ابحث في مدونتي

الاثنين، 19 يناير 2015

قصتي : حب في ن السياسية (12)

 
 
عاد الحاج علي وعقله يمتلئ بالأفكار، يقدم فكرة ويؤخر فكرة، شعرت زوجته أن ثمة ما يشغل بال زوجها، فسألته عما يقلقه، قبل أن يجيبها رن هاتفه :
- بم تفكر يا ولدي؟ لا بأس، هل أنت متأكد؟ هل غيرت رأيك؟ حسنا أحتاج منك أن تتصل بي بعد يومين أو ثلاثة أيام.
كررت الزوجة سؤالها:
- هناك ما يقلقك حتما، هلا أخبرتني؟
يتميز الحاج علي بقدرته الكبيرة على الكتمان، لكن هذه المرة يبدو أنه بحاجة لرأي امرأة، أسرّ لها بأمران يشغلان باله كثيرا، احدهما لا يمكن أن يتم الا مع موافقتها :
- لقد شغلت بالي
- فيم تفكرين؟
- يبدو أن الشاب غيّر رأيه؟
- ليس هذا ما اعتقده، ربما وبحسب الظرف الذي وُضع فيه، يعتقد أن الصواب فيما قال
- ماذا عنكَ؟
- أريد أن اسمع رأيكِ
- أنا (أم) يا علي وأريد ما تريده الأمهات لبناتهن، لكن هؤلاء الشباب أولادنا أيضا، ونحن مسؤولون عنهم، الامر محير جدا، هل حدثتها؟
- ليس قبل أن أحدثك
- ستفعل؟
- عزيزتي اسمعيني جيدا، لا يمكن أن أحدثها ما لم حصل على موافقة منك، وما لم أقلّب الامر مجددا في رأسي، وما لم أتوثق من قناعة الشاب بما كان يفكر فيه، أحتاج منك أن تفكري جيدا وتخبريني برأيك
- تحدث معها ثم نناقش الامر معا.
- ستقبلين برأيها أيا كان؟
- .......... بإذن الله
ارتمى فضل على أريكة صغيرة وضُعت بصالة الشقة، أمامها التلفاز وبجانبه ثلاجة صغيرة، والهاتف الذي أعطاه اياه الحاج علي بجانبه، موضوعا على مجموعة من الكتب التي اختارها فضل، ليملأ بها ساعات الوحدة الطويلة، كان فضل في غاية الحيرة والتوتر:"ترى كيف يجب أن أفكر؟" كلمات الحاج علي ترن في أذنه، والكثير من المشاعر المتناقضة تتصارع داخل قلبه: "أما آن لسنوات التشرد أن تنتهي؟ كيف تنتهي وبلادنا لا زالت تموج بقبضة الظلم والتجبر؟ حتى متى أبقى رهين سجني هذا فان انتهى انتقلت لسجن آخر؟" قام فضل من أريكته وصار يدور في تلك الشقة حول نفسه، مرارا ومرارا ومرارا ومرارا، حتى وقع على الارض منهكا، "ماذا يضير الانسان لو توقف عن الظلم؟ ألا تنتظره حينها خيرات الدنيا والآخرة؟!"
 
من حقنا أن نفقد عقولنا، كلما تذكرنا أن الانسان في أوطاننا ذبيحة تساق للمقصلة، قربان يقدم تحت أرجل آلهة السلطة والمال، لعلها ترضى فتغدق على عبيدها خيرات الأرض والبحر والسماء، من حق قلوبنا أن تحترق شوقا للحب والحياة التي حرّمها الانسان على الانسان. بيننا ثمة نفوس وأرواح تشتاق للأهل والخلان، بعضهم سكن المقابر على حين غرة، وبعضهم خلف قيود سجان، من حقنا أن ننتظر غائبا تعلقت به الافئدة، فقد عرفنا معنى الفساد والظلم والجور، ونتوق لنعرف معنى العدل والقسط، من حقنا أن نذوق حلاوة الانسانية المتدفقة من معينها الصافي، لذلك لا زلنا ننتظر!
فرش فضل مصلاه وانتصب لله راكعا ساجدا "اللهم ألهمني الصواب"
عاد فضل على أريكته، لكنه قرر أن يمتنع عن التفكير قليلا، فحمل كتابه وبدأ يتصفحه، لكن من قال أننا نفكر حين نريد ونمتنع عن التفكير حين نشاء؟ لم يتمكن فضل من التوقف عن التفكير، لم يتخيل أن تكون شريفة شقيقة فهد؟!! ظل يحدث نفسه "كيف من الممكن أن تجتمع انسانية شريفة مع كل الوحشية التي يحملها فهد؟! هل يعقل أن يكون كلاهما أبناء أخت الحاج علي؟!! ماذا لو كانت شريفة مجرد متعاطفة؟! تبا لك يا قلبي، كيف تجيد تعذيبي!".
كان فضل سعيد جدا بشريفة، رغم أنه كان يستغرب بعض جهلها، الا أنه كان يؤنس به أيضا، الكثير من الافكار التي صارت في عقل شريفة كانت غرس فضل، الكثير من المواقف التي تحدث بها الحاج علي، يعرف فضل تماما أن له يد فيها، وان لم يتصورها وان لم يعرف بها الا لاحقا، هناك حالة تخاطب فريدة بينه وبين شريفة، هو لا يحتاج لكلمات كثيرة حتى يشعر بما تريد أن تقوله هذه الفتاة، وكثيرا ما صمت لتفهمه شريفة جيدا، لكنه ظل يعيش شكا غريبا بروحه، "ربما لم أفهم شريفة ربما لم أعرفها جيدا"
كانت شريفة تنظر لهاتفها كل يوم، تأمل أن تجد من فضل رسالة ما، وان كانت رسالة شكر رتيبة على توصيله لخالها، لكن الايام تمر وصمت فضل يسبب لها جرحا، الكثير من الافكار كانت تحاك بعقلها، "صار فضل يعرف اسمي ومن أكون وله كل الحق في أن يتجاهلني"، تلقي على مسامع نفسها هذه الكلمات ثم تثور عليها " لو كان فضل كما عرفته فلن يهمه ما اسمي ومن يكون أخي، انه رجل مواقف لا اسماء، لا يعقل أن يحّملني ذنبا لم أذنبه، هكذا علمني فضل ولا يمكن أن يعلمني دروسا لا يعيها"، ذرفت دموعها مرارا وهي تعيش هذا الصراع، بين من تكون وبين ما تريد أن تكون، من منا لا يعيش هذه الصراعات، صراع بين ما نقول وبين ما نفعل، صراع تغلب فيه الفضيلة أحيانا والنفس الامارة بالسوء احيانا، من منا تفوق دوما على سلطة الرغبات مقابل قوة القيم، شريفة قررت أن تكون ما اختارته مؤخرا وقالتها لنفسها مرارا " كوني شريفة حتى لو لم يكن هناك فضل".
 
 
 
استدعى الحاج علي ابنته زهراء ليحدثها على انفراد، جاءته مستبشرة، فزهراء تشبه أباها كثيرا وأحيانا تشعر بما يفكر به، هذه المرة لم تتوقع الموضوع الذي أراده فيه والدها لكن لا يمكن أن يحدثها والدها الا بما يسر:
- تفضلي حبيبتي زهراء
- هات ما عندك يا ابتي
- ما سأقوله أمر في غاية الصعوبة، لكني وبعد تفكير طويل، وبعد أن استشرت والدتك قررت أن احدثك بشأنه
- أقلقتني بابا ماذا هناك؟
- هناك شاب مناضل يريدك زوجة له لكن تعرفين ما حال شبابنا هذه الأيام...
- مطارد؟ محكوم؟
- ....
- تعسا لهم يظنون أنهم باقون ما دامت الدنيا، يحكمون شبابا بعمر الزهور اضعاف اعمارهم لانهم وقفوا امام جبروتهم ..
- حبيبتي زهراء هل يمكن أن تسمعيني؟
- آسفة بابا ، استبد بابنتك الحماس دائما اقول لشريفة أني مجنونة ابنة مجنون
- رحم الله والديك
ضحك الاثنان ولأول مرة تدمع عين الحاج علي أمام ابنته، اسرعت لاحتضانه:
- بابا .. ماذا هنالك؟
- جئت لمعرفة رأيك في الارتباط بهذا الشاب وهو بهذه الظروف
- من يكون يا بابا؟
- طلبك منذ مدة لكني لم أحدثك عن ذلك لأني كنت آمل أن يحدث شيئا ما يبعده عن دائرة الخطر لكن قدر الله وما شاء فعل
- ............. ؟
- ما جدد الأمر أنه منذ أيام حدثني قائلا أنه يبرأ ذمتي من طلبك كزوجة له وهو ما جعلني أعتقد أنه متمسك بك.
- أعرفه؟
- نعم تعرفينه ..
- من يكون بابا؟
- مجددا أخبرك أنه محكوم على ذمة عدد من القضايا وربما يرتفع حكمه أيضا.
تحادرت الدموع من عيني زهراء، واحتضنت اباها بقوة وصارت تبكي:
- لم يا والدي قدر علينا أن نكون بلا أفراح؟ وبلا حياة كاملة؟ ما ذنب هؤلاء الشباب؟ ما ذنبنا؟
 
- اهدئي يا حبيبتي، نحن قادرون على التغلب على قسوة الحياة، هل تظنين أننا سنعيش أفضل من خير خلق الله محمد وآل محمد؟ لقد استهدفوا وقتلوا وشردوا وحبسوا
- اللهم صل على محمد و آل محمد
- حسنا لنعود لصلب موضوعنا اذا، كما اخبرتك شعرت بأن قرار التراجع كان رفعا للحرج كون الحال تغير
- بم تفكر يا ابي؟
- لقد طلبت منه أن يعاود الاتصال بي وقد فعل وطرحت عليه سؤالا واحدا هو (هل غيرت رأيك في اختيار شريكة عمرك؟) فأجابني بأنه كان ولا زال يتمناكِ زوجة له، فقد كان بقربنا وصار يعرفنا ويحبنا ويدرك مدى التقارب بينكما، لكن لا يمكنه أن يربط مصيره المجهول بمصيرك فتلك بحسب كلامه أنانية
- بابا من يكون؟
- يجب أن تفكري جيدا
- .....
- من هو؟
- حسن
- حسن جواد؟
- هو بذاته
- لم افكر بحسن يوما كزوج لكن في قرارة نفسي كنت أجد حلو أخلاقه ودينه وكلامه، فأقول في نفسي هنيئا لمن تكون له زوجة وكم تمنيت أن احظى بزوج مثله
- قد يطول بقائه في السجن، وقد تغيره قسوة السجانين، وقد ينضج بالداخل بعيدا عن الحياة هنا، فيشب على غير ما تعرفين، كما أنه صغير في العمر يا بابا
- بابا اذا كان هذا رأيك فلم سألتني اذا؟
- بصراحه أعتبر أني ربيت هذا الشاب واثق كثيرا فيه كما اني أحبه حقا
- وتحبني؟
- طبعا احبك يا ابنتي ولا يمكن ان افرط فيك ابدا
- صدقني بابا أنا سعيدة جدا بهذا الشاب فلم ألحظ أن هذا ما يفكر به ابدا رغم بقائه عندنا سنتان
- عندي شرط وما لم توافقان عليه كلاكما فلن يتم ما تريدان
- ما هو؟
- أن يتم عقدكما
 
 
راجع الهامش(*)
 
 
في اليوم المقرر صارت زهراء تجهز قلائدها، تعينها على ذلك والدتها وأخواتها وشريفة، وكذلك والدة وأخوات حسن، وهن يذرفن الدموع، زهراء لن تلبس فستانا أبيض، ولن تسير على خشبة مسرح، ولن تمسك بيد زوجها، بل سترتدي عبائتها، وستسير في قاعة محكمة، وسترى زوجها لكن من وراء قضبان. من ينتظر أن تكون تلك حفلة ابنته أو ولده؟ كانت شريفة هادئة جدا على غير عادتها، تساعد زهراء في تجهيز بعض الحلويات والهدايا، بمناسبة عقد قرانها وهي الى حد ما مذهولة، لم تتوقع أن تشهد حفلة قران تشبه هذه الحفلة، ولم تتصور أن هناك فتاة قد تقبل هذا المسرح ممرا لحياة مستقبلية يملأها المجهول، فكرت مرارا أن تحدث ابنة خالها بأن تعدل عن هذا الزواج، لكنها تعرف زهراء جيدا، حين تقتنع بأمر ما فيصعب جدا أن يثنيها احد عن رأيها، كما أن أهلها رغم تخوفهم ووجعهم الا انهم معها، يخيطون لها فستان حياة لا يراها الا الله! كما أن زهراء سعيدة جدا بما فعلت، انها مؤمنة بأن لها عند الله ثواب عظيم، مؤمنة أنها مسؤولة عن احتواء شئ من آثار المعاناة التي يعيشها هؤلاء الشباب، فإن كانت تستطيع أن ترسم على شفاه حسن بسمة، فستفعل بكل تأكيد، يقال أن الحب يصنع المعجزات ونسوا أن الايمان هو المعجزات بذاتها، ايمان زهراء بحسن وقضيته وايمانهما بدينهما ووطنها.
 
لم تكن قاعة المحكمة يومها كما كل الايام، كانت تمتلأ فرحا، نفس المكان الذي كانوا يأدون فيه أحلام الشباب بأحكامهم القاسية، نفسه كان مكانا ليرسم حسن وزهراء حلما جديدا ظنوا واهمين أنهم قتلوه! لا تقتل الاحلام يا سادة، لا تقمع الافكار فأفيقوا من نومكم، هنا أناس يحلمون ويفكرون ويأملون ويعملون ويبتهلون لله أن ينجحون، مبارك لزهراء وحسن ايمانهم مبارك زواجهم مباركة أيامهم.
عادت شريفة وهي سعيدة جدا، لقد عاشت عرسا حقيقيا ما ظنت أن تحياه يوم في محكمة!! ما ظنت أن تجد شابا خلف القضبان يمتلأ سعادة، ما تخيلت أن ترى عروسا شامخة تقول بكل فخر، وهي تنظر لقيد زوجها (نعم قبلت هذا الحر)، لقد أثارت عبارة زهراء استغراب القاضي، لا يمكنه أن يدرك معنى كلمتها تلك فزجرها ( تكفي نعم قبلت) حيث انفجر حسن ضاحكا من حلاوة روح زوجته، زوجته، زوجته، ظلت تتردد تلك الكلمة في عقل شريفة، وتحركت أفكارها نحو فضل، ولأن الانسان السعيد لا يمكن أن يفكر الا بسعادة، فقد تبسمت شريفة قائلة لنفسها :"ربما أجن يوما كجنون زهراء"
ظل فضل طوال وقت قراءته، يسترق النظر نحو هاتفه، لا يمكن أن ينسى فضل الاحتياطات الامنية التي وصى عليها الحاج علي، لكن يدرك فضل أن شريفة تنتظره، ويكره تماما أن يتسبب لها بألم، حمل هاتفه وبدأ بفتحه لكنه تذكر رد الحاج علي على سؤاله الجريء:
- سيدي أنا ألتمس منك العذر لكن هل تعطيني الامان في التواصل مع شريفة، وهل تأمن جانبها؟
ظن فضل أن الحاج علي قد يصفعه على وجهه بعد هذا السؤال، لكنه أخذه على جنب وجلس معه جلسة مصارحة:
- أنت لا تعرف تماما من تكون شريفة، نعم هي ابنة اختي لكن ...
- اعرف من تكون علمت اليوم
تنهد الحاج علي:
- يا ولدي أستطيع أن أمنعك ربما عن التواصل معها، أو ربما لا أستطيع ذلك، انت شاب ناضج على اعتاب الثلاثين وشريفة تقربك في السن، ولها تجربة زواج لم يكتب لها النجاح، لستما طفلين لأحذركما من مغبة عواطف متسارعة، كما أن وضعك جدير بالأخذ في الاعتبار، لكن لها والد وشقيق صعبين جدا، وأمها لن تقف بجوارها في وجه هاذين الاثنين، لا ينتظركما سوى الوجع فاختارا ما تشاءان، شريفة لم تكبر في بيتي يا فضل، انها تربية بيئة مختلفة عن بيئتك، نعم هي فتاة طيبة ورائعة وتحب أن تعرف وتتعلم، وأنا أثق بها كثيرا، أنها تختلف عن امها تماما ولا تشبه أباها وأخاها ابدا، ولطالما قلت لها أنك تشبهيننا، يجب أن تفكر في كل شي كل شي، صدقني أنا لا أريد أن تتألما، لو كانت شريفة ابنتي لما ترددت لحظة في أن أختارك زوجا لها، ولو كان لي ولد لسعدت بتزويجه لها، لكن بعض الظروف تجبرنا على اختيار ما لا نريد أحيانا.
ظل فضل حائرا ينظر لهاتفه، بينما كانت شريفة في غرفتها تبتسم وفي يدها هاتفها، شريفة لا زالت تنتظر فضل ..
 
ألتقيكم في الحلقة القادمة ..
 
_________________________________
(*) هذه الصورة تعود لعقد قران حقيقي لمعتقل كان مطاردا سنوات راجع الرابط:
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...