ابحث في مدونتي

الثلاثاء، 13 يناير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (7)

 
صورة رقم (1)
 
 
صرخت شريفة بصوت عالي
- بسم الله الرحمن الرحيم ماهذا؟ مالذي يحصل؟
ضحكن عليها بنات خالها:
- هدئي من روعك، إنها أصوات الحياة في هذه القرية.
كانت الأصوات تهدأ قليلا لتعود بشكل قوي، تتتابع أحيانا حتى تقفز من شدة خوفها، ثم بدأت رائحة خانقة بإحاطة الفتيات، ليبدأن في السعال، فجأة تذكرت زهراء أن هذه الرائحة من الممكن أن تقتل ابنة عمتها، بسرعة احتضنتها ووضعت على فمها كمامة بينما كانت تجرها لداخل المنزل.
ضحكت على نفسها هازئة منها، "إنها أصوات الخوف التي إعتادها أطفال هذه القرى قبل كبارها، لقد أرعبتكِ يا شريفة لأنكِ تقضين وقتكِ في بيت هادئ، تكاد لا تتسرب إليه رائحة قمامة، فضلا عن رائحة القنابل المسيلة للدموع، للأجنة والرجال والنساء، الذين سلبتهم هذه الغازات أنفاسهم حق ليستسلموا لها، إنها كأفعى أحكمت بجسدها على رقبة انسان حتى لفظ أنفاسه الأخيرة!)
هدأت الأصوات، توقفت التكبيرات وكذلك توقفت أصوات الطلقات، أصابتها سرعة الرد على التكبيرات بالطلقات بالدهشة!
ماذا لو شاهدت بأم عينيها إذا، كيف سلبت الطلقات ووحشية المطلقين، حياة انسان كان يكبر!! يكبر فحسب!! لله در الشهيد هاني عبدالعزيز، كان يتوجع مثلكِ وأكثر، ويبحث عن راحة بين صيحات التكبير، فوهبه الله الراحة الكبرى، شهادة سيتذكرها توأماه مدى الحياة، يقصان للأجيال عن قاتل مجرم دمه في غاية البرودة، يقف في اليوم مكبرا خمس مرات، قتل هاني مستكثرا تكبيره للمرة السادسة!!
 
 
صورة رقم (2)
 
تأخر الوقت واقتربت الساعة، لا بد لهذه المسكينة أن تعود لبيتها، ذلك البيت الذي يملأه الجليد، بدأت تستعد للعودة لكنها انتبهت لزوجة خالها، وهي تحرك يديها سعيدة، بينما تتحدث في الهاتف:
- نحن بخير ياعلي أرجوك أخبرني أين أنت..
ثوان وغادرتها البسمة، تحلقت حولها الفتيات بما فيهم شريفة:
- ماذا قال لك البابا؟
- لا شئ سوى أنه بخير وربما ينقل للنيابة العامة اليوم أو غدا
حمدت الفتيات الله كثيرا، فأن ينتقل انسان في هذه البلاد، من العدم لزنزانة، تعني ببساطة أن الله قد وهبه عمرا جديدا، لكن لا زالت الأخبار منقطعة عن الشاب حسن جواد، إمتلأ المنزل بالدعاء، كل ما أراده أهل هذا البيت، أن يكون هذا الشاب بخير، بينما شملت شريفة في دعاءها فضل الغائب الذي لا ينسى!
عادت شريفة للمنزل، بينما قلبها الممتلئ بالوجع يغلي غضبا، كيف تقبل أن تستظل بظلٍ واحد مع انسان كفهد؟ كيف تغفر له وقاحته بهتك حرمة دار خالها؟ كيف تتغاضى عن ضربه له، وهو الرجل الكبير ذو الوقار؟ وكيف تواصل أمها جريمة الصمت على فظاعاته؟؟
بمجرد أن فتحت باب البيت، كان هو بوجهها مباشرة، أسنانه تلمع بين شفتيه ببسمة لئيمة، اقترب منها هازئا، هذه المرة لن تكون هي تلك الفتاة المسكينة التي يهزأ منها شقيقها، لأنها تشبه أهلهم الذين يتبرأ منهم، ولن تقبل أن تكون تلك المطلقة التي يعايرها شقيقها وكأنها أجرمت ذنبا لا يغتفر، لاحظت والدتها من بعيد وهي تتصفح القرآن الكريم فرفعت صوتها، وهي تنظر بغضب لشقيقها:
- ماما .. هل قرأت في قرآنك قوله (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا
رفعت الأم بصرها نحو ابنيها، فتيقنت أن ثمة معركة على الأبواب، أسرعت نحوهما :
- مالذي يحصل هنا؟
- أجيبي سؤالي ماما هل تراك قرأت هذه السورة يوما؟
تحيرت الأم، هل حقا تريد منها شريفة اجابة أم أنها ترمي لشئ ما؟
- طبعا قرأت
- اذا علمي طفلك المدلل هذا معنى القاعدة القرآنية التي قرأتِها
بسرعة رفع فهد يده، ووضع اصبعه على رأس شقيقته:
- بإمكاني أن أكسر رأسكِ فكفي عن التعجرف
- أكف أنا عن ماذا؟ وهل تركت لأحد تعجرفا؟ لقد نفذت الكمية بعد أن حُقنت بدمك.
ساد الصمت بضع لحظات، يبدو أن الإثنين متفاجئان جدا من شريفة التي تقف أمامهما مباشرة، حتى كادا يسألان بعضهما عنها! توجهت الأم بالكلام نحوها:
- ماذا دهاكِ ياشريفة؟ تأدبي وأنت تتحدثين بحضرت أمك
- وفي غيابك يا ماما؟ هل نتأدب أم مسموح لنا أن نهتك حرمات البيوت، وأن نعتدي على أصحابها كما يفعل ابنك
- ابني يمارس عمله فلا تشيطنيه بإلباس حديثك لباس الدين
- وعمله أن يدخل منزل شقيقك ويجره من شعره ويرطم رأسه في الجدار!!!!
نظرت الأم نحو ولدها غاضبة:
- هل حقا فعلت؟؟
بلا اكتراث أجابها:
- ومنذ متى تعلم ابنتك بأخبار هذا المخرب؟
- أجب سؤالي يافهد؟ هل فعلت ذلك؟
- للتو أخبرتِ ابنتك أني كنت أمارس عملي
- لقد وعدتني بعدم الإقتراب من أهلي
تمتمت شريفة بقهر:
- هل المشكلة الوحيدة أنه دخل منزل أهلك؟؟ لا بأس إذا أن يدخل منازل الآخرين يا أمي؟؟؟
بكت شريفة بحرقة:
- هل تعرفين أن الناس تقول أنكِ صعنتِ وحشا ياماما؟
رفع فهد كفه عاليا ليُوقعها على خد أخته، إلا أنّ كف والدته نحو خده كان الأسرع، زمّجر وتوعّد وهدّد وكسّر محتويات البيت ثم دلف لخارج المنزل
لم تتحدث شريفة مع أمها، كان يكفيها ما جرى، أحكمت إقفال غرفتها عليها، وتركت أمها تغوص في أمواج التناقض الذي تحياه، بينما فتحت تويتر، وصارت تغرد عن خالها علي، لقد تفاجأت بحجم التفاعل من الناس مع قضيته، وطبعا لم تترك تويتر إلا بعد خطّت لفضل رسالة:
(لا زلت أقف لله كل يوم، أناجيه باسمك، أسأله أن تكون بخير فقط، لقد اعتقلوا خالي وحسن وصاروا يطلبونك، فضل أنا بحاجة ماسة للحديث معك، يكاد عقلي يجن، وتكاد روحي تلفظ أنفاسها الأخيرة، لو علمت يا فضل كيف تعيش شريفة؟ آه لو علمت من شريفة؟ آه يا فضل آه من هذه الدنيا القاسية، فقط أريد أن أُذكرك بأمر، أنا قادرة جدا على حمايتك واخفاءك، فأرجوك أرجوك تواصل معي أو مع زهراء أستحلفك بالله وبكل ما تحيا من أجله في هذه الحياة)
 
لم تتمكن الأم من النوم، انتظرت زوجها حتى عاد:
- طلبتُ منك أن لا تدخل فهد السلك العسكري
- ماذا جرى يا زينب؟ فهد يعمل منذ ست سنوات ما لذي يدعوكِ لهذا الحوار الآن؟
- ابنكَ هو من داهم منزل شقيقي واعتدى عليه بالضرب قبل أن يعتقله
- أخيك يمارس أعمال خارج القانون، ووظيفة ابنك تقتضي حمايته، عليكِ أن تفخري بابنك
- وهل حماية القانون يعني أن نعتدي على البيوت وساكنيها؟؟
- حبيبتي طلبتُ منكِ مرارًا أن تبتعدي عن هذه الأمور، هل تعجبك حالة الطوارئ التي تعيشينها؟ أنظري لنفسك في المرآة أين جمال زينب الذي أذهلني؟؟
أغمضت عيناها وزفرت، تعرف أن النقاش مع زوجها مآله لأمران لا ثالث لهما، إما كما انتهى حوار اليوم لأن مزاجه هادئ، وإلا سينتهي كما انتهى مع فهد بتكسير محتويات المنزل، وفي الحالتين تكون هي الخاسرة!
 
انتهت شريفة من عملها مبكرا، واستأذنت للخروج متجهة لمنزل خالها، وذلك للاطمئنان على عمته التي ساءت حالتها كثيرا بعد مشهد اعتقاله، لقد أحيل خالها للتوقيف على ذمة قضية تستر، بينما نقل الشاب حسن للسجن، بعد وجبات تعذيب دسمة تناقلت تفاصيلها الشبكات الإخبارية الشعبية، ليقضي فترة حكمه الظالم، خمسة عشر عاما بتهمة ملّ الناس تكرارها، شروع في قتل رجال الأمن، مضافا لها عدد من التهم التي يستطيع أصغر طفل، في أصغر قرية من ترديدها، قبل أن تحرك السيارة تملكها شعور ملح بإلقاء نظرة على هاتفها، لا زال الأمل يسكن قلبها، مادامت قوائم المعتقلين خالية من اسم فضل، فلا بد أن يتواصل معها يوما.
وصلت لبيت خالها قبل موعد الغذاء بقليل، تناولت معهن طعامها وقد تمكنت من محادثة خالها الذي صادف وجودها اتصاله، لقد كان متماسكا قويا كعادته، همست له "اعذرني يا خالي فنحن لا نختار أشقاءنا" ضحك معها ممازحا "ربما أشكره لأنه تسبب بلقائي مجموعة من أحبة طال بي فراقهم، لا تربطي نفسك به، انت شريفة وهو فهد، وشريفة ليست ولن تكون فهد يوما".
 
بعد فترة جاءتهن أصوات التكبيرات من الخارج، وصارت القرية تصدح بالشعارات، إنها المسيرة اليومية التي تعوّد الأهالي على تسييرها، استعدت الفتيات للحاق بها، هذه المرة شريفة أيضا استعدت لكن قبلهن، أحضرت علمها من سيارتها، وغطت نصف وجهها، ولبست حذاءها الرياضي، نظرت إليها زهراء نظرة لا تفهمها إلا شريفة، فاقتربت من أذنها وهمست:
- هذه المرة أنا ذاهبة يا ابنة خالي، إما أن ترافقيني يحمينا الله، والا أذهب دونكِ ووليي الله، أنتِ من تختارين.
نظرت إليها زهراء بفخر، لم تنبس ببنت شفة، فقط اكتفت باحتضان ذراع ابنة عمتها وتوجها مباشرة نحو المسيرة.
كانت شريفة تستشعر أمرا لم تجربه يوما، قد يكون اسمه الحرية، تلك التي كاد الناس يلمسون جوهرها بميدانهم الذي سلبوه قسرا، ربما .. فحين تكون مسلوب الإرادة، خاضع حتى كأنك جسد بلا ذراعان يعملان، ولا رجلان تتنقلان حينها فإطلاق بضع كلمات من حنجرة مخنوقة تتحدى بها الطاغوت، هو هو ممارسة الحرية بطعمها اللذيذ.
بينما كانتا تسيران بترقب، تنتظران اللحظة التي يعرفها الجميع، حين تنقضّ وحوش بشرية تحت مسمى تنفيذ القانون، لتعتقل من تعتقل وتجرح من تجرح، سمع الجميع أصوات سيارة الإسعاف، صَمَتَ الصوت من السماعات الصادحة، وساد صمت مخيف أجواء القرية، كلٌ كان يتساءل ما لذي يجري؟ حتى جاءت الأخت الصغرى لزهراء باكية "أسرعي يا زهراء أسرعي في بيتنا كارثة"!!
 
ألتقيكم في الحلقة القادمة ...
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* صورة رقم 1 : تشرفت بالتقاطها شخصيا في احدى مسيرات العودة للميدان بمنطقة الديه.
* صورة رقم (2) : اعتذر لبشاعة الفعل في الصورة لكنها صورة حقيقية للشهيد هاني عبد العزيز الذي استشهد برصاص الشوزن بعد ملاحقته من قبل رجال الأمن التابعين للنظام بسبب ارتفاع صيحات التكبير في قريته البلاد القديم في مارس عام 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...