ابحث في مدونتي

الاثنين، 26 يناير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (17)




 
هو جزء مختلف في مناسبته، فهذه أيام نستذكر فيها تفاصيل جريمة قتل الشاب فاضل مسلم أثناء مطاردة شباب آخرين واعتقالهم، فاضل هو أحد أصدقاء الشهيد علي الصباغ "ابن عمتي" الذي لم أعد قادرة على تذكر تفاصيل تتعلق به دون نطق اسمه .. فاسمحوا أن أهدي هذا الجزء من القصة لروح الشابين فاضل وعلي واستميحكم العذر لأني لم استخدم اسميهما رأفة بقلب أحبتهما ولأني اقتبس شيئا من قصتهما ولست في صدد سردها تفصيليا..

فابدأوا هذا الفصل بإهداء الفاتحة لروحيهما وروح كل شهيد من شهداءنا

-------------

كان فضل يركض مسرعا، محاولا أن يصل لأي منطقة آمنة تمنع اعتقاله، الا ان صوت الرصاصة أرعبه وأجبره على أن يتخذ وضعية الاستلقاء، لقد كان قريبه ملقى على الارض ويبدو أنه غير قادر على الحراك، لحظات وصار فضل يزحف باتجاه قريبه محركا اياه، محاولا حمله معه، الا ان العساكر صارت تقترب راجلة، وأصوات الطلق لم تتوقف، فتح الشاب عينيه بصعوبة بالغة مبتسما لفضل:

- اذهب يرعاك الله يبدو أني أوفر حظا منك

سحبه فضل الا ان الشاب غاب عن الوعي، العساكر صارت قريبة جدا، يمنعها من رؤيته الاشجار وليل الله الدامس، ابتلع فضل ريقه وصار يتمتم بدعاء خاص (اللهم اني أسألك العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة)، سمى بسم الله وسلَّم الأمر لرجليه وصار يركض، كان يسمع أصوات الطلق التي كانت تغيب شيئا فشيئا، لقد انشغل العسكر بالشاب الملقى على الارض، ربما ظنوا أنه فضل أو حسن!



لم يتمكن حسن ليلتها من العودة للمكان المنشود، عاش مأزق تأمين موقع أكثر أمانا، لم يعد أحد يدري ما الذي حصل، كانت الاخبار تنتشر بسرعة عن طلقات رصاص مرعبة، وعن ملاحقات شرسة، لكن أحدا لم يعرف ماذا جرى للشابين المفقودين، انتظرت العائلتان لعلهما تسمعان صوت ابنيها حتى تطمئنان عليهما، لعلهما اعتقلا او لعل رصاصة جرحت بدنهما، لقد ذهب الأهالي في اليوم التالي ليستطلعوا موقع الملاحقة، لكن يبدو أن العسكر أخفى كل ما يمكنه اخفاؤه، لا يوجد أي أثر لأي شئ، لم يبق سوى شريط أصفر كان يحيط الموقع مزّقه الصبية بعد أن انسحب العسكر.

اجتمعت الأسرة القلقة، وأسرَّت زهراء لأبيها عن وضع حسن الحرج أيضا:

- لا نعرف إن كان فضل قد اعتقل أم لا لكن لم يعد مكانهما آمنا

- أكثر ما أخشاه أن يكون الشابين قد أصيبا وأنهم يخفون أمر إصابتهم

- ماذا نفعل أبي؟

- ننتظر يا زهراء لعلنا نعثر على شاهد عيان يبلغنا ما رأى

- لا أظن يا والدي، المكان في عمق مزارع القرية، بعيدا عن المنازل وهذا ما يجعلني أستبعد امكانية هروب فضل

حسن يعيش قلقا من نوع آخر، لقد صار يلوم نفسه كثيرا :
"لعل وجودي مع فضل بذات المكان كان الدافع لاستهدافه أكثر، ماذا لو أصيب ابن عمي مسلم، الشاب ليس مطاردا ولا مستهدفا! ماذا لو تعرض لتعذيبهم وتحقيقهم؟! ماذا لو شهد اصابة فضل أو تعذيبه؟ لم تمض أياما طويلة منذ أن فقد هذا الشاب صديقه".


 

إنّ ما يخشاه حسن هذه المرة ليس اعتقالا ولا اصابة، انه يخشى على قلب هذا الشاب، شباب بعمر الزهور تذوقوا طعم الفقد المر وبأبشع الطرق! مسلم صديق للشاب نضال، نضال الشاب المتحمس الذي ما توقف استهدافه يوما! يرافقه سنين صباه، يحمل عنه وجع سنوات المطاردة المريرة، يبلسم قلبه بابتسامة صاحبه التي لا تغيب عن ثغره، هذا الصاحب الذي خرج يوما ولم يعد، لم يره مسلم إلا جثة ملقاة على الأرض، تحيطها العساكر ساعات طوال مانعة عنها الأحبة والخلان، ذهب نضال وبقي مسلم يتجرع مرارة الفراق، لقد حمل نعش صاحبه رافعا يداه حتى عنان السماء، مسليا قلبه بكلمات الله (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ)! يستحق نضال أن يموت موتة شرف، لا يمكن أن يُصرع أمثاله إلا وهم واقفين، تماما كما غاب نضال عنهم واقفا شامخا مبتسما!


مضت الأيام ثقيلة جدا، حسن يعيش أياما صعبة، فضل ومسلم مفقودان لا يعلم عنهما الا الله، اسبوعين كاملين كان ذوي الشابان يموتون من القلق، في الدقيقة ألف ألف مرة، فكرت شريفة مرارا بأن تقتحم غرفة شقيقها لتطلب منه معرفة مكان الشابين، لكن هذه المرة لم يمنعها عن ذلك خوفها منه بل كبريائها "لا يلجأ لمجرم لاستنقاذ برئ"، لقد قسى قلبها أكثر لم تعد تطيق البقاء في منزلهم كثيرا، حتى صار وكأنه مجرد فندق تعود له لتغتسل وتنام وتغير ملابسها، لاحظت الأم أنّ ابنتها في حال يرثى له، واضح جدا أنها تعيش محنة ما، لكن لم تتمكن الأم من معرفة سبب قلق ونحول ابنتها، صارت تبحث عن أخبار أخيها وبناته لعل سوءا أصابهم وتسبب بقلق شريفة، الا أن الأمور كما عرفتها بخير، حاولت استنطاق ابنتها مرات عديدة وكانت شريفة حينها تلتزم الصمت والهدوء، هدوء غريب لا ينبأ الا عن وجع.


في فجر هذه الليلة، تلقت عائلة الشاب مسلم اتصالا مريبا، طلبوا منهم الحضور حالا وعلى وجه السرعة، الاتصال المريب وبقدر ما قذف بقلب الأم خوفا وقلقا أشاع الى جانبهما الأمل، الأمل بأن تعرف أنّ فلذة كبدها بخير، وأن موعد اللقاء معه قد حان، ذهب والدا الشاب للمكان المنشود، كانت الأم تمنّي النفس بأنها أخيرا ستلمس كفي ولدها، وبأنها ستحضتنه وربما تسمح رأسه، ستخبره أن دعاءها ارتفع الى السماء وعاد لها محمّلا برائحته وأخباره، ماعلمت هذه الأم أنها ستذهب لتلقى ولدها حقا، لكنها التقته بعد أسبوعين كاملين جثة هامدة!!!


بكل قسوة أخبر العسكر هاذين القلبين المنكوبين، بأن ولدهما كان مشاركا بعملية تهريب سلاح وأنه حاول دهس المدافعين عن أمن البلاد، فاضطروا لاطلاق الرصاص فأصيب هو وهرب صاحبه!!!

تبسمت الأم وهي تلمس كفي ولدها، احتضنته بقوة رافعة رأسها للسماء "لقد عاد الدعاء محمّلا بشهيد، فالحمدلله على عطاياه، اذهب بني فصديقك نضال ينتظرك، اذهب فكم أخبرتني أنك مشتاق إليه" مسحت الأم رأس ولدها فكان موضع الرصاصة ينبأ بالقصة الحقيقية، لقد أُغتيل هذا الشاب وقُتل ببشاعة، جريمته أنه ابن هذه الأرض، وأنه أحد أوعية العقيدة التي تأبى الذل والمهانة.

 

تسلمت العائلة في اليوم التالي جثة ابنها، طلق ناري عميق وعريض في رأسه من الخلف!! كدمات ورضوض في ظهره، وفي رقبته وخلف أذنه، وقطع أسفل شفته السفلى، وكدمات في الوجه، وسحوج في يديه، وجرح غائر في أسفل عظمة كتفه الأيمن، ورضوض أخرى وجرح في رجليه!! ودّع الأحبة الشاب في المغتسل، كان حسن الأكثر تأثرا بشهادة مسلم، اعتذر منه كثيرا لأنه فرّط بسلامته "لم أعلم يا ابن العم أني كنت أسلمك للموت سامحني أرجوك" تمسكه زهراء بقلبها المجروح، تحاول أن تهون عليه مصابه، تسند زهراء شريفة التي كانت تحتاج لمن يواسيها، فجأة دخل المغتسل شاب أعياه الوجع والحزن، صرخ مناديا حسن:

- لقد قتلوه يا حسن قتلوا عزيزنا مسلم


ألتقيكم في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...