ابحث في مدونتي

الأربعاء، 28 يناير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (18)




لم تصدق شريفة عينيها، أيعقل أن تولد من بطن الموت حياة، أيعقل أن ينجب الحزن فرحا، اسبوعان كاملان يفيضان وجعا تكون خاتمتهما راحة!!

احتضن حسن صديق عمره فضل، تحولت دموع الحزن والمرارة، الى دموع فرح وسعادة، فضل بخير وجاء مودعا مسلم:

- أين كنت لقد كنا نموت في اليوم الف مرة؟

- شاء الله أن أكون بخير يا حسن، لكني أصبت يومها وأنقذتني عائلة كريمة، خشيت كثيرا عليهم، لذلك فضلت أن أبقى عندهم حتى أتمكن من الخروج فلا أعود مرة أخرى!



هو اللطف الإلهي الذي يُغلّف الألم بالأمل، والحزن بالفرح، واليأس بالتفاؤل، من غير الله قادر على أن ينتشلنا بحبل الصبر من حزن سحيق؟ من غير الله قادر على قهر غلظة الموت ببسمة اللقاء؟ أجواء سعادة رفّت على تلك العائلة، بينما تدس ابنها بالتراب مستقبلة فضل بالترحاب.
                                  
                                                         


بحزم شديد طلب الحاج علي من فضل وحسن ان يختفيا تماما، وسرعان ما تحولت لحظات اللقاء السعيدة، للحظات وداع متأمّلة، كان فضل ينظر لشريفة مليا، بعمق قلبه كلمات، صار مؤمنا بها ويحتاج للإفصاح عنها، استأذن فضل من الحاج علي ليُحدث شريفة:

- أعتذر عن كل الألم الذي سببته لكِ، وأود بشدة أن أخبركِ، أني لو كان مقدرا لي أن أختار حياة، لاخترت حياة تشاركيني إياها، لكن شاء الله أن أكون غريبا في وطني، أحلامي مؤجلة حتى يأذن الله لنا بفرج، أرجوا لك حياة سعيدة.



لم تتمكن شريفة من الكلام، ماذا عساها تقول؟! ألم تكن تنتظر هذه الكلمات؟ فلماذا شعرت بالحزن يغمرها اذا؟! انها الحسرة قد ملأت قلبها، لماذا ترفض الأمنيات أن تكتمل؟ لماذا نبحر عبر بحر لجي وحين نوشك أن نصل لبر الأمان، يكون سرابا؟! لماذا تحولنا لسفن لا مرافئ لها، تبحر وتبحر وتبحر حتى يعطبها العمل؟!



مجددا انيطت بشريفة مهمة النقل، نقل الشابين للمكان الآمن، طوال الرحلة كانت هي تمتلئ بالكلام وفضل يمتلئ بالحسرة، شعرت العمة بروح الشابين المتألمتين، لكنها خشيت أن تباغت أوجاعهما بكلمة، فاختارت هي أيضا الصمت، مرت عمليتا نقل الشابين بأمان، وعاد فضل لشقته الآمنة هذه المرة يرافقه حسن، لم يعد مسموحا لهما بالخروج، لم يعد مسموحا لهما باستخدام الهاتف الا عبر برامج معينة، وصارت احتياطات الأمن أضعاف ما سبق. مُلأت الشقة بالكتب، ووضع الشابين خطة لاستثمار وقتهما الطويل، كان فضل متمكنا جدا في اللغة الإنجليزية بسبب خوضه لسوق العمل مبكرا، بينما كان حسن فارسا يمتطي النحو ببراعة، يجيد التجويد ويقرأ القرآن بترتيل وخشوع، صار يومهما موزعا بين العبادة والقراءة والتعلم، يتخللهم شئ من البوح والترفيه.



كان حسن بعيدا عن فضل مدة من الزمن، غيبته عن أحوال ابن خالته وصديقه، لكنه وبمجرد أن عاد لخارطة الحياة، علم أن بقلب فضل حكاية لكنه لم يفصح عنها، سأله ذات يوم بابتسامة ماكرة:

- كيف حال قلبك يا بن خالتي؟

بابتسامة ساخرة أجابه:

- لا زال قويا كما تعرفه

- لا زال فارغا أيضا؟

تنهد فضل وتغيرت بسمة شفتاه:

- وهل يمكننا أن نملأه؟ انظر لحالك لقد تعلق قلبك، وتزوجت بمن تعلق بها قلبك، فأين وصلت؟

- وصلت لولي عهدي.

ضحك الاثنان وأكمل فضل:

- لكنك لا تدري ستراه أم سيطول بكما اللقاء!

- حتما اذا أمد الله في عمري فسألقاه وفي لحظة ولادته

- ما هذا التفاؤل يا حسن!!

- وهل كنت اظن أن أتزوج زهراء؟ وهل كنت أظن أن أحظى بحريتي هذه؟ وهل كنت أظن أني سألقاك بعد غيبة ظننا أنا سندسك بعدها في التراب؟؟ فضل يجب أن تكون واثقا من لطف الله، لقد بدّل الله حزني على مسلم فرحا بلقائك! أقسم بالله أني اخجل من يأسي أمام لطفه، ولا بد أن تثق فيه، لا بد أن تستمر الحياة رغما عمن يغتال أفراحنا واحد بعد الآخر، لا بد أن تظل ابتسامتنا على وجوهنا حتى وان لقينا الموت، فضل لقد تعلّمت منك معنى الإصرار، فلم يغتل السجن في طفولتك، حلمك بأن تتعلّم وتواصل دراستك!

- أنا محتار جدا

- فيم؟

- في قلبي!

- اسعى وراء ما تريد يا فضل، لا تستسلم !



وضعت شريفة رأسها في حضن عمتها، وصارت العمة تمسح على شعر ابنة اخيها، انها تدرك حيرتها تماما، لكنها ليست متأكدة من ملامح تلك الحيرة:

- أفصحي يا ابنتي ماذا تكتمين؟

بابتسامة أجابتها شريفة:

- لا شيء فقط صرت أحتاج لأم بديلة فلجأت اليك

- أدام الله أمك ولا حرمكما بعضا

- عن أي أم تتحدثين؟ انها تعيش في كوكب آخر بعيدا عن الكوكب الذي أحيا عليه، رغم ملاصقة غرفتينا ببعضهما.

- اسمعيني جيدا يا ابنتي، لا تكرري خطأها، لا تتركي أمك مهما كانت الأسباب

- لا اعرف كيف تحتفظين بصداقتها للآن رغم اختلافكما البيّن

- لقد تعاهدنا بأن نظل صديقتين، وان شعرنا أن اختلافا بيننا في الرأي أو أسلوب الحياة سيفرقنا فنكتفي حينها بالنصح، فصرت أنصحها أن تتشبث بأسرتها وصارت تنصحني أن ابتعد عن أسرة زوجي وعمله ونشاطه، فبقينا صديقات لأننا نجيد الاصغاء لبعضنا

- لكنها لا تجيد الاصغاء لي

- ستبقى أمك وأنا يا حبيبتي أصغي اليك فأفصحي



لم تتجرأ شريفة على البوح، رغم أنها تشعر بأن عمتها تعرف ما يدور حولها، لكن يبقى من الصعوبة بمكان أن تخبرها عن مشاعرها، وان أخبرتها فماذا سيتغير! فضل أخبرها أنه يبتغيها زوجة، لكنه غير قادر على الزواج، غير قادر على التواصل معها، غير قادر على أن يكون فردا في مجتمع، اذ لا بد أن يَغيب حتى لا يغيِّبَه اعداءه، هل تُراها تحتاج لنصح وارشاد؟ حاولت شريفة أن تدّعي انشغال بالها بحال صديقة لها:

- عمتي مؤخرا تشغل بالي صديقة قديمة طلبت نصحي لكني لم أملك لها رأيا

- ما بالها؟

- يبدو أنها متعلقة بشاب يعيش ظروفا صعبة، لم تفصح له بذلك ولم تكن متأكدة من مشاعره، لكنه مؤخرا أخبرها أنه يتمناها زوجة لو لا ظروفه

بذكاء قرأت العمة حيرة ابنة اخيها، فسألتها:

- تربطهما مشاعر اذا؟

- الى حد ما

سكتت العمة لبرهه، وحاولت أن تختبر شريفة فقالت بجدية متصنعة:

- لا بأس سينسيان بعضهما بمجرد انشغال كل منهما بحياته

دق قلب شريفة بقوة "هل يُعقل أن أنسى فضل؟ وهل يعقل أن ينساني؟ ربما هو قادر على ذلك، فمجتمعه مليء بفتيات ربما يفهمنه، فهو ابن مجتمعه، لكن من أين لي بانسان يكون هو مجتمعي كما فضل!" بتلقائية شديدة قالت شريفة لعمتها:

- هل يعقل أن ينسى الانسان روحه التي وجدها عند الآخر؟

- اذا فما يربطهما ليس مجرد مشاعر، فان كانا يعتقدان أنهما سيكملان بعضهما، فلا بد أن يناضلا، لا بد أن يناضلا ليكوّنا أسرة قوية في مجتمعهما، نحن من يخلق الظروف أو هكذا يجب أن نكون.



قلبت العمة حال شريفة رأسا على عقب، ربما يعتقد البعض أن النضال يعني أن تواجه خصما أو أن تسترد حقا، بينما النضال أحيانا يكون عبر صناعة حياة، بأن نصنع الحياة التي نريد، لا أن نرضخ للحياة التي فرضت علينا بحجة الظروف، نحن لم نختر أبوينا لكن حتما نحن من يختار نفسه! " اختاري يا شريفة اما النضال واما الرضوخ"!

كل من يقترب من شريفة وفضل، يكتشف أن ثمة انسجاما نادرا بينهما، فحين تتحدث يجيد هو الاصغاء لها، وحين يتحدث تجيد هي فهم قصده، أحيانا يشعر الحاج علي أن بال الشابين ينشغلان بذات الموضوع في نفس الوقت، ودون أن يخططا لذلك، فحين تقرر شريفة أن تلفت نظر الحاج علي لأمر مهم، يقوم فضل بلفت نظر الحاج علي لذات الأمر!



ذات ليلة قرر الحاج علي أن يخوض مع الشابان حوارا مصيريا، فطلب من الجميع أن يحلوا واجبا كل على حدة، حسن وزهراء وفضل وشريفة، "ليختر كل واحد منكم فردا من المجموعة وليكتب فيه صفتان، صفة يتمنى لو تتغير وصفة يسعى للاقتداء بها، أنا الوحيد الذي سيطلع على اجابتكم" انتظر الحاج علي إجابات الجميع، ولأن حواراتهم تكون غير مباشرة كاحتياط أمني، فقد استلزم ذلك أياما حتى حصل الحاج علي على كل الإجابات، فتحها وصار يقرأها بتأنٍ، كان حسن يتمنى أن يعود فضل لسابق عهده، شابا عازما لا يفل ارادته ظرف قاس، أما زهراء فقد أبدت اعجابها بقدرة شريفة على التغيير، فضل كان يرجوا أن يكون كحسن، الذي يحمل ايمانا صلبا لا تقهره الظروف، شريفة كانت الأكثر تفصيلا، فقد كتبت:

(أعرف أنكم جميعا تنظرون لي نظرة رضا، لكني أجد في نفسي ضعفا شديدا، فأحتاج لصلابة زهراء، وايمان حسن ورجاحة عقل خالي علي، وكنت أتمنى لو صار فضل أكثر جرأة في قهر ظروفه)

لم يعد الحاج علي بحاجة ليحدَّث الشابين، لقد عزم على أمر ما. بعد أيام من قراءته لإجابات الجميع، طلب الحاج علي من شريفة أن تمر لأخذه من منزله: "هناك مشوار لا بد أن نذهب اليه معا" بكل بساطة أجابت شريفة خالها، واتفقت معه على موعد ربما سيكون الأهم في حياتهم جميعا.


ألتقيكم في الحلقة القادمة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...