ابحث في مدونتي

الخميس، 22 يناير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (14)

 
 
رن هاتف الحاج علي، انها زهراء باكية:
- بابا لقد قتلوا .........
أجابها الحاج علي:
- اهدئي زهراء لا أكاد أسمع صوتك
- لقد قتلوا شابا يقضي حكما بالسجن عشر سنوات أتم منهم سبعا!!!!
- لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
- ضربوا الشباب يا والدي وقد نقل بعضهم للمستشفى لكن بعد جهد جهيد وحسن أحدهم!
 
اطمأن فضل على حسن، وغشيه الحزن لمقتل الشاب المظلوم، منذ فجر الخليقة ونحن نعيش ثنائية الظالم والمظلوم، ليس لأن هناك بشرا لا يعلمون بظلمهم، لكن لأن بيننا بشر يفتقدون للشعور، يفتقدون الشعور بإنسانيتهم، يفتقدون الشعور بالتعاطف مع أبناء جنسهم، يفتقدون الشعور بالمسؤولية تجاه البشرية، يفتقدون الشعور بقدرة الله التي لا بد أن تنتقم من الظالمين يوما.
 
هذه المرة لم يخرج الحاج علي من عند فضل، الا بعد أن أسرّ له بما في نفسه، حوار جاد دار بين الرجلان حول المسؤولية تجاه التغيير ووسائله، هل حقا يحتاج الوطن لتغيير؟ أم أن مكونات هذا المجتمع أيضا تفتقد للتغيير؟ ان كنا مجتمعا جاهلا فهل نحتاج لبناء مدرسي فحسب؟ أم نحتاج لتقدير قيمة العلم الذاتية، وكفاءات بشرية تعزز تلك القيمة، فيكون العلم عند الانسان هدف ووسيلة؟ لا مجرد طريق لأمر آني تزول قيمة العلم بزواله!
 
هل تنتزع الحقوق عبر الشعارات فحسب؟ أم عبر بناء مجتمع قوي يحترمه الأقوياء من باب أولى؟ هل تنتزع الحقوق فقط عبر مد الأيادي وأخذها عنوة ممن اغتصبها مع ضعفها، فان كان أقوى مزق أصابعنا وقطع أوتار كفنا لأنا تجرأنا ومددناها؟ أم أنا قادرون على إعطاء الغاصب ظهرنا، ثم زراعة بذرة نسقيها ونرعاها وشيئا فشيئا تكبر لتعطينا الظل والثمر، رغما عن الغاصبين؟!
 
ذبذبات حماس امتلأت بها خلايا فضل، ايمان بإمكانية البناء بعيدا عمن يقتنص الفرص لوأد أنفاسنا ونحن أحياء، جعلته فجأة يفكر بشكل مختلف، "لم لا نكون الأمة المستهدفة التي انتقلت من أدنى مستويات ضعفها لأعلى مراتب القوة؟ دون خوف ودون استنزاف!" تساءل فضل في عقله، وأجاب نفسه "نعم نحن نحتاج لجبهتان تعملان، واحدة بمركز الامة لا يستشعر عدو عمليات البناء والتعمير فيها، وجبهة خارجية ندفع بها عمليات التخريب والتشويش، حتى يكون لنا يوما مركزا قويا، فيخشى أي أحد أن يستفز جزيء صغير تنتقل ذبذبات استفزازه لعمقنا!" قفز فضل عاليا وهو يردد هذه العبارة، وأمسك قلمه وبدأ يَفرِد على ورقه عقله.
 
بكل قوة اندفعت زهراء لداخل غرفة زوجها المحاطة بخفافيش الظلام، وقف أمامها أحدهم ليمنعها لكنها برباطة جأش وبكل ثقة خاطبته:
- زوجي مسجى بالداخل بعد أن ضربتموه وأحتاج لأطمئن عليه
- ممنوع
- ممنوع بناءً على أي قانون؟ هل من الممكن أن تذكّرني بالتشريع القانوني الذي تستند عليه أيها السيد؟
نظر اليها نظرة فاحصة، وسألها:
- هل انت محامية؟
- نعم محامية عن حقي في الاطمئنان على زوجي.
انتفضت أوداجه غضبا، وكاد أن يطردها لو لا أن أشار اليه صاحبه:
- دعها
 
دخلت زهراء الغرفة على حسن، كان ممددا على السرير الأبيض، مغمض العينين وقد لُف رأسه بإهمال، ووُضعت يده في جبيرة، مدت زهراء يدها نحو كتف زوجها وهزته بهدوء:
- حسن
فتح الشاب عينيه متفاجئا:
- دخلت بعلمهم أو ...
- تجادلت معهم حتى أدخلوني
- ومن سواك قادر على ذلك؟ قالها حسن فخورا ومبتسما فأجابته زهراء:
- أنا بحاجة للاطمئنان عليك هذا ليس ترفا
تبسم لزوجته وطلب منها الجلوس قريبا منه، جلست لكن شيئا قريبا من زوجها أزعجها فالتفت، كان القيد بكف زوجها يصله بسريره، فدمعت عينا زهراء، خاطبها ملاطفا:
- ألم أخبرك أننا فريديَن من نوعنا، فصالة زواجنا محكمة، ومكان اللقاء الأول سرير مستشفى وقيد؟
- بدأت أصدق ذلك
انفجرا ضاحكين :
- تخيلتِ هذا الزواج؟
- وهل يتمكن الخيال من تصوير مشاهد رومانسية كهذه ...؟!
دمعت عينا الشابين وهما يضحكان من وجعهما. هل يظن أحد أنه قادر على كسر روحين كهاتين؟ طائران يحلقان في سماء بعيدة لينظرا لعشهما الصغير الذي ما وضعا به عودَة، وكأنه قصر فاخر عجزت العفاريت عن بناء مثله؟!
قبل أن تخرج زهراء من عنده، حدثها حديثا جادا جدا، وطلب منها أن تكتمه تماما، ومن أحرص منها على ذلك؟! أثناء خروجها خاطبتهم قائلة:
- انه يتألم وأتصور أن ابعاد القيد عن كفه أمرا إنسانيا
 
اجتمع الحاج علي مع زهراء وشريفة، هذه المرة صار يعمل كالنحلة، لن تهدأ الا بعد أن تكمل بناء خليتها، ذات النقاش المفعم بالأمل الذي خاضه مع فضل، خاضه هذه المرة مع السيدتَين، طالبا من زهراء مفاتحة حسن بالأمر، اعترضت شريفة:
- عفوا خالي، أقدر كثيرا ثقتك بي، لكن كيف لي أن اكتب وماذا سأكتب؟ أنا لا أمتلك ما تمتلكه انت من فكر، ولا ما تمتلكه زهراء من صلابة، ولا ما يمتلكه حسن من صبر، ولا ما يمتلكه فضل من إرادة، أنا أقل من ذلك بكثير
- ألا تعرفين ما تمتلكين؟
- ......
- تمتلكين حسا إنسانيا راقيا، تمتلكين قوة ايمان تمنع تسلط الجبابرة من حولك، تمكنتِ وأنت بعمق القذارة من التشبث بالطهارة، أتظنين أن القوة والفكر والإرادة، تكتمل دون حس انساني؟ نحن نحتاجك وكذلك أنت بحاجة لهذا العمل، اصقلِ قوتك وقوِّ ارادتك وأمدّي الآخرين بهذا الحس.
- لا يمكنني ذلك يا خالي، سيقتنصني فهد ولا استبعد أن يقذفني بإحدى غرف التحقيق!
 
أي مشروع ناجح لا بد أن يأخذ بالاعتبار كل الظروف الموضوعية المحيطة به، ليعزز جوانب القوة ويقضي على جوانب الضعف، لا يمكن أن يغفل رجل كالحاج علي عن ذلك، لذلك تريث قليلا، وفكر كثيرا حتى اهتدى لحقيقة؛ انهم بحاجة لعمل يحمل شيئا من السرية، وان بشكل جزئي، فلا بد أن حسن وفضل أيضا غير قادرين على التصريح بنشاطهما، الحل اذا أسماء مستعارة لهما ولشريفة، لكنها ظلت مترددة جدا، ووعدت خالها بالتفكير في الأمر.
 
يعرف فضل تماما أهداف مشروع الحاج علي، ويعرف أيضا سبب إصراره على وجود شريفة معهم، انها غرس مثمر قد يؤدي اهماله لموته، قرر ألا يتفرج على جهود الحاج علي فحسب، لا بد أن يكون فاعلا. حمل هاتفه وحدثه عبر برنامج (الوتسب) طالبا رقم شريفة!
انتبهت لهاتفها، رقم غير مسجل يبعث لها رسالة، أهملتها واكملت عملها، وحين انتهت منه، فتحت المحادثة:
- السلام عليكم ورحمة الله، أنا (..) وأرجو منك أن تحتفظي بهذا الرقم باسم احدى صديقاتك، ثم أحتاج لمحادثتك، مع مراعاة حذف كل حواراتنا بشكل روتيني، تحياتي
 
لم تصدق شريفة ما تراه عيناها، "ما الذي ذكّر فضل بي؟ وهل يعقل أنه نساني؟ وبماذا أجيبه؟ بأي صفة؟ حتى متى؟ ولماذا؟" تساؤلات عديدة اقتحمت قلبها المجروح، لقد أهملها كل هذه المدة، يدرك فضل تماما أنها صارت تعيش وهي تلاحق أخباره، وتسهر الليالي قلقا عليه، وحين آمن على نفسه، أهملها!!
 
حين يشعر الانسان أن التسبب بإيلامه، أمر غاية في البساطة عند من يهتم لهم، فمن الطبيعي جدا أن يقسوا عليهم!
انهمرت دموعها على خديها، حذفت الرسالة ومع حذفها لها فقدت الرقم!! ساعة واحدة من حذفها للرقم وشعرت بالندم! "ماذا فعلت؟! أيعقل أن يرمي ظمآنا الماء من يديه!!!"، كادت شريفة أن ترفع يديها لتلطم رأسها، لكن بعمق قلبها المجروح كانت تسمع تصفيقا وتصفيرا، انه جرحها يحرضها على القسوة!
 
 
 
كانت زهراء غارقة في نومها، حين سمعت أصواتا غريبة عند أذنيها، فتحت عيناها لتتفاجأ بملثمين مسلحين، يملؤون غرفتها، صرخت مذعورة:
- ماذا تفعلون بغرفتي، ألا تخجلون؟
كان والدها مكبل عند باب غرفتها، طردتهم منها ولبست عباءتها وخرجت:
- ماذا هنالك؟ ما الذي يحصل؟
خاطبها أحدهم من خلف لثامه:
- نريدك أنت ووالدك للتحقيق
- لماذا؟
- ستعرفين هناك، نحن مجرد منفذين للأوامر ولا نعرف أسباب استدعائك
- وأين من المفترض أن آتي لكم؟
- لن تأتين لنا، نحن من سنأخذك والآن
 
 
 
عادت الذاكرة بزهراء للاقتحام الأول، حين ساقوا زوجها وأبيها بعد ضربهما بقسوة، تفرست لثام المنتشرين بالبيت، كانت تتفحصهم لعلها ترى فهدا بينهم، لكنها لم تتمكن من ذلك، كانت والدتها تبكي، لقد تذكرت أمها التي قتلها الاقتحام وقسوة المقتحمين، الذين لم يكتفوا بسلبها روح تلك المرأة الطيبة، بل عادوا اليوم ليسلبوها زوجها وابنتها! خاطبتهم قائلة:
- ها هو علي معكم خذوه واذهبوا، ما لكم وزهراء؟ انها شابة صغيرة لا شأن لها ولكم
لم يردوا على كلامها، تمت مصادرة هواتف كل أفراد العائلة، وكان التفتيش غاية في الدقة، لم يتركوا خزانة ولا سطحا، وكان حضورهم برفقة سيارة تتبع الاتصالات، وتحت حماية أو مراقبة مروحية! طلبت زهراء منهم أن تحتضن أمها قبل ذهابها معهم، احتضنتها وهمست لها:
- أجد أنك تخليت عن علي من أجل زهراء؟ أخيرا يا ماما فضلتني على ابي؟
- لا اقوى على المزاح الان يا زهراء
- اذا استعدي حين أعود
بكت الوالدة بحرقة، وتبسمت زهراء بصدق:
- لا تخشي على يا أماه سأعود قريبا ببركة دعاءك
 
هل يعقل أن تصبر أم على مشاهدة ابنتها، وهي تقاد بين رجال غلاظ لمصير مجهول؟ لقد استحضرت كل مشاهد البشاعة التي قرأتها حول اعتقال النساء وتعذيبهن بهذا البلد، سألت نفسها مرارا:
- ترى ماذا فعلت زهراء لتستحق أن يقتحموا الديار فجرا ليجروها مع والدها لتلك الطوامير الموحشة؟؟!
 
ألتقيكم في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...