ابحث في مدونتي

الأحد، 18 يناير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (11)

في مناسبة رياضية عالمية تفتح البلاد أذرعها، لاحتضان كل البشرمن مختلف الجنسيات، تستضيفهم إحياءً واحتفاءً برياضة لطالما سلبت لبّ الشباب، موقع التسابق قريب جدا من بيوت متهالكة أعياها الفقروالفقد، ولا زالت هذه البيوت شامخة عالية تشهد على أن البقاء ليس بالضرورة للأقوى!
تشتد محاصرة هذه البيوت وغيرها من البيوتات، لإخفاء واقع صار عصي على الاخفاء، وكأنهم يطمحون لبناء أسوار عالية جدا حولها، عند الصراخ بداخلها يعود الصدى لأصحابها، دون أن تسمعهم أذن واعية.
لقد نشروا عساكرهم وآلياتهم، عند أعتاب كل قرية، وشهروا أسلحتهم وعتادهم: أمام كل صرخة حتى قبل أن تُطلق، ونشروا نقاط التدقيق عند كل شارع، يحصون على الناس أنفاسهم، لكنهم ما حسبوها بحسابات دقيقة، فالصراخات التي حاصروها في القرى، انتقلت عبر مجموعة من السيدات بعمق صالة التسابق، فجن جنون العسكر، وصاروا يجرّون السيدات من شعورهن وثيابهن، لتتلقى كل واحدة منهن الصفعات والركلات، وكأنهم كانوا يصرخون ( كيف خرجت هذه النسوة من حصارنا لقراهن، وكيف مررن على نقاط تدقيقنا، وكيف تمكنّ من الصراخ في معقل من معاقلنا!)، لم يتمكنوا من اسكاتهن طويلا، فاللعبة كانت تستدعي اخماد ذلك النصر عن نفسيات الأهالي، وعن كاميرات الاعلام الخارجي، لكن ظلت الرغبة بالانتقام حاضرة تريد أن تنقض على كل سيدة من سيدات هذه القرى.
وفي يوم كانت فيه الدعوات تمتلأ بكل مكان، أن تهيأوا للعودة للميدان، اختفى خبر سيدتان!
ساعات وأزواجهما يبحثان عنهما، لم يتركا صديقة ولا أهل ولا خلان، الا وطرقوا عليهم الباب يسألونهم إن مرت بهم هاتان السيدتان.
فجأة تسربت تغريدة لحساب من حسابات الخسة والدناءة، يبشّر فيها ب"اصطياد امرأتين ارهابيتين" من عمق صالة التسابق تلك، ليشهد الجميع مجددا، صفعة قاسية على وجه الغرور والتكبر، لكن هذه المرة أبى الانتقام الا ان يُبعث من جديد على جسد هاتين السيدتين!
حالة طوارئ غير معلنة انتشرت في البلاد، كل القرى تشهد سيلا من المداهمات، ويساق الفتية للمعتقلات سوقا جماعيا قاس، مع انقطاع اخبار السيدتان، حالة من الألم والحزن انتشرت بين الناس، أيعقل أن تختفي سيدتان كما يُخفى الشبان؟ لم يكن أحد قادر على أن يفكر بسواهما، خرست كثير من الأفواه خوفا، وارتفعت كثير من الأصوات غضبا، وسقطت بعض الأقنعة الجميلة من على وجوه بشعة!
أيام وملأت أخبار السيدتان الاسماع، في داخل غرف التحقيق، يتساوى الرجال بالنساء، فكما كان يُصفع الرجل على أذنيه كانتا تُصفعان، وكما يُصفق برأس الرجل الجدار، هكذا صُفق برأسيهما، وان كانت الفيلقة مرحلة لا بد أن يقاسيها الرجال، فقد قاستها هاتين السيدتين كذلك، حتى الطهارة التي كانت تغشاهما، حاولت الدناءة أن تنزعها منهما، وحين لم تتمكن من ذلك، تعرّت البشاعة أمام الايمان، وخلعت رداء الإنسانية، عند رجلي سيدتين ضعيفتين شامختين، وسيقتا للمحكمة على ذمة قضايا إرهاب!!
زهراء صديقة المعتقلتان عاشت أياما صعبة جدا، وهي تبحث عن أخبار تلك السيدتين، كانت يد شريفة دائما على كتفها، تربت عليها "أن الله معهما" زهراء تلك الفتاة الشامخة، التي ما انحنت يوما حتى وهي تشهد واقعة تعذيب والدها، وواقعة حرق جدتها لنفسها بسبب الجور والظلم، كانت تمتلأ وجعاً وبكاءً كلما تذكرت صديقتيها. كل ليلة تتذكر أن أطفال صديقتيها سيباتون دون أمهما فتبكي، كل ليلة تتذكر كيف وُضعتا في غرفة مظلمة لا تسمعان فيها، الا صوت الصراخ والوجع من غرف التحقيق المجاورة كانت تبكي، كلما تذكرت أنه قد يطول بقاؤهما هناك كانت تبكي، كلما سمعت عن قصص المعتقلين الذي يجيدون التعاون على قسوة السجن عبر تبادل الكتب، ومداواة جراحات المعذبين منهم، وتبادل الملابس والأدوات كانت تبكي، فصديقتيها لا أحد معهما يداوي جراحات التعذيب بجسديهما، ولا تتبادلان الملابس والكتب مع أحد سواهما، اذ لا تجاورهما الا ربيبات السجن والفنادق، تشهدان انبعاث رائحة السكر والعربدة من بعض زميلاتهن، لا أحد لهما الا الله!
كانت شريفة تدرك حاجة زهراء لها، فالتصقت ببيت خالها أكثر، هذه الليلة ليلة جمعة، وقد اعتاد كل من في البيت، على التوجه لمسجد القرية، لأداء صلاة الجماعة وإقامة أمسية دعائية تبدأ بدعاء كميل، مرورا ببعض الأدعية بنية الفرج عن جميع المعتقلين والمعتقلات، هذه المرة لم تكن زهراء هي الداعية بل شريفة:
- زهراء هلمي بنا لمسجد القرية، نحن بحاجة ماسة للبكاء عند الله لا غيره يا ابنة خالي
توجه الجميع للمسجد، وارتفع صوت الدعاء، محتضنا آلام الناس، مرتفعا بها عند منتقم جبار، كانت زهراء مختلفة، لا زالت شامخة لكنها تتألم: (الهي وربي من لي غيرك أسأله كشف ضري والنظر في أمري؟!)، مع الأيام صارت زهراء تسمع صوت صديقتيها كل مدة عبر الهاتف، أحدث غيابهما بقلب زهراء وشخصها أمرا، أمر لم تفصحه لأحد لكنها ظلت تقول دائما :
- لقد ظلمت صديقتاي من الجميع لا من سجانهما فقط!!


 
  

كان التنقل في البلاد صعبا، صعب  لمطارد يتخفى، وصار التنقل أصعب وأصعب بعد تلك الأحداث، عاش الحاج علي أياما قاسية وهو يفكر في الوقت المناسب والطريقة المثلى لإنتقال فضل من بيت ذلك الرجل الطيب لموقع وفره زوج شيخة في مكان أكثر أماناً وهدوءً، كانت الحسابات مختلفة جدا، بين الحاج علي وفضل وأبا حسن، وصار لا بد من اعادة هذه الحسابات.
 شريفة لا تعرف شيئا عن فضل، والحاج علي لا يريد أن يخبر أي أحد، بأنه رأى الشاب والتقاه، فالأوضاع تتحول بسرعة من سئ لأسوأ، لكن أمام سؤال شريفة المتكرر لخالها عنه، لم يجد طريقة أفضل لنقل فضل من (شريفة).
ذات يوم طلب الحاج علي من شريفة أن تحضر عمتها لمنزله، وهكذا فعلت بكل حماس، كانت تثق أن هذا الطلب له علاقة بفضل، حضرت السيدة وتم الاتفاق، صارت مهمة نقل الشاب من موقعه لموقع آخر، من مهام العمة وشريفة، فتحركهما سهل ودرجات الخطر معهما أقل بكثير من غيرهما، فاستعدت السيدتان للمهمة، ستنقلا فضل من داخل قرية لموقع آمن بعيد، ليتسلمه الحاج علي وابا حسن مرة أخرى وينقلاه للمكان المنشود.
وفي اليوم المقرر والوقت المتفق عليه، ذهبت السيدتان بعمق تلك القرية، متوكلتان على الله، وصلتا لذات الممر الذي كاد فيه فضل منذ مدة أن يلقى مصيرا لا يعلمه الا الله، فتلقفته العناية الالهية وأوصلته ليد هذا الرجل الطيب، لم يخرج فضل من هذا الممر منذ دخله، كانت هذه المرة الاولى. ركب فضل في المقعد الخلفي يملأه الحياء، فقد أخبره الحاج علي أن مهمة النقل من نصيب سيدتان وأنه يعرف احداهما، وكانت هذه هي العلامة. المفاجأة أن فضل لا يعرف السيدتان فأوجس في نفسه خيفة :
- السلام عليكم سيدتي الكريمتان
- وعليك السلام يا ولدي.
كانت شريفة تسرق بضع نظرات لفضل كل حين، وقد قرأت في وجهه شيئا فبادرته:
- هل أنت قلق يا فضل
أجابها بخجل:
- أخبرني الحاج علي أني اعرف واحدة منكما، لكني فوجئت بأني للتو تشرفت برؤيتكما، لا ادري ان تغيرت الخطة مثلا؟
تبسمت شريفة:
- بل تعرفني يا فضل .. أنا ( )
دق قلب فضل بقوة، كان متلفها جدا للسؤال عنها، لكن وجود العمة أجبره على اظهار الاتزان، دقائق وعاد فضل للحديث:
- من بعد اذن الخالة، هل يمكنني السؤال عن صحتك؟
تبسمت العمة وأجابته:
- انها بخير كما ترى
ضحكت شريفة وكان وجهها يمتلأ سعادة والعمة تنظر اليها بنظرة فاحصة:
- انا بخير يا فضل لكني ويشهد الله على ذلك، كنت قلقة عليك وهذه عمتي رأفت بحالي، فقررت أن ترافقنا في هذه الرحلة التي لا ندري ما نهايتها.
- اعتذر منكم لقد أشغلتكم جميعا أنت يا شريفة والحاج علي واليوم هذه السيدة الكريمة
- انت على الرحب والسعة يا فضل
لاحظ فضل ملاحظة أشغلت باله قليلا، لهجتهما! فبادرهما بالسؤال:
- يبدو أنكما لستما من نفس قرية الحاج علي؟
تلعثمت شريفة قليلا لكن العمة أجابته:
- نعم يا ولدي نحن لسنا من قرية الحاج علي لكن نصف شريفة من هناك بالتأكيد
حل الهدوء في السيارة بينما كانت تتجه للشوارع العامة، كانت شريفة تراقب قسمات وتعابير وجه فضل من خلال المرآة العاكسة، بينما كان فضل يسترق أحيانا بعض النظرات نحو شريفة، ويبدو أنه غارق في التفكير. أما العمة فشئ من القلق كان يستبد بها كلما مرت على سيارة عسكر!

كان هناك من يراقب لهم الطريق، ليطمأنهم من خلوه من أية نقطة تدقيق معتادة، اقتربوا كثيرا من الموقع المتفق عليه، وبدأوا يشعرون بالارتياح لكن اتصالا أرعب السيدة شيخة :
- هناك خبر سئ !
انتبه فضل وشريفة للعمة بقلق:
- ما الامر؟
- للتو نصبت نقطة تدقيق أمامنا لا بد أن نمر عليها!!
لكن فضل أجاب :
- اتركيني يا خالة عند أول الطريق ، سأحاول السير بعكس الاتجاه لأركب اي سيارة لتقلني
- هل تمزح؟ لا يمكن أن أتركك تبحث عن مساعدة بهذه المنطقة انها غير آمنة بهذه الطريقة
- ما العمل يا سيدتي؟
تلقت اتصالا آخر:
- النقطة غير مفعلة ربما تمرون بسلام لكنها تبقى مجازفة
نظرت العمة لفضل:
- ماذا تقترح؟
- سيمسكون بي يا خالة
- لن يفعلوا .. سأريك شيئا .
استخرجت العمة هويتها وهوية ابنة اختها :
- مع هذا الاسم واللقب هل تعتقد أنهم سيوقفوننا؟
تجمد فضل في مكانه، انه يعرف هذا اللقب جيدا، فأحد الجلادين يعرف به!!!!
- هل هي هويات مزورة؟
- فضل ليس لدينا متسع من الوقت ،ان كنت لا تثق بأسمائنا وهذا حقك، ألا تثق في الحاج علي؟ انه خال شريفة وقد اوصانا عليك أكثر مما يوصي على بناته، أحتاج منك أن تكون واثقا من مرورنا، ان سألوني ستكون انت ولدي خالد ... اتفقنا؟
صمت فضل وهز رأسه موافقا، يبدو أن لا خيار لديه، بينما السيارة تسير خطرت ببال فضل فكرة:
- هل يعمل مذياعكم؟
- نعم
- جيد اديريه على قناة للأغاني  وارفعي الصوت عاليا
قام فضل بخلع سترته العلوية، وبقي برداء دون كفتين، وشريفة تنظر له باستغراب، تبسم وهو يدير قبعته للخلف ثم رفع رأسه وسألها:
- هل أجد لديك سلسلة؟
اشارت لرقبتها مستفسرة:
- سلسلة؟
هز رأسه بابتسامة، فأخرجت من حقيبتها طقم ناعم ذهبي أعطته السلسة، فلبسها أمام دهشة السيدتان .
وصلت السيارة لنقطة التدقيق، كان فضل يعيش اضطرابا داخليا يقمعه الاطمئنان بأمر الله، بينما كان القلق قد ابتلع شريفة ابتلاعا، اما العمة فقد تبسمت للعساكر بينما تمر عليهم في سيارة صاخبة جدا، استوقفها احدهم فإرتفع معدل القلق عند فضل، بينما كانت شريفة تمثل الانشغال الشديد بهاتفها، نظر لداخل السيارة، فلمح شابا يهز رأسه على ايقاع الاغنية التي خففت العمة صوتها قليلا، نظر اليه ثم أشار بيده لهم ليمروا، أغلقت العمة المذياع وهي تكاد تنفجر ضحكا على منظر فضل، حانت من فضل ابتسامة وجهها نحو شريفة التي ردت بسمته ببسمة.
أخيرا وصلوا للمكان المنشود، كان بيت العمة الشيخة، جلسوا قليلا حيث تناولوا وجبة خفيفة تعرّف فيها فضل أكثر على هذه العائلة التي (أثارت) استغرابه، شكر العمة وشريفة وودعهما ذاهبا مع الحاج علي، الى حيث لا يدري, ولا تدري شريفة.
وصل الحاج علي وفضل للمكان المنشود، أخبره أن المكان آمن نسبيا، لكن بالتأكيد يجب عليه أن يحذر من وسائل التواصل الاجتماعي واجهزة الاتصال، أعطاه هاتف مسجل باسم رجل أجنبي، وطلب منه ان يستخدمه للضرورة فقط، دون أن يخبر أي أحد أي أحد مهما ظنه آمنا عن مكانه:
- حفاظك على سرية مكانك، لا يعني حفاظك على ىسلامتك فحسب، بل على سلامة كل من ساهم في وصولك لهذا المكان، ومن تكبد عناء توفيره أيضا.
- لا تقلق يا حاج علي ..
احتضن الحاج علي فضل طويلا، وأخبره أنه سيزوره ويحضر حاجياته دائما، لكن بشكل غير اعتيادي حتى لا يسهل تعقبه، واستأذنه للذهاب لكن فضل استوقف الحاج علي :
- حاج علي .. هل يمكنني أن أسألك شيئا؟
- طبعا يا ولدي سل ما تشاء
- .......
- فضل لا تخجل أنا بمقام والدك .. أفصح يا بني
- شريفة ....
ألتقيكم في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...