ابحث في مدونتي

الأربعاء، 14 يناير 2015

قصتي : حب في نون السياسة (8)

صورة رقم (1)*
أسرعت الفتيات للمنزل، كان عدد من الأهالي متحلقين حوله، تسارعت دقات قلبهن، ترى ما الذي يجري في الداخل؟؟ كانت سيارة الإسعاف متوقفة تماما عند الباب الرئيسي، ترافقها سيارة الدفاع المدني وعدد من سيارات الأمن وعناصر من الشرطة!!
دخلن مسرعات ليتفاجأن بالجميع وقد تجمعوا فوق السطح! ركبن هناك لاستطلاع الخبر، المفاجأة أن الجدة كانت مسجاه على سرير أبيض، بينما السواد يحيطها!!
صرخت زهراء:
- ما هذا الرماد؟ ممَ كل هذا السواد؟
أجابتها والدتها وهي منهارة:
- أمي اضرمت النار في نفسها!
كان في الجدة رمق من حياة، فأسرعوا بحملها لسيارة الإسعاف، حيث نظرت لابنتها وقالت:
- سامحيني وأبلغي علي مني السلام
توفيت الجدة منتحرة، على اثر حالة نفسية شديدة أصابتها، بعد مشاهدتها لفصل من فصول تعذيب علي وحسن أمام ناظريها، لم يراعوا كبر سنها ومرضها، بقيت طوال هذه المدة واجمة لا تصدر عنها اية ردة فعل، ولم تكن تفكر الا في علي " ان كانوا هكذا يضربونهم في حضرتنا فماذا يفعلون بهم في السجن؟"، (صارت مهووسة، تمشي في الشارع، تقف فجأة، ثم تتراجع، وكأنها لا تعرف الطريق، أو لا تعرف إلى أين تذهب)** حاولت ابنتها وحفيداتها أخذها للعلاج النفسي، الا ان أصوات الطلقات التي لا تتوقف في القرية، واقتراب القوات من البيت كثيرا، واستماعها لأصوات ركضهم وبرقياتهم، سبب لها رعبا حاصرها كثيرا، وتسبب لها بحالة من الاكتئاب الشديد، انتهت بالانتحار!!
صار روتين شريفة اليومي، أن تتجه لبيت خالها عصرا، لتشارك في مختلف الفعاليات التي تذهبها بنات خالها، لتعود لمنزلها مساءً صامتة، كثيرا ما حاولت والدتها أن تكسر حالة الجمود التي سيطرت على علاقتهما مؤخرا، الا ان ما اختبرته شريفة في هذه السنة كان كثيرا، كثيرا جدا لتقبل بما كانت تقبله، هذا المساء عاتبتها والدتها:
- لم يعد لي ابنة انها مشغولة جدا عني
- أنا موجودة يا ماما إذا احتجت لأي شيء فقط أشيري له وأنا طوع أمرك
- كفي عن الخروج كل يوم
- أمي ، لم أعد طفلة
- ولأنك لست طفلة تخرجين وتعودين دون علمي بمكانك
- تعرفين أني أقضي وقتي مع أهلك
- وما الذي يقلقني سوى ذلك؟؟
أجابتها شريفة بحدة وبصوت منخفض، فهي لا تريد أن يفلت زمام إحسانها لأمها :
- ماما .. كم مرة اخترت لي طريق حياة انتهى بالفشل؟
- أنا؟
- نعم يا ماما أنت، ألم تجبريني على الزواج من ابن عمي؟؟ وماذا حصل؟ انتهى بالفشل
- كنت اختار لك زوجا قادرا على توفير حياة كريمة
- الحياة الكريمة بمقاييسك يا أمي، تعني منزل فاخر وسيارة فارهة، ونسخة مطابقة لأبي، بينما كانت تعني لي انسان يكملني و أكمله، لنستعين ببعضنا على هذه الحياة.
- لم يسئ لك ابن عمك قط
- لم يحدثني ابن عمي قط، كما وظف بشركته سكرتيرة، وظف ببيته زوجة يضع راتبها آخر الشهر، مدققا في مواعيد دخولها وخروجها من شركته!
- يفترض أن يكون طلاقك سببا لتحذري في خروجك ودخولك، ألا تخشي كلام الناس؟
تبسمت شريفة وبأسى قالت:
- هناك جهة واحدة فقط أراعيها، سواء أكنت مطلقة يا ماما أم لا، وهي (الله) وما دمت لا اغضبه فلن أكترث للقيل والقال، معنى الطلاق أن مشروعا لم ينجح بين اثنين وانتهى، لا يعني أن حياة أحدهما قد انقضت!
هدأت الأم بعد ان لاحظت بعيني ابنتها دموعا، وهمست بحنان:
- صدقيني أنا لا اريد سوى سعادتك
احتضنتها وهمست لها:
- اذا ماما اتركيني أحيا وفق قناعاتي، فحتى الله لا يجبر الانسان على الايمان به، وهو الحق المطلق!
لم تعد تملك هذه الام سوى القبول بشخصية ابنتها، صارت تدرك أن تتابع الأحداث أكسب شريفة تجربة ضخمة أثّرت كثيرا بتوجهاتها وصقلت شخصيتها، اليوم صارت شريفة تعرف ما تريد!
توجهت شريفة لفراشها بعد أن ضبطت المنبه على وقتها المعتاد لتتوجه للعمل، الا أن هاتفها ظل يرن بإلحاح قبل موعد الاستيقاظ، فتحت عينيها بصعوبة لتقرأ اسم زهراء في هاتفها، دق قلبها بقوة، "يا الهي ما الذي حصل في هذا الفجر؟) بسرعة فتحت الهاتف:
- ماذا هنالك يا زهراء؟
- بسرعة تحركي اركبي سيارتك وتعالي للمنزل
- .... ماذا هناك؟
- خالك سيعود بعد قليل ..
قفزت شريفة على سريرها فرحا، "خالي علي أخيرا سيعانق الحرية"، بسرعة لبست ملابسها وخرجت، كانت والدتها تستعد للصلاة، همست بأذنها " لقد أفرج عن أخيك وأنا ذاهبة لمعانقته، هلا تأتين؟"، نظرت لها أمها بدهشة، كيف تحولت هذه الفتاة لهذه الدرجة من الجرأة؟؟ رمقتها بنظرة فتبسمت شريفة "كنت أمازحك ماما" قبلتها على خدها وأشارت لها بيدها مغادرة.
كانت القرية كلها تكتسي بالزينة، منذ مدة وهذه القرى قد غادرها الفرح، حمل الصبية بأيديهم عددا من الأبواق وصاروا يدقون النغمة المعهودة مرارا وتكرارا، وكأن سماء القرية كلها تهتف بذات شعار النغمة، ضحكت شريفة مع الأطفال المحيطين ببيت خالها، فجأة جاءت السيارة التي تحمله، بينما كان يطل من سقفها ملوحا، حمله الشباب على الأكتاف وصارت نساء القرية يزغردن، نزل الحاج علي واحتضن زوجته وبناته، فانتحبت زوجته "كان خروجك لينقذ والدتي من مصيرها" لم يستطع علي أن يوقف دموعه، فقد قتلت نفسها تلك الحنونة التي لطالما رفقت به في شبابه، ورعت زوجته وبناته في غيابه، كان لشريفة نصيبها من العناق، كم تحب هذا الخال، كم صارت متعلقة به، لقد استثمرت غيابه في قراءة كل مقالاته، ولطالما جلست في مكتبته تنتقل من كتاب لآخر، حتى ظنت أنها صارت قادرة على قراءة خالها بسهولة، لم يدخل الحاج علي لبيته إلا بعد أن ذهب لقبر عمته أولا ليقرأ سورة الفاتحة.
جلس الحاج علي في فناء منزله الكبير، يستقبل الأهالي والمعارف الذين جاؤوه من كل البلاد، ومع ارتفاع أذان المغرب قل توافد الناس على المنزل، فاستأذن شاب للدخول عليه، فتحت له الباب زهراء:
- تفضل البابا بانتظارك أيها الأخ.
دخل شاب فارع الطول, حنطي اللون يميل للاسمرار، كان يعتمر قبعة ونظارة شمسية رغم غروب الشمس! لفت منظره كل بنات الحاج علي بما فيهم ابنة اخته، سلم على الجميع ثم احتضن الحاج علي بقوة :
- لم تعرفني أليس كذلك؟
- ذكرني بك يا ولدي .. هل اعرفك؟
- أنا فضل ... فضل صديق حسن يا حاج علي
تسمرت شريفة في مكانها، شعرت أنها تريد أن تلقي بنفسها هناك بالقرب منه، لتصرخ بوجهه "لمَ كل هذه القطيعة!!" لكنها كانت أجبن من ذلك بكثير، ظلت تراقب كيف أعاد خالها احتضان فضل بقوة، وكأن ثمة علاقة وثيقة بينهما!! جذبتها زهراء:
- ما بك؟ لم تسمرت بمكانك هكذا؟
فهمست لها:
- انه فضل
أدارت زهراء رأسها سريعا باتجاهه ..
- فضل ... فضل .. فضلكِ
- فضل ..  فضل .. فضلي
انفجرت زهراء ضاحكة :
- فجرت رأسي بالبحث عنه ثم ببساطة ها هو أمامنا ..
وبلؤم أكملت : ولن تستطيعي محادثته
ضربتها على ذراعها:
- ما رأيك أن اذهب لمحادثة خالي وتذهبين لتطلبي من فضل أن يتواصل معي
- والله؟؟ ما رأيي؟ ارفض
نظرت لها شريفة بتوسل شديد بينما زهراء تهز رأسها رافضة ذلك الطلب.
بعد المغرب هدأت حركة الزوار كثيرا، فجلست الفتيات حول الحاج علي ليسمعن تفاصيل السجن والزنزانة والمعتقل، فسألته زهراء عن هذا الشاب الذي احتضنه بقوة فأجابها:
- انه صديق حسن، آه كم اشتقت لحسن، لقد تركز التحقيق معي حوله، وتمكنت بعون الله من إيصال رسالة له بينما كنت في المعتقل، بأن يغيب تماما وأن يبتعد عن كل أجهزة الاتصال، فقد تعقبوا حسن عبر هذه الأجهزة وخشيت عليه كثيرا
- فلماذا جازف وحضر لهنا؟
- يقول أنه بالإفراج عني صار يشعر بأمان أكثر لكني حذرته طبعا
- خالي ألا يمكننا مساعدته؟
- لا يا عزيزتي لن نتمكن من ذلك فقد كشف أمري ولم يعد بيتي آمنا بعد اعتقالي، لقد أنبته لقدومه هنا أخاف أن يكون المنزل مراقبا فيترصدوه 
عادت شريفة للمنزل، كانت قلقة لكن تسكن خلايا روحها بعض الطمأنينة، انه بخير والحمدلله، لكن عقلها وضميرها وربما قلبها، ما انفك يفكر في السبيل لإنقاذ فضل مما هو فيه، كيف يمكنها ذلك؟ أصلا كيف تتواصل معه حتى تتمكن من مساعدته!
فتحت تويتر كعادتها منذ أشهر لتغرد وتتفاعل وتحكي عن ظلامات هذه الأرض، انتبهت لوجود رسالة خاصة .. ظلت واجمة تفكر :
- أتراها منه؟؟؟
بقلق شديد فتحت شريفة الرسالة:
(اعتذر جدا على التأخير إلا ان خالك علي حذرني تماما من استخدام أي جهاز اتصال كما انه حذرني من التواجد بقربه بأي طريقة كانت فاضطررت لعدم مراسلتك .. أنا آسف يا شريفة كنت افتقد الحديث معك كثيرا، وكم ضعفت في مرات لأشرع في كتابة رسالة لك، لكني في اللحظات الأخيرة أتذكر قَسَمي للحاج علي فأتراجع)
بسرعة شديدة وبينما الدموع تتحادر من عينيها، وكأنها كانت تخشى ان يختفي فضل مجددا ردت عليه:
(لم يعد منزل خالي علي آمن،  لكن خطرت ببالي فكرة جيدة من أجل مساعدتك على الاختباء، صدقني لن تجد وسيلة أكثر أمانا منها فإقبل يا فضل مساعدتي أرجوك)
أجابها:
( لم يعد أمامي الكثير من الخيارات هاتي ما عندك)
لكن قبل أن تجيبه كتب لها :
( يبدو أن الأوان قد فات .. امسحي كل المحادثات بسرعة) ..
لم تعرف شريفة كيف تتصرف؟ هل تسأله ما الذي حصل؟ هل تنتظره؟ اكتفت بتنفيذ ما طلب منها، مسحت كل المحادثات، وصارت كل دقيقة تحدث صفحة التويتر دون أن تجد أي خبر جديد ..
بحزن تمتمت شريفة "يبدو أنه مقدر علي يا فضل أن أكون دائما بعيدة عن مساعدتك"!
ألتقيكم في الحلقة القادمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* صورة رقم (1) تعود للحاجة بدرية احدى ضحايا المداهمات الليلية والتعذيب العلني.
** هذه ليست قصة ابتدعها خيالي، بل هي واقعة حقيقية  اقتبستها لامرأة بحرانية هي الحاجة بدرية تستطيعون الاطلاع عليها عبر الوصلة: 

http://mirrorbh.no-ip.org/news/2767.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...