن من الطبيعي أن هناك عوامل مؤثرة أدت اليه، وأكثر العوامل تأثيرا هو “الناس” أي أفراد المجتمع، ومدى دفعهم بإتجاه التغيير أو رفضهم له مع الأخذ بالإعتبار أن هناك غالبا حالة مقاومة للأفكار والتغييرات الجديدة بحسب الكثير من علماء الاجتماع وبحسب ما نلمسه واقعا بأعيننا، وهي ليست بالضرورة حالة مقاومة “رجعية” أو “سلبية” أو “كارهه للتغيير” بل أجد في كثير من الأحيان أن عملية المقاومة تلك طبيعية جدا وتذهب بنا في اتجاهين لهما ثالث طبعا وربما أكثر:
الاتجاه الأول: تعديل التغيير الطارئ بشكل أكثر اتساقا مع روح المجتمع وأكثر فعالية
الاتجاه الثاني: تطور الوعي الفردي والاجتماعي نحو عملية التغيير تلك ومن ثم الانتقال اليها واعتناقها ايمانا بضرورتها وأهميتها
أما الإتجاه الثالث فقد يكون الإتجاه السلبي، الذي يرفض معه المجتمع التغير في جنبة معينة رغم الأذى المتحصل من عملية الثبات “الظاهرية” لتلك الجنبة وان كنت اثق ان التغيير مصيبا اياها لا محالة انما قد تحتاج وقتا أطول من غيرها، وربما تُخلِّف ضحايا يشعر المجتمع مع سقوطهم بضرورة الذهاب نحو التغيير مع كل أسف. 
ما أود الحديث عنه هنا هو “عملية المقاومة” التي تفرزها عملية التغيير كرد فعل عليها داخل المجتمع وفي عمق بعض الأفراد والجماعات، إذ نجد أحيانا أن أصابع إتهام جريئة وربما وقحة، تصمُ أفراد المجتمع أو جماعة فيه بوصمة التخلِّف والرجعية حين ترفض تغييرا ما أو تقاومه بغض النظر عن ماهية ذلك التغيير، وهل هو تغيير نحو الأفضل أم تراجع يظنه طالبوا التغيير ومؤيدوه تقدما. وذلك لا يعني طبعا أن نطرح أو نتجاهل الحقيقة التي تقول “أن المستفيد من بقاء الأمور كما هي سيظل متشبثا بثباتها محافظا على مكتسباته الشخصية والفئوية والحزبية” ولن ينتصر لعملية تغيير مفيدة إلا حين يقدم المصلحة العامة على مصلحته الخاصة وإلا جرفته عملية التغيير.
ان عملية تطور المجتمعات انما قامت عبر عملية التغير ومقاومة أثره ومن ثم القبول به أو تحسين نتيجته لشكل أكثر تناسبا لكن ليس بشكل عشوائي مطلق، وهنا يستحضرني مبدأ هيجل والذي يؤمن بأن: 
“التاريخ حركة منطقية (جدلية)، وهو في الغالب سلسلة من الثورات، يستخدم فيها “المُطْلَق” الشعوب إثر الشعوب والعباقرة إثر العباقرة أدوات في تحقيق النمو والتطور (نحو الحرية) إن هذه العملية المنطقية (الجدلية) في سير التاريخ تجعل من التغيير مبدأ الحياة الأساسي؛ إذ لا شيء خالد، وفي كل مرحلة من مراحل التاريخ يوجد تناقض وتعارض لا يقوى على حله سوى صراع الأضداد والتاريخ هو نمو نحو الحرية وتطورها”¹
كما يعبر عن ذلك “جوستاين غاردر”: “ما من شيء أفضل للتقدم من وجود معارضين أقوياء”²
إذا هل من الممكن إعتبار المجتمع المرن جدا “على فرض أنه موجود”، والذي يقبل بكل تغير وتغيير وتبدل، في شكله وأفكاره وهويته ومعتقداته وسلوكياته، مجتمعا صحيا؟
وهل من الممكن النظر لعملية المقاومة التي تحدثنا عنها، كعملية شيطانية لا بد من ايقافها والتسريع بموتها؟
وهل من الذكاء والتحضر أن تقفز المجتمعات للتغيير تقليدا لا اكتسابا واستشعارا بأهمية التغيير، بل وعبر المساهمة في صياغة عملية التغيير واضعا بالاعتبار الكثير من العوامل التي ستجعل عملية التغيير تلك ذات جدوى؟
إن الحارس الحقيقي الذي قد يتطرف أحيانا في حفظ المجتمع من عمليات تغيير هدّامة، وقد ينخر الفساد أحيانا أخرى المتصدين فيه، هو عملية المقاومة التي توجد بروح الإنسان والمجتمع لبعض عمليات التغيير خصوصا فيما يتعلق ببعض خصوصيات المجتمع والتي قد تكون جزء من الهوية التي تميزه، لقد حسَّنت المقاومة الكثير من عمليات التغيير الجارفة التي جاءت للمجتمع من الخارج لا من عمقه، وهي غالبا عمليات تغيير شكلية يتبدل فيها ظاهر المجتمع دون جوهره وهو ما يخلق حالة من التناقض والعشوائية التي تُسهم في وقوف المجتمع في نقطة محددة لا هو بقادر على أن يتراجع عن التغيير الذي لبسه ولا هو بقادر على التقدم به للأمام.
وهي في اعتقادي على عكس عمليات التغيير التي سعى لها المجتمع من واقع حاجة في التغيير، فاندفع باتجاهها وقد استشعر غالبية أفراد المجتمع الحاجة لها، وصاروا يحللون ويفككون ويركبون طريق التغيير الذي صاروا بحاجة ماسة اليه حتى وصلوا له بشكل أكثر استقرارا وفعالية وقوة، متجاوزين بعض المقاومين الذين قد يطلق عليهم لقب “متطرفين” حتى يلحق هؤلاء بركب مجتمعهم بعد حين.
وعلى الرغم من عمليات التغيير المستمرة، الناجحة أحيانا والمؤسفة أحيان أخرى، نجد أن المجتمعات في عمومها قد احتفظت بهوية وتاريخ يخصها، ذلك أن ضمان الوصول لمستقبل ناجح هو عبر مراجعة ومتابعة تاريخ ذلك المجتمع لا المجتمعات البعيدة رغم الحاجة لدراسة تجارب الشعوب طبعا، ومن ثم الخروج بعمليات تغيير من صلبه ورحمه لا عبر زرع “نطفة” غريبة في رحمه تؤدي لانجاب جنين غير شرعي لا يقبله المجتمع وان قبله ظل متعثرا به!
1/ ول ديورانت: قصة الفلسفة، ص380، 381.
2/ جوستاين غاردر: عالم صوفي، ص385.



نشر بتاريخ 
4/6/2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...