ابحث في مدونتي

الجمعة، 9 يناير 2015

قصتي : حب في نون السياسة (3)

 
 
 
ضحكت شريفة بملئ شدقيها, (كم كنتُ غبية, لمَ لم اكتب اسمه في جهاز المركز لكنت وصلت اليه حتما)!!
لقاء من غير ميعاد، صِدفة جميلة جعلتها تبتسم منذ أكثر من ثلاثة أشهر, أخيرا ستتوقف رحلة البحث الطويلة, أخيرا علمت أنه بخير أو ربما ..لا زال بخير!!! بمجرد عودتها للمنزل دخلت شريفة لموقع التغريد, اختارت مساحة البحث, سجلت اسمه, ثم انتظرت بكل شوق ..
اسمه أمامها مباشرة, ترى ماذا تفعل الآن؟ كيف تبدأ الحديث معه؟! ماذا تخبره؟ وكيف سيرد عليها, كيف سيستقبل قلقها؟ بل هل سيأمن التعامل معها لو عرف انها ...... , ليست مثله بل لربما (أنا العدو!!), سيطر القلق على شريفة، ماذا لو استخدم والدي أو شقيقي فهد جهازي؟؟ أغلقت الجهاز المحمول وفتحت الموقع مجددا, لكن عن طريق هاتفها, لربما كان الخوف أقل إن كان من هاتفها, كتبت اسمه مجددا, ثم مجددا أيضا, بقيت ساهمة أمام اسمه, ترى كيف سيتلقاها وهي تنتمي لمن يلاحق ويقتل ويعتقل أبناء جلدته!! شعرت شريفة بحزن شديد لم تتمكن من التماسك معه, أجهشت بالبكاء (تبا لعقول كعقل والدي يجيد الخصم توظيف أحقادهم لمصلحته), (لمَ يا أمي أبعدتني عن عالمك؟ لمَ استأصلتني من تربة أحبتك الذين لطالما سعوا اليكِ)؟
شريفة التي لطالما أعيى جسدها المرض, اليوم ترزح تحت وجع جديد, لا يعلم به سوى الله, أقفلت هاتفها وقذفت بنفسها على سريرها,كرهت الزاد وانقطعت عن الأهل والأصحاب, لا يكسر حزنها سوى صوت خالها علي, الذي صار يتواصل معها بأريحية اكثر مؤخرا, لم تتمكن شريفة من التغلب على خوفها من ردة فعل "فضل" لو تواصلت معه, لكنها وجدت أنّ ألمها لن ينتهي ما لم تقتحمه, فإما يمر الأمر بسلام, وإلا فلتواجه الحقيقة المرة.
هذه المرة كتبت اسمه وإختارت أيقونة الرسائل الخاصة, وبدأت تسطر نزف قلبها :
(السلام عليكم ..
بالصدفة وجدت صورتك على مواقع التواصل, وقد طلبوا معرفة اسمك وعنوانك, خشيت عليك كثيرا وكنت أتمنى أن أطمئن عليك, والحمد الله أن مكنني من ذلك
 اختك شريفة)
كانت شريفة تظن أنها ستتلقى ردا بعد ساعة, بعد يوم أو أسبوع, لكن الرد تأخّر كثيرا, ألف فكرة اقتحمت رأس شريفة, يبدو أنه أدرك من أي عائلة أنا, وفضّل طبعا أن يقاطعني, معذور أنت يا فضل, كيف سيشفع لي خال واحد تعرفه أمام والد وأشقاء غلاظ عليكم !!
لم تعد شريفة تفتح صفحتها كل ساعة كما السابق, لكنها لم تستطع قتل الأمل بروحها, فكانت تفتح صفحتها كل ليلة, تطلّع على الأخبار ثم تأمل أن تعثر على بضع كلمات من فضل, هذه الليلة لم يخب املها :
(أهلا أخت شريفة..
أشكر ألطافك كثيرا, الحمدلله أني ما زلت بخير, لكني بحاجة ماسة للدعاء, فلا تبخلي على أخيك بدعوة في ظهر غيب ..
كوني بخير اخية)
زفرت شريفة زفرة لطالما انتظرتها, أاسعدها كثيرا رد فضل لكنها لم تكتف بعد, يكاد الفضول تجاهه يقتلها, كما أنّ خوفها من ذويها يقيد يديها, لكن فضولها على ما يبدو, صار يتفوق على خوفها, صارت شريفة في كل يوم تراسل فضل المتمنع, وتقرأ كل هواجسه وأوجاعه وإصراره وقوته, عبر حسابه بموقع التغريد, انسان لا يكل ولا يمل, تشعر أحيانا أنها لا تفهمه, فصارت تسأله وتسأله وتسأله, وهو يجيبها متحمسا لكنه ذات مرة أوقفها :
- كيف لإبنة أخت المعارض المخضرم علي, أن تسأل هذه الاسئلة, كل بناتنا إقتحمن السياسة, إنها حرب وجود أخيتي, كيف لك أن تبقي بعيدة هكذا؟؟
 تذرعت شريفة بوالديها اللذين لا يسمحان لها بالخروج, أو المشاركة أو الاختلاط بعالم السياسة لكونها مريضة, ولأنهم يخشون من العسكر, كان "فضل" متحفظ جدا لا يعطيها أية معلومات شخصية عنه, وكانت هي رغم فضولها الذي يقتلها سعيدة بتحفظه, فهي لا تأمن على سرية هاتفها , ولطالما تخلصت من محادثاتها معه خوفا عليها وعليه, فشريفة لن تنس أبدا كيف انتزع شقيقها فهد شعرها, حين اكتشف أنها على اتصال مع خالها علي وبناته اللاتي زادت أواصر القربى والصداقة بينهما حين حاولت اتمام دراستها الجامعية, هذا وتواصلها معهم كان قبل هذه السنة الأليمة فكيف اليوم!!
انتظرت شريفة كعادتها ردود أسئلة وحوار أرسلته لفضل, إلا أنّ الرد تأخر كثيرا, فضل لم يعد يغرد، ولم يعد يرد على رسائلها,عادت شريفة لرحلة البحث المريرة, بين أسماء القتلى والمعتقلين ولا جدوى, شهر كامل وفضل مختف تماما, لا أثر له حتى أن بعض المغردين صاروا يتساءلون عن إختفاء اسمه بعالمهم, ثم وجدت منه رسالة:
( السلام عليكم..
أعتذر لعدم التواصل معك أخيتي, لكن المطاردة إشتدت, وصاروا يداهمون منزلنا في اليوم الواحد مرات عدة, لن أتمكن من التواصل معك لأني لا أملك مكانا يؤويني, ولا أستطيع استخدام الهاتف بشكل متواصل)
 حزنت شريفة كثيرا وقد سألته عن سبيل لمساعدته لكن كعادته اكتفى بطلب الدعاء, عادت شريفة لحزنها ومرضها وسرير وجعها بالمستشفى هناك, حيث ترى العسكر بكل مكان يبتسمون بوجهها ويبصقون بوجه الاخرين!!! أعياها كثيرا ذلك الحزن, كانت تعرف أنها لن تتمكن من كتمان وجعها أكثر, لكن تراها لمن تبوح؟ وما عساها تقول؟ وعن ماذا تفصح؟ هي أيضا لا تعرف مالذي يحصل لها؟ ترى لم تشعر بكل هذا الحزن؟ فضل مثل آلاف البحارنة يطارد وربما يعتقل, أو حتى يقتل علام حزنك يا فتاة؟! بماذا يتميز هذا الشاب؟ ولم تخشين عليه؟ أهو مجرد تعاطف لوجع عاينته بأم عينيك, أم أن الأمر قد تجاوز ذلك كثيرا!! .. انها الانسانية حين تكون قلبا نابضا بجسد الانسان..
نفضت الأفكار من عقلها حين دخل طبيبها الجديد عليها, فطبيبها السابق موقوف عن العمل!!! طلبت منه الرخصة فقد ملت المبيت بالمشفى, أخبرها أن خروجها سيكون على مسؤوليتها, وافقت واتصلت بأهلها ليتسلموها لكنها كانت تضمر بنفسها أمرا.
بعد أيام إدعت شريفة أن مدة  إجازتها انقضت, وبأنها ذاهبة للعمل, إستقلت سيارتها وسارت بإتجاه منزل خالها الذي لا تعرف موقعه بالتحديد سوى انه في القرية ..... , بمجرد دخولها قرية خالها التي زارتها عدة مرات حين كانت تدرس مع بناته في الجامعة, اتصلت لاحدى بناته التي جاءتها مستبشرة قلقة, وقادتها للمنزل.
 بمجرد أن احتضنت خالها وبناته أجهشت شريفة بالبكاء, وصارت تعتذر عن كل الإهانات التي سمعتها تقال للناس في الطرقات ونقاط التفتيش والعمل والمستشفى كان خالها يبتسم:
- أنت منا يا شريفة إياك أن تستثني نفسك منا كما فعلت والدتك سامحها الله.
سعدت شريفة كثيرا بحديث خالها, ثم دخلت لغرفة أقرب بناته لقلبها (زهراء), وهناك كشفت عن حيرتها وألمها, أشفقت زهراء كثيرا على شريفة وفضل لكن ظلال القلق خيمت عليها:
- شريفة إياك أن يقع اسم الشاب على مسامع  شقيقك أو والدك.
-لا تخشي ذلك
- أتراك أحببت الشاب يإبنة عمتي؟
 دق قلب شريفة كالطبول:
-عن أي حب تتحدثين؟ وهل لمثل هؤلاء المساكين حب؟ إنه لا ينفك عن الحديث عن واجبه وجهاده ونضاله, ان كان هناك من حب, فهو حب فضل لبلده!
- لا أدري يا إبنة عمتي, حديثك وقلقك ولمعة عيناك تحدثني أنك تكنين للشاب مشاعر, شريفة إياك وذلك وإلا فستتألمين أضعاف ألمك اليوم, ورغم أني أتفهم اهتمامك فنحن نعيشه هنا في قريتنا, الا اني أجد من المهم أن أنبهك, فاعذريني حبيبتي.
 
 أجهشت شريفة بالبكاء, وألقت برأسها في حضن زهراء:
-لا أدري كيف من الممكن أن أساعده
كانت شريفة تشعر بالمسؤولية تجاه ما يعانيه أبناء جلدتها, وكانت قيود العجز تحكم الخناق عليها, حين تنبض الانسانية في جسد الانسان فلا يمكن إلا أن توجه روحه نحو العطاء.
لمعت بذهن زهراء فكرة فهمست لشريفة:
- دعيني أتواصل معه من خلالك لربما تمكنا من مساعدته.
 
ألتقيكم في الحلقة المقبلة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...