ابحث في مدونتي

الأربعاء، 21 يناير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (13)

رن هاتف زهراء:
- السلام عليكم
- عليكم السلام زوجتي العزيزة
- حسن!!
تورّد وجه زهراء، وانسحبت لغرفتها أمام ضحك والديها ومزاح شقيقاتها:
- مبارك زواجنا وآسف جدا، لم أكن أنوي أن تكون المحكمة صالة زواجنا
- أنا لست آسفة
- أعرف انك فتاة فريدة من نوعها، وأهنأ نفسي بك
- أرجو أن أكون عند حسن ظنك.
- وأرجو أن اكون زوجا جديرا بك.
- ستكون ان شاء الله.
- سأتركك الآن لكن ادعي الله أن يتحقق ما افكر فيه وسأتصل بك لاحقا
- قضي الله كل حاجاتك و ..... مبارك زواجنا.
تركت زهراء الهاتف، وأغضمت عينيها سعيدة مخاطبة الله:
- يا رب لا اريده سوى أن يكون لي الزوج الذي ترضاه لكل مؤمنة، اللهم اربط على قلبه بالصبر، وأبعد عنه السوء انك على كل شئ قدير.
رفعت السماعة مجددا محدثة شريفة:
- أين أنت؟ منذ يوم أمس لم اسمع منك حرفا؟ هل تشعرين بالتعب؟
- لا يا زهراء
- ما بك يا شريفة؟
- أشعر بالحزن
- انتظر منك أن تدعيني على فنجان قهوة بمكان راق بمناسبة عقد قراني، ما رأيك؟
- الله الله وأنا من ستدفع طبعا
- طبعا
- أمري لله كوني جاهزة
جلست الفتاتان على منضدة دائرية ذات كرسيان، في زاوية مفتوحة الفضاء، تطل على الشارع الرئيسي وأمامهما فنجاني قهوة وقطعتي كعك، كانت شريفة كعادتها مؤخرا صامتة تعلو شفتيها ابتسامة غريبة، ظلت زهراء تتفرس وجه ابنة عمتها، قسماته ملئى بالمشاعر، لكنها اختارت الصمت رفيقا، بادرتها زهراء بحنان:
- يبدو أنك وقعت في المحظور
تنهدت شريفة، واختفت من شفتيها الابتسامة، ودون أن ترفع بصرها نحو زهراء أجابت:
- أي محظور تقصدين؟
- فضل
لحظات من الصمت سادت، لمعت عينا شريفة، ربما كانت تغالبها الدموع، غريب هذا الانسان كيف يحترف ايلام نفسه! تنفست بصعوبة بالغة، ثم طلبت من زهراء أن تغير الموضوع، وهو ما اثار استغرابها بشدة:
- لأول مرة تطلبين أن أغير موضوعا عن فضل!! شريفة هل هناك مكروه؟ هل ...... ، هل أفصحت لفضل بما يجول بقلبك؟
- لا ولن أفعل ذلك، لست بلهاء وما يربطني بفضل ليست مشاعر يا زهراء.
- اهدئي أرجوك واخبريني، ما بك حبيبتي؟
- فضل بالنسبة لي حالة انسانية راقية، مقياس صرت اقيس عليه انسانيتي وانسانية من يحيطني، حتى علاقتي بالله وبنبيه وأهل بيته صارت أكثر وعيا، أنا أتألم يا زهراء لأني أشعر بالضياع، رغم أن الله فتح لي على يد فضل سبلا كثيرة، أنا مستاءة من نفسي كثيرا، لا أريد أن أتعلق به بينما ..
- بينما ماذا؟
- بينما يعيش ظروف انسانية عصيبة، لا وقت لديه ليفكر بالتواصل معي، وان فكر بذلك فلا يمكنه أن يفعل، وان أمكنه أن يفعل فمن الغباء أن يتصل بواحدة لها شقيق كما لي
أدركت زهراء وجع هذه الانسانة، في السابق كانت تظنها مجرد تافهه، تعيش بلا أهداف ولا رؤى، لتكشف لها الأيام عن قلب نابض بالحب، وعن عقل مستعد للتعلم، وعن ضمير حي لم يقتله كذب، خطوات عملاقة قفزتها هذه الفتاة، لكنها لم تفقدها توازنها بل أكسبتها ادراكا، لا تملك زهراء حلا سحريا لشريفة، ولا يمكنها أن تكذب عليها، ولا أن توهمها، ان شريفة تسير بالاتجاه الصحيح، هكذا عليها أن تفكر، إبعاد فضل عن مخيلتها:
- بصراحة أنا أتفق معك فيما تذهبين اليه، قد تتعبين اليوم لكنك سترتاحين غدا، فضل يعيش مصيرا مجهولا، وأنت لا تعرفين كيف ينظر لك حقا، لا تنتظريه يا شريفة، تمسكي بما تعتقدين أنك اكتسبته منه، وامضي للأمام أنا واثقة أن خطاك اليوم أقوى من الأمس وستكون أقوى غدا ان شاء الله.
في قرارة نفسها، ما كانت هذه الكلمات التي صدرت من زهراء مبتغاها، كانت ترجو أن تحرضها على التمسك بالأمل، وعلى انتظار فضل، خصوصا بعد قصتها مع حسن، ما الفرق بين حسن وفضل؟ لا شي!! لكن هناك فرق حتما بين زهراء وشريفة!!
الأيام تمضي صعبة جدا على فضل، لقد طالت الاسابيع وهو يعيش بين أربع جدران، يقيم الصلاة ويتلو الدعاء، يقرأ ويكتب أحيانا، يشاهد التلفاز ومؤخرا يغرّد، اختار لنفسه اسما جديدا وصار من خلاله يبث شيئا من لواعج قلبه وشيئا من أفكاره، اليوم داهمت عقله فكرة. فتح عالم التغريد واختار زر التسجيل، كتب له اسما جديدا أيضا (......)، لا يمكن أن يكتشف أحدا ان كان الاسم المستعار هذا لرجل أو امرأة، ضغط زر متابعة شريفة، وأرسل لها تغريدة : عفوا اختي هل من الممكن أن أطلب متابعتك للضرورة؟
بمجرد أن وصلت التغريدة لشريفة، قبلت تلك الدعوة بحماس، ودخلت للرسائل الخاصة وأرسلت للحساب الجديد :
( السلام عليكم، عفوا لقد طلبتم اضافتي ويبدو أن هناك أمرا)
وصارت أعصابها تغلي على نار الانتظار، يبدو أنها تظنه حساب لفضل! جاءها الرد بعد حين:
( وعليكم السلام، بصراحة أنا مشترك جديد بهذا البرنامج، وصدفة وجدت اسمك وبدأت أقرأ تغريداتك، رغم قلتها الا انها لفتت نظري، واستثارت لدي بعض الاسئلة)
لم تجب شريفة على الرسالة، تحولت كل سعادتها وحماسها لكتلة من عدم الاكتراث، تركت هاتفها بعيدا عنها، لقد صارت تكره هذا الجهاز، فهو يخبرها كل حين أن فضل نسيها!
أدرك فضل أن تأخر شريفة سببه عدم الاهتمام، ففكر كيف يستثيرها، أعاد ارسال رسالة:
( يبدو أنك والمغرد ...... تتشابهان في بعض الافكار، لقد ارسلت له طلبا للاجابة على بعض اسئلتي كذلك)
وقعت شريفة في الفخ، بمجرد أن ذكر لها حساب فضل على تويتر، تبددت كتلة عدم الاكتراث من حولها، واندفعت من جديد مجيبة:
( أرجوا أن يرد عليك الاخ صاحب الحساب، وسأحاول قدر الامكان اجابتك لكن لا بد أن تخبرني ان تطابقت اجابتي معه او كنت مختلفة عنه، أنا ايضا يهمني رأيه)
تبسم فضل بأريحية وكتب: ( الاخت العزيزة، لقد عبّرتِ في احدى تغريداتك عن استيائك من انتهاكات حقوق الانسان في بلدك، فهل تعتقدين أن مجرد توقفها سيشعرك بالسعادة؟)
شريفة: (بالطبع سيسعدني أن تحقن الدماء، وان تصان الكرامات، لكن ما أعرفه أن هؤلاء الناس يدفعون ثمنا غاليا يريدون به انتزاع حق سلبوه منذ سنوات طويلة جدا، ولا اعتقد أنهم سيقبلون بأقل من ذلك)
فضل: (أعرف ما يريده الناس لكن بودي أن اعرف ما تريدينه أنت؟)
شريفة: (أريد أن يسود العدل، وأن يتوقف الظلم، أتوق لأن ينتهي غرور القوي ليسمع الضعيف، لماذا يصر القوي على اجبار من يظنه ضعيفا على خيارات لا يريدها؟)
فضل: (تريدين وطنا كالبلدان المتقدمة اذا؟ تكون حقوق الانسان فيه مصانة تحت بنود ميثاق الامم المتحدة، واتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؟)
شريفة: (قرأت هذه المسميات كثيرا خلال السنوات الماضية، لكن انسانا عزيزا على قلبي أهداني وصلة الكترونية سأضعها لك تتحدث عن أول رسالة لحقوق الانسان كان مصدرها الامام زين العابدين http://www.google.com.bh/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&uact=8&ved=0CBwQFjAA&url=http%3A%2F%2Falkafeel.net%2Falbaqee%2Flibrary%2Fupload%2Fview2%2F3.pdf&ei=aNa-VMi-OIKwaZ26gNgN&usg=AFQjCNEJFKzhwDTPxJW0Z7mjbbzaYzX8Ig&sig2=0TYbdNeiUyiYjIOKfGglvg
انها تستحق أن تكون بحق مرجع كل فرد وجماعة ومجتمع ودولة ينشدون العدل)
شعورا بالارتياح غمر فضل، لقد حدثها عن رسالة الحقوق للامام زين العابدين عليه السلام، حين كان يثبت لها أن مطالبته بحقوقه والتزامه بحقوق الآخرين، قديمة وأن مرجعيتها من عمق دينه وثقافته وليست مجرد تقليد أعمى لمجتمعات أخرى، وان كان اقتباس التجارب الناجحة من الآخرين ليس ضعفا أصلا.
خشي فضل أن يواصل النقاش معها، فيتسبب لها بالملل والنفور، فكتب لها:
(غريب أمرك! للتو أجابني صاحب الحساب بذات الاجابة التي ذكرتها، يبدو أن بينكما توارد خواطر)
لم تصدق شريفة حديث الرجل، لا يعقل أن يستخدم فضل حساب التغريد ذاته، في المرات السابقة حين كان يختفي كان يقفل حسابه تماما، كيف تتأكد من صدقه؟ لم تتمكن شريفة من منع نفسها، فتحت صفحة فضل وارسلت له رسالة: (فضل هل بالامكان أن تطمئني أنك بخير فقط؟)
بمجرد أن قرأ رسالتها، شعر بالحرج والألم، " لماذا توجعها يافضل؟ اما أن تكون معها واما أن تبتعد"، صار فضل يقرع ذاته متهما اياها بالدناءة!! لم يتمكن من اتمام النقاش، فاعتذر بحسابه الجديد وانسحب منه.
منذ مدة لم تجلس شريفة مع والدتها، كانت تشعر بحاجة ماسة لحضنها وحنانها، هي تدرك أن أمها ليست سيدة سيئة، لكنها حتما سيدة مستضعفة ممن يظن أنه يفوقها قوة، ويجب أن لا تساهم في استضعافها هي أيضا، توجهت لغرفتها باسمة، أطلت بوجهها مستطلعة:
- ماما هل نمت؟
- لا يا عزيزتي تفضلي
ارتمت شريفة بحضن أمها، حملت كف والدتها ووضعتها على رأسها:
- منذ مدة لم تمسحي على رأسي
- لقد كبرت يا شريفة وتكبرتي على كف أمك
اعتدلت بسرعة وقبلت رأسها:
- حاشى لله أن أتكبر عليك، ماما حين نختلف فهذا لا يعني أننا تحولنا لأعداء، أختلف معك لكنك ستظلين أمي حبيبتي وسأظل أنشد رضاك علي
احتضنت الام ابنتها بقوة:
- لقد اشتقت اليك يا شريفة، اشتقت لك جدا
الحاج علي جالس بمكتبه، أمامه مجموعة كتب وقلم، منغمس في التفكير جدا، لقد قضى ردحا من الزمان وهو شاهر قلمه، ولطالما كسرت يده لأنها حملت هذا القلم، منذ شبابه وهو يحلم بأن يسلمه لآخرين، يحملونه شعلة يحاربون بها الجهل والظلمة، لكن اعتقاله المتكرر جعل هذا المشروع دائما مشروعا مؤجلا، مؤخرا استيقظ هذا المشروع بروحه مجددا وهو يرى من يعتقدهم جديرين بوراثة هذا القلم، فابنته زهراء ذات شخصية لامعة، وعقل وازن جدا رغم أن حماسها أحيانا يتغلب عليها، وحسن رجل هادئ الطباع سلس الخطاب، يحلم بالتغيير على كل الاصعدة، أما شريفة فهي بحد ذاتها مشروع يضاف لهذا المشروع، لقد صارت تقرأ وتناقش وتحاور، لافتة نظر خالها في بعض اطروحاتها، لقد طلب منها مرارا أن تدون تلك الافكار وقد دونتها بشكل مرتب جدا، أما فضل فقد يكون دينامو هذا المشروع، انه شاب عميق التفكير، بعيد النظر، يؤمن بمسؤوليته تجاه دينه ومجتمعه ووطنه، وهل أجدر منهم بحمل قلم؟!


عاد فضل مجددا لتصفح الاخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خبر عاجل أثار قلقه، لقد تعرض القسم الذي يقضي فيه حسن محكوميته لهجوم من العسكر، في حملة تفتيش مفاجئة قاموا بتكسير ترب سجود المعتقلين وأهانوا القرآن، وهو ما اثار حفيظة الشباب متسببا بملاسنات انتهت باعتدائهم بالضرب على المعتقلين، صار فضل يبحث عن اسم حسن ليطمئن عليه، مرت ليلة كاملة وفضل يعيش حالة القلق تلك، الاخبار تترشح عن مصابين، وعن معتقلين نقلوا للعزل!
عاشت زهراء قلقها الخاص، فلبست عبائتها وتوجهت نحو مقر سجن زوجها، وهناك اعتصمت حاملة صورته، منذ البارحة والاخبار لم تتوقف، هي لا تريد أكثر من أن تطمئن على زوجها وبقية الشباب، الا انها وبقية أهالي المعتقلين، لم يلاقوا الا الغلظة والتهديد والوعيد، ساعات طوال ومصير الشباب مجهولا بالداخل، بل أكثر من ذلك هناك أنباء تفيد بسقوط أحد الشباب صريعا!
جن جنون زهراء، وقبلها جن جنون فضل، لقد تنبأ الحاج علي بردة فعل فضل، فوقف حائرا بين ابنته التي تكاد تخرج روحها من جسدها قلقا على زوجها، وبين قلقه شخصيا من ردة فعل فضل، اتصل الحاج علي بشريفة طالبا منها أن تكون بجانب زهراء، وتوجه هو ليكون بجانب فضل. دخل على فضل شقته، فلم يجده في الصالة، أسرع باحثا عنه في الغرفة، فلم يكن هناك أيضا، تسارعت دقات قلب الحاج علي، "هل يعقل بأنه خرج من هنا!! هل يعقل أن يغادر المكان ببساطة؟ وكيف يغادره والمنطقة غاية في الخطورة" فجأة سمع الحاج علي صوت ماء يصدر من دورة المياه، تنفس الصعداء وقام لاستقبال فضل. تفاجأ الحاج علي بمظهر فضل، لقد توقف عن الحلاقة منذ مدة، ويبدو أنه لم ينم ليلته هذه، احتضنه بقوة :
- قلق؟
- عاجز
- لا تردد هذا الكلمة، لقد اتفقنا مرارا على حذفها من قاموس حياتنا
وضع فضل يديه على رأسه، وظل صامتا، حاول الحاج علي طمئنته:
- لا بد أن نعرف مصير حسن وبقية الشباب في الساعات القادمة
- بعد أن يطحن قلوبنا القلق
- أنا مطمئن لأمر الله، فوض الامر اليه
- لا يمكن ذلك يا حاج علي، نفوض الامر لله دون عمل؟ نجلس هنا ونقول فوضنا الامر اليك يالله وننتظر معجزة تخرج النساء والرجال من معتقلاتهم؟!
- نفوض الامر لله ونعمل طبعا
- يداي مقيدتان لا اقوى على الحراك
- طلبت منك مرارا أن تشتري حريتك لكنك ترفض
- أن أترك بلدي للسراق والقتلة واعيش بعيدا عنه؟!
- أن تبتعد عن الخطر وتأسس لعمل صحيح يبني بلدك رغم وجود السراق والقتلة ولا تنسى أن على هذه الارض الكثير من المؤمنين المناضلين
- اليوم لا اريد الا ان اطمئن على حسن، أكاد أموت من القلق فهناك انباء عن سقوط أحد الشباب بعد تعذيبه
- زهراء أيضا لا تريد سوى هذا الامر لقد تركتها مع شريفة تهدأ من روعها بينما جئت اطمئن عليك
- كيف حال شريفة؟
تبسم الحاج علي وسأله:
- من يجب أن يعرف عن حال شريفة؟ أنا أم أنت؟
- لم أتواصل معها ولا اعرف ما حالها ... صدقا
- اذا عرفت الان ما بابنة اختي كل هذه الايام
بقلق سأله فضل:
- ما بها يا حاج علي؟ أقلقتني
- بصراحة تعيش حزنا بالغا وقد أخبرتني زهراء برؤوس اقلام أجدت استنتاج تفاصيلها
- حزن؟
- حزن
رن هاتف الحاج علي، انها زهراء باكية:
- بابا لقد قتلوا .........
ألتقيكم في الحلقة القادمة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...