ابحث في مدونتي

الثلاثاء، 6 يناير 2015

قصتي : حب في نون السياسة (1)

 
هي قصة كتبتها من رحم الثورة، بدأتها في العام 2011 ولم أتمكن من الاستمرار في كتابتها الا اليوم، شخصياتها من الخيال، لكن أوجاعها واقع محض عشته وعشتموه ولا زلنا نعيشه، أحداثها حقيقة مزجتها بخيال لأخرج منها بقصتي، قصتكم، قصة هذا الوطن المثقل بالجراحات والذي أثق أنه لا زال يحتضن الكثير من الحب ..
 
 
المقطع الأول :





كان يسير وسط الحشود، يتنقل من زاوية لأخرى، من خيمة لأخرى، يداعب هذا الشيخ ويمسح على رأس ذلك الصغير، ينحني ليلتقط شيئا أسقطته تلك الفتاة، يتلقف نهاية حوار جمّع من الشباب لينخرط فيه. 
هناك لم يكن أحد غريب، فكل الوجوه الغريبة باتت مألوفة، كل الأصوات تألفها كل الآذان، كل الحناجر باتت معشوقةً من كل الأفراد، جوّ من الألفة والأخوّة كان يسود ذلك المكان، حيث كانت عيناها ترقبه، كل يوم تبحث عنه. 

نصبت خيمتها على زاوية رصيف، مقابل تلك الدائرة الكبيرة الملئ بالخيام، وأمام نخلة رقم خمسة وجدت نفسها تهفو كل يوم لتلتقي ذلك الشاب، بعينين شغوفتين وبقلب نابض، بدقات قلب تتراقص فرحا كلما أقبل، وبتوتر كلما أدبر، حتى الآن هي لا تعرف له اسما، كل ما تعرفه رسم جسد ووجه، ورسم شفاه وابتسامة، ورسم شخص ملائكي عشق لبس ذلك الرداء الأبيض، الذي كُتب عليه “ علمي كفني .. بدمي أفدي وطني"!

إعتادت"شريفة"أن تزور تلك البقعة، منذ أن رأت بأم عينيها سقوط أبناء وطنها صرعى غارقين بدمائهم يومذاك، إذ كانت كعادتها مقيمة في مستشفى البلد المركزي، نتيجة إصابتها بمرض منذ طفولتها، وكانت كعادتها أيضا وفي ساعات الفجر الأولى تنزل برفقة مغذيها لمصلى المستشفى، لتؤدي فريضة الفجر هناك، بعيدا عن سريرها الذي باتت تكره رائحته ولونه، حيث تلتقي الباري وترقب جمع من النسوة بعضهن قلقات على أبناء لهن في غرف العمليات، وأخر مستبشرات بلقاء أول حفيد، فتضحك مع تلك وتأخذها الأحاديث مع هذه، حتى تعود مرة أخرى لسريرها الذي اعتادها واعتادته. 

إلا ذلك الفجر، فقد كان كئيبا مريرا يحكي تفاصيل أوجاع الناس بالدم، نزلت تبحث عن مصلاها إلا أن أصوات الركض والصراخ والعويل أجبرتها على أن تطل برأسها للخارج، إسعافات ومراسلين وكاميرات وأطباء مذهولين وأهل أعياهم البكاء، حالة غريبة لم تعشها ذات الأربع والعشرين ربيعا قط، نسيت أنها جاءت قاصدة المصلى وقذفت بجسدها النحيل لخارج المستشفى، وقفت وسط الحشود الزاحفة تبحث في عيونهم عما جرى، تلتقط من شفاههم الكلمات علها تستطيع جمعها، لتدرك سر تلكم الأوجاع التي تناثرت على أرضية المكان، لكن لا جدوى، فالذهول يسيطر على الجميع. 
دفعت بمغذيها أمامها وسارت بخطى قلقه لداخل مبنى الطوارئ، لم يكن الوضع يختلف كثيرا إلا بمزيد من الدماء، وقفت أمام غرفة الإنعاش في حجرة الانتظار, كانت هناك مجموعة فتيات وأمهات أعياهن الترقب، إحداهن تتحدث عن بنت أختها ذات الأربعة أعوام والتي أُدخلت مختنقة إلى المستشفى، وأخرى غالبتها دموعها وهي تتحدث عن أخيها الذي حُمل على الأكتاف دون أن تعرف ما إصابته، وأخرى تتحدث عن ابنها ذا الثامنة عشر ربيعا والذي اخترقته عدة شظيات، وفتيات جئن مذهولات من موقع الحدث، قلقات على كل الاجساد والارواح، باكيات على تلك الدماء الساكبات. 
كانت مذهولة في عينيها ألف علامة استفهام فشقت حديثهن جميعا بسؤال : من فعل كل ذلك؟!

تفاجأت النسوة، اعتقدن أن الجميع يعرف تفاصيل هذا اليوم، لكن يبدو أن هناك من لم يستوعب تفاصيل هذا الفجر القاسي، نظرت إليها أحدى الفتيات وكانت تقربها سناً، سألتها: أنت ترقدين هنا؟ هزت رأسها بالإيجاب، (إذا لا تدركين ما الذي يجري في الخارج؟)، حركت رأسها نافية اذ لم تكن تقوى على الكلام،  ولم تكن تملك الا البكاء، فتحت فمها :
أنا ..........
لكن فجأة علت الصرخات أمامها، واندفعت كل النسوة لخارج الغرفة، حتى أن بعض الممرضين والممرضات انهاروا على الأرض باكيين، صرخات وعويل وبكاء ودعاء لم يكن بالأحرف بل بلهبات قلوب تحترق .. !

اقتحم أذنها حديث:
- كم؟؟
- يقال إنهم 3 والرابع في الطريق
صرخت امرأة طاعنة في السن ::
- السلام عليك يا سيدتي زينب، من صبرك القي علينا صبرا، حسبنا الله ونعم الوكيل، حتى الخيام سيدتي حرقوها ...!!

فجأة انتبهت شريفة لساعة الحائط المعلقة، ستشرق الشمس قريبا وهي لم تؤدي فريضة الفجر بعد! خرجت بذهول أكبر مما دخلت به، توجهت لمصلاها، وقفت أمام الله .. وانتحبت!



أنهت صلاتها وأسندت رأسها للجدار، كان المكان مكتظا بالنساء ثم بدأ يقل تدريجيا، إلا من امرأة جلست بكبرياء، وفي عينيها دموع توجهت بها لله بجلد غريب، شريفة المنهكة بادرتها بالسؤال: 
- سيدتي بالله عليك .. ماذا حصل؟
نظرت إليها السيدة بحزن شديد، أغرق قلب شريفة في أضلعها .. أجابتها: 
- لقد هاجموا الدوار، الكثير من الجرحى هناك يأنون، بعضهم نقل للمستشفيات، والبعض مُنع عنهم الناس والممرضين، انهم هناك تحت رحمة الله! 

- الدوار؟؟ هوجم؟؟ .. تمتمت شريفة

كان لغزا لم تفهمه بعد، ربتت على كتف المرأة وقالت : 
- جبر الله قلبكم سيدتي. 


 

 
 
يتبع في الحلقة القادمة .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...