ابحث في مدونتي

الأحد، 11 يناير 2015

قصتي : حب في نون السياسة (5)




توسطت شريفة جلسة أفراد العائلة في بيت خالها، كم تفتقد هذه الأجواء العائلية، حيث يخوض الجميع في نقاشات متنوعة، شيء من السياسة وشيء من المزاح، أحيانا يحتد النقاش حتى تظن أن أبناء خالتها سوف يتشابكون بالأيدي، لكن خالها دائما ما يمسك بزمام الأمور، لتعود البسمة على مائدة الغذاء صادقة شفافة، ها هي ذكرى الثورة تتجدد، لتنقلب البلاد رأسا على عقب، سئمت شريفة كثيرا من روتينها اليومي الجاف، هذه المرة قررت أن تطلب من صديقتها وابنة خالها زهراء أمرا:
- بودي أن أطلب منك طلبا، لكني أخشى أن تخجليني.
- طلباتكِ كما يقول خالكِ أوامر يا ست شريفة، والله صرت أخشى أن تصابي بالغرور.
- كفي عن ذلك تعرفين أني لا يمكن أن أصاب بالغرور أمامكم يا أشرف الناس، وهل تصاب بالغرور مثلي؟!
احتضنتها زهراء:
- كانت مجرد مزحة، أدرك كم أنت صاحبة نفس سليمة وهنيئا لنا بكِ
- زهراء، أريد ان أرافقك هذه الجمعة.
- ترافقيني؟ الى أين تقصدين؟
- ......................
فتحت زهراء عينيها اندهاشا:
- هل أنتِ جادة؟ والله لو أصابكِ مكروه واكتشف والدكِ أني من أخذتكِ لهناك لأطار رقابنا من على رؤوسنا، جنت ابنة عمتي رسميا!!
- وهل أنت مجنونة يا زهراء؟
- نعم أنا مجنونة ابنة مجنون مالك والمجانين يا شيخة.
حزنت شريفة كثيرا، كانت تعرف أن زهراء لن توافقها في ما تريد، ليس لأنها غير مقتنعة لكن لأنها تدرك عواقب مرافقة شريفة لها، "شقيقي فهد ووالدي يقيدان يديّ حتى وهما غائبان"، عادت شريفة لمنزلها كئيبة قد غشيها الحزن، فتحت صفحة التغريد وأرسلت ل(فضل) رسالة، مؤخرا عاد فضل للتغريد بشكل منتظم، بعد أن توقفت المداهمات على منزله، حتى صار يظن أنه بات في مأمن من الاعتقال :
( السلام عليكم ..
لقد بائت محاولتي بالمشاركة في احدى المسيرات بالفشل، زهراء ترفض تحمل مسؤولية مرافقتي لها خوفا من اهلي، أكاد أختنق فبينما تضج الدنيا بالشعارات، أظل أسيرة رغبات أهلي
أعرف أني خذلتك فإعذرني)
أجابها فضل:
( عزيزتي شريفة ..
لا أتذكر مرة أني طلبت منك المشاركة في المسيرات حتى تشعرين بأنك تخذليني، أنا فقط كنت اتسائل من باب التعرف على شخصك، عموما من الجيد أن تراعي رغبات والديك، لكن ألا تعتقدين أن الاستسلام تماما وأنت فتاة على أعتاب السادسة والعشرين من عمرك لآراء ورغبات الآخرين أمرا يدعو للمراجعة؟)
نعيش خلطا واضحا في مفاهيمنا الإسلامية، فالله يدعو لأن نحسن لآبائنا لا لأن نقبل بإستعبادهم لنا؛ (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)!!
شغل بالها ما قاله فضل "نعم حتى متى أظل حبيسة رغبات والدي ولماذا لا أجس نبض والدتي؟ لعل هذان العامان قد غيّرا من خوفها شيئا"، بمجرد عودتها من عملها في اليوم التالي، طلبت شريفة الإنفراد بوالدتها :
- ماما هل تعرفين أن بنات خالي دائما ما يشاركن في المسيرات؟
- ابن الوز عوّام يا ابنتي، لا أحتاج لأعرف ذلك أنا متيقنة منه.
- اممممم ، وما رأيكِ في ذلك؟
- عامان مضوا وهذه المسيرات لم تتوقف، ماذا حصد الناس غير البلاء؟ ماذا لو توقفوا عنها لعل الاعتقالات والمداهمات تتوقف، والله جنوا على أنفسهم وعلى الآخرين، هداهم الله وفرج عنا.
فقدت شريفة الأمل في أن توافق والدتها على حضورها للمسيرات، كانت تأمل أن تحمل موافقة والدتها لزهراء لعلها تقبل بمجازفة مرافقتها، لم تذهب شريفة كعادتها لبيت خالها هذا الخميس، فهاتفتها زهراء:
- أينك؟ خالك وخالاتك وأبنائهم يسألون عنكِ؟ هل علم والدكِ عن حضوركِ شيئا؟ هل جبنت عمتي مرة أخرى ولم تسمح لك بالحضور؟
- لا ..
- اذا؟ ....
- أشعر بالتعب، ربما أستعد لنوبة مرض جديدة
- لا بأس عليك عزيزتي، تعرفين أنا لن نتمكن من زيارتك في المشفى، فأرجوكِ انتبهي لنفسكِ، ولا تغيبي علينا، نفتقد وجودك كثيرا
بعد أيام أُدخلت شريفة للمستشفى، كانت تعبة جدا وقد أخبرت فضل أن لا يقلق عليها في حال أنها لم ترد عليه، فهي ترقد بالمستشفى وقليلا ما تساعدها شبكة الهاتف للدخول لعالم التغريد، في صبيحة يوم آخر، طُرق باب غرفتها ليستأذن بالدخول عامل آسيوي يحمل باقة ورد زاهية الألوان، ابتسمت شريفة متسائلة :
- عفوا أيها الأخ .. من أين أتيت بالباقة؟
أشار للبطاقة المرفقة بالباقة واستأذن خارجا، فتحت شريفة البطاقة وصارت تقرأ:
( يبدو أنني اعتدت مراسلاتك جدا لدرجة أن عالم التغريد صار خاويا رغم حالة الفوران التي لا تهدأ عبر صفحاته .. كوني بخير
ف.ح.ج)
يقول الشاعر المصري فاروق جويدة :


حلمنا بأرضٍ تلم الحيارى
 وتأوي الطيور وتسقي النخيل
رأينا الربيع بقايا رمادٍ 
                               ولاحت لنا الشمس ذكرى أصيل
   حلمنا بنهرٍ عشقناهُ خمراً
رأيناه يوماً دماءً تسيل
             فإن أجدب العمرُ في راحتيَّ               
فحبك عندي ظلالٌ ونيل
وما زلتِ كالسيف في كبريائي
يكبلُ حلمي عرينٌ ذليل
وما زلت أعرف أين الأماني
وإن كان دربُ الأماني طويل


قد تساعدني هذه الأبيات، لأصف شعور شريفة التي إغرورقت عيناها بالدموع، من أين يتعلم الانسان الوفاء؟ وكيف يجمع جرح الوطن أبنائه؟ بلدي الحبيب على قدر الوجع نحتضنك ولأن أيدينا لاتتسعك فلا بد أن نعانق أيدي بعضنا لنغوص في حبك.
بينما تستعد شريفة لتغادر المشفى، حالفها الحظ لتلقي نظرة على عالم تويتر، لم تجد من فضل ردا على رسالة الشكر التي بعثتها له بعد أن أرسل باقة الزهور لها للمشفى، كان أمرا غريبا اذ مرت ليلتان منذ راسلته، ذهبت لصفحته على تويتر تبحث عن تغريداته، فوجدتها قد توقفت مجددا! "يبدو أن هناك ما حصل؟!! مالذي تسبب بغيابه مجددا؟؟ هل تراه عاد لأيام المطاردات؟ هل دوهم منزله؟؟؟ كانت لتخبرني زهراء، إذا ماذا جرى؟ ربما كان مريضا؟ ربما لا يمتلك ثمن تفعيل خط الانترنت؟ ماهذه الاسباب الخاوية يا شريفة؟ لا بد أن أمرا حصل لفضل، لا يمكن أن يغيب هكذا فجأة دون أن يطمأنني بأنه مضطر للغياب، أما أن يغيب هكذا على حين غرة فليس من عادته!)، للحظة انتبهت شريفة لغياب ابنة خالها زهراء أيضا! "يومان كاملان بلياليهما ولم تهاتفني أو تترك لي رسالة عبر برنامج "الوتسب" الذي لا نمل من الحديث عبره!!"، تيقنت شريفة أن هناك مكروها ما قد حصل، غريب غياب فضل وانقطاعه لكن الأغرب غياب زهراء معه بذات الوقت! كيف السبيل لمعرفة ما جرى ووالدها هو من ينتظر ليقلها للبيت هذه المرة!!
فتحت برنامج الوتسب، وجدت أن زهراء متصلة فعلا، كتبت لها:
- أينك عزيزتي؟ لقد خرجت من المشفى ولا بد أن أمركم قريبا جدا، فقط أحتاج أن أطمئن هل أنتم بخير؟ ولمَ انقطاعك عني؟
كانت شريفة تكتب دون أن تجيبها زهراء، حتى ترجتها أن ترد عليها، فكتبت لها:
- نعم يا ابنة عمتي، اعذريني فقد نسيت أن أشكر لك هدايا الليل التي جاءتنا منكم!
دق قلب شريفة بقوة، في لهجة ابنة خالها كمية غضب لم تعهدها منها قط!
ألتقيكم في الحلقة القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...