ابحث في مدونتي

الأحد، 11 يناير 2015

قصتي : حب في نون السياسة (4)









- لكنه اعتذر عن التواصل معي, يبدو أنني لن أعرف عنه إلا حين يعتقل أو ....

- كفي عن التشاؤم, لدينا اسمه أليس كذلك؟ ابنة خالك ستتصرف.

عادت شريفة لمنزلها بشيء من الاطمئنان, هي تثق كثيرا في إمكانيات زهراء, فهي ذات علاقات واسعة وحتما ستتمكن من مساعدة "فضل", (ربما لن أتمكن من التواصل معه, لكن لا يهم المهم أن يكون بخير هو وكل شبابنا), هكذا طمأنت شريفة نفسها, هي تشعر بالانتماء الكامل لهؤلاء الشباب, وحين تنتمي للحق فلا يمكن أن تقبل بالانتماء لما هو دونه, فلسفة إنسانية رائعة.


مضت الأيام دون أن تخبرها زهراء بأي تطور, ولا زالت شريفة حذرة في التواصل مع عائلة والدتها, وها هي عادت للعمل وصارت فرص زيارتها لخالها أصعب, قبلت شريفة بواقعها وانسجمت معه قليلا, لم تعد تلح بالاتصال على زهراء لتسألها عن فضل, انقطعت عن زيارة خالها, ربما لم تكن تمتلك الا عالم التغريد, تتصفحه كل ليلة قبل نومها, هذه الليلة وجدت في حساب فضل تغريدة آلمتها وقضت على قدرتها على التحمل, تغريدة سلبتها حالة الانسجام العاجز الذي استسلمت له, صورة لشاب تائه يجوب الطرقات, تتربص به الأعين وتُزرع له الكمائن, يعيش ذووه وجع فراقه ومأساة استباحة منزله كل حين, لم يتحدث فضل في تغريدته عن نفسه, انها معاناته ومعاناة الكثير من الشباب.


أرسلت له رسالة على أمل أن تلقى منه ردا :

( السلام عليكم ..

أعرف أنك تسطر عبر تويتر معاناتك, يحركك لذلك أنها معاناة الكثير من الشباب, بالله عليكم اسمحوا لنا بمساعدتكم, أشعر أنني عديمة الإنسانية لأنكم تكادون لا تنامون, بينما لدي سقف وأبواب تغلق علي كل ليلة!!)


هذه المرة لم يتأخر فضل في الرد عليها:

(أعرف أن الكثير من العوائل والأسر تتألم لحالنا, وهناك الكثير من المنازل فتحت أبوابها لنا, لكن صرنا نعطي الأولوية للشباب الصغار, هل تتخيلين أنهم صاروا يطلبون حتى من هم في عمر الخامسة عشرة!! شريفة أعدك حين أحتاج للمساعدة فسألجأ للمخلصين أمثالك ... كوني بخير)


فكرت شريفة كثيرا وسريعا جدا, اذ لا يوجد وقت لتفكر فيه, قد يبتعد فضل عن تويتر سريعا جدا, هل تطلب منه ان يتواصل معها؟ ماذا لو سأل عن اسم صاحبة الرقم وعرف من تكون!! خشيت من ذلك كثيرا, هي لا تريد أكثر من مساعدته, لا يهم أن تكون هي المتصدرة للأمر مباشرة, (كفي عن الأنانية الشاب في وضع حرج) نهرت شريفة أناها الداخلية, التي كانت تلح عليها, لتنقض على فضل انقضاضا لتنهل من جمال روحه.


الأنا امتحان أبتلي به الانسان, ولكي يحتفظ بانسانيته عليه في لحظة ما, أن يصفع أناه ليستدير ضميره نحو قيمه فحسب, وهكذا فعلت شريفة:

(أطلب منك وبإلحاح شديد أن تتواصل معنا لمساعدتك, زهراء ابنة خالي علي تنتظر اتصالك بأي وسيلة لعل هناك ما نتمكن من فعله, وهذا رقم هاتفها وبريدها الالكتروني وكذلك حسابها هنا)

 

لم تنتظر شريفة الرد, مسحت المحادثات من هاتفها, ونامت ملأ جفنيها, لا بد أننا بعون الله أيد شاء الله لها ان تتشرف بمساعدة الآخرين.


أيام معدودات حتى وجدت بهاتفها عدد من المكالمات التي لم تنتبه لها, عشر مكالمات من زهراء ابنة خالها علي!!! لعل فضل تواصل معها إذا, استأذنت من العمل وتوجهت مباشرة لمنزل خالها, وبينما هي تتجه للمنزل أعادت الاتصال بزهراء:


- مالذي حصل لم لا تجيبين هل أنت في المنزل؟
- لا لكني كنت أعمل ولم انتبه للهاتف, زهراء مالذي حصل؟
- لقد اتصل بي صاحبك ...
- لا تكملي أنا قادمة لمنزلكم

بسرعة اختبأت الاثنتان في غرفة زهراء, وأقفلوا عليهما الأبواب:


- بسرعة اخبريني, ماذا قال فضل؟
- أخبرني أنه لم يكن ليتصل لو لا أني ابنة علي.
- كنت أعرف انه لن يتصل الا لمن يعرف, لذلك لم اعطه رقمي
- كنت ذكية يابنة العمة, فضل اليوم يمتلك مكانا يأويه, لكنه يقول أن هناك طفل عمره ستة عشر عاما, بلا مأوى وصار الأمن يطلبه كثيرا, وقد طلب مني أن أجد حلا للطفل.

أطرقت شريفة بحزن:
- ماذا نفعل؟
- لقد تحدثت مع والدي ووافق على استضافته
- حقا؟؟
- نعم ,, الحمدلله


عادت شريفة لمنزلها مرتاحة البال, مشغولة الضمير, تتساءل في أعماقها عن الذنب الذي اقترفه الناس, واستحقوا عليه كل هذه الملاحقات والخوف؟! ازدحم عقلها بالأفكار, وازدحمت مشاعرها بالعواطف, تارة تشعر بالغضب ثم بالحب ثم بالعجز, وتارة تشعر بالكره يملأ جنبات روحها, في أحايين كثيرة كان شقيقها "فهد" يتندر بما يجري في غرف التحقيق, وكم نهرته والدته عن ذلك, لكنه يتلذذ بأنات المعذبين, وبمشاهد الذل التي يعتقد أنه رسمها على وجوههم, بينما يحيطه عشرات من رجال الأمن, ويحمل في يده السلاح!! عن أي ذل يتحدث؟ وهل هناك ذل أكبر من استضعاف انسان وحيد في غرف مغلقة؟! مسكين أنت يافهد, لا بد أن يحل عليك غضب الله يوما!!

هذا اليوم جلست شريفة على مائدة الطعام مشحونة, وكعادة فهد أثقل أسماع الجميع بقصص التعجرف التي يمارسها على المعتقلين, وكالعادة أيضا نهرته والدته, بينما أخفى والده ابتسامة صامتة, هذه المرة لم تتمكن شريفة من السكوت :

- لماذا تجبرنا على الاستماع لتفاهاتك؟
- اغلقي أذنيك, فعرقك الأدنى يستصرخك كلما تحدثنا عنهم.

ثارت ثائرة والدته, واتجهت بالحديث صوب الأب :

- ألن تعلًّم ولدك احترامي على الأقل؟
أسكته الأب على مضض, وانفضت المائدة قبل أن يشرعوا في الأكل, هذه المرة قررت شريفة أن تتحدث مع والدتها, فاستأذنتها للدخول بغرفتها بعد ان تأكدت من رحيل والدها وشقيقها من المنزل:

- ماما أكاد اختنق من الوجع ..

وقبل أن تكمل شريفة حديثها, أجهشت والدتها بالبكاء, لم تكن والدتها جاهلة بمشاعر ابنتها, ولم تكن كتلة من الجليد حتى تنظر لكل ما يتعرض له أبناء بلدها وعائلتها بلا أدنى اكتراث, تفاجأت شريفة بأن والدتها متيقنة من تواصل شريفة بعائلة خالها, طلبت منها أن تخبر خالها رسالة :

- أخبريه أني أموت في اليوم ألف ألف مرة.

صارت عمة شريفة (شيخة) وهي الصديقة المقربة لوالدتها منذ مرحلة الدراسة, تتردد كثيرا على المنزل, حين تكون والدة شريفة مستاءة من أمر ما, كانت هذه العمة هي من تخفف عنها معاناتها, وكثيرا ما نصحتها, بأن تضرب بطلب اخيها "الانقطاع عن أهلها" عرض الحائط, لكن والدة شريفة (زينب) أحبت ولا زالت تحب زوجها كثيرا وأيضا تخشاه, سعدت شريفة لقدوم عمتها فوالدتها مستاءة كثيرا, وقد أجادت شريفة استثمار استياءها لصالحها، وطلبت منها أن تزور خالها والغريب أنها وافقت:
- ماما أنا ذاهبة وأعرف أنك وعمتي خزانة الأسرار أصلا لا تريدوني .. مع السلامة

تبسمت العمة وقالت:

- في رعاية الله ايتها المشاكسة, أنت المزيج الجميل من لطف أمك وحنانها ومن مشاكسة عمتك وجرأتها .. انتبهي للشارع وأعرف أين ستذهبين يا لئيمة.

 بسرعة وضعت شريفة يدها على فم عمتها :
- هش عمتي !!!

 

ثم تذكرت أن المنزل خاو الا منهم, فتناثرت من شافههم ضحكات افتقدتها شريفة منذ مدة



ألتقيكم في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...