ابحث في مدونتي

الخميس، 5 فبراير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (20)


فتح فضل ومن خلفه الحاج علي الباب مسرعين لمصدر الصوت، حيث وجدا حسن محتضنا زوجته وهي على الأرض، كانت زهراء هي من أطلقت صرختها، فقد باغتها ألم شديد لم تتمكن من الوقوف معه، لكن سرعان ما هدأت أوجاعها، كان الجميع قد استبد بهم القلق عليها، قرر والدها أن يأخذها للمستشفى، وسط طوفان من المشاعر التي صارت تعصف بحسن!

استندت زهراء على كتف والدها، وبالكاد صارت تمشي معه للباب، استوقفهما حسن:

- عمي دعني أحضر معكما سأكون بعيدا

- حين يحين موعد ولادتها سيكون لنا تصرف لترى طفلك، أعدك أنك من ستأذن وتقيم في أذنيه ان شاء الله

دمعت عينا حسن، أمسكه فضل من كتفه:

- أتذكر أن عملية ولادة شقيقتي لابنها البكر استغرقت يوما كاملا، لا تستعجل بالتواجد هناك

عادت زهراء لزوجها، قبلت رأسه بصعوبة، وهمست له:

- منذ أن قبلتك زوجا وأنت لم تفارقني لحظة، ستكون معي ومع طفلك حاضرا، وسنكون معا يوما ما باذن الله الواحد القهار، فصبر جميل يا أبا منتظر

كانت المرة الأولى التي ترى فيها زهراء دموع حسن، بابتسامته المعتادة أجابها:

- أنا من سيأذن ويقيم بأذن منتظر ان شاء الله


مرت الساعات طويلة على قلب حسن، بينما فضل يرقبه متألما محدثا نفسه: "هكذا هي حياة بعضنا، حتى الأمور البديهية يحرمون منها، حسن بعيد عن زوجته في الأمر الأقرب ما بين الزوج وزوجته، لا يمكنه أن يتلقف ولده بأول لحظاته في هذه الدنيا، ها نحن ننجب أطفالنا للشقاء، فمنتظر وهو الطفل المرتقب لحسن، سيعيش بلا أب، سيكبر دون أن يعرف أبوه، وسيظل حسن متألما يحلم أن يعلمه أول كلمة، وأن تكون أول خطواته وهو يمشي.. اليه!!" التفت حسن ناحية فضل:

- ألم نستقبل رسالة عبر الهاتف؟ ابتسم فضل لحسن وضربه ضربة خفيفة على كتفه:

- قلق على الأم أم مشتاق للطفل؟

- كلاهما يا صديقي

رنت نغمة الرسائل للهاتف:

(يبدو أن زهراء دخلت ساعة الولادة الحاسمة، هي بخير وسأخبرك بما يستجد، اطمئن يا أبا منتظر سيكون كل شيء على ما يرام ان شاء الله..شريفة)



دق قلب فضل، يبدو أن هذا الشاب يشتاق جدا ليتعامل مع شريفة على طبيعته، انه يشعر بنفسه مكبلة، يمنعها أن ترفع البصر أو تفتح الشفاه أو أن تنبض بالمشاعر! حتى متى سيغالب فضل عقله وقلبه وروحه؟ فجأة تذكر الحديث الأخير الذي دار بينه وبين الحاج علي، مشاعر بالخوف والغبطة كانت تتداخل بقلبه، أن يختاره الحاج علي زوجا لاحدى بناته يعني أنه حائز على رضا هذا الرجل المؤمن وهو أمر أسعد فضل كثيرا، لكن أن يرفض هو اختيار الحاج علي له أمر صعب على قلبه، "لقد أكد الحاج علي على حقي في الرفض كما القبول فممَ خوفي؟" لحظات الخوف تلك تحولت لابتسامة ارتسمت على محيا فضل "لا يمكن أن تجرح صراحتي الحاج علي، انه انسان منفتح جدا لدرجة أنه جاءني بصفة الخاطب، انه أب لعدد من البنات ويدرك الحق في الرفض والقبول، انه اختارني زوجا لأنه يجدني الأنسب ولا يمكن أن يغيظه أن أعبر له عن رؤيتي في اختياره لكني سأبوح له برغبتي في الزواج من شريفة وسأطلب نصحه في أمرنا" شئ من الارتياح دخل قلب فضل، وشئ من الجرأة تدفق في روحه، حمل الهاتف وأرسل ردا على الرسالة:

(يبدو أني سأحب منتظرًا هذا كثيرا، فقد أتاح لي فرصة قراءة رسالة منكِ حتى لو لم تكن مرسلة لي..فضل)

استدار فضل ناحية حسن، وقرأ عليه الرسالة، لكن لم يعد في صدر حسن صبرا، بسرعة لبس ملابس طويلة ووضع على رأسه قبعة افرنجية وعلى عينيه نظارة فضل المخصصة للقراءة، ورسم زلفا طويلا أوصله بلحيته، التفت لفضل:

- ألا نملك صبغا للشعر؟

- الان؟

- ........ حقا ليس هناك متسع من الوقت

- حسن استقر يا صديقي وابق مكانك

- لا يمكنني ذلك لقد أخذ عمي زهراء لمشفى خاص والتواجد الأمني هناك يمكن رصده بسهولة

- لا يمكنك الذهاب

- لقد وعدتها أن اكون أنا المؤذن بأذن طفلي ولا بد أن أفعل

- كيف ستذهب هناك؟

- شريفة


غاص قلب فضل، لقد صار يخشى عليها كثيرا، ففي الفترة الأخيرة كانت تخبره أن فهد شقيقها صار يضايقها بشكل أكبر، وبأن علاقتها بوالدتها صارت شبه مقطوعة، بحزن أخبر حسن مخاوفه، لكن حسن أجابه بثقة:

- شريفة إنسانة قوية أكثر مما تُظهر، لقد قالت لي زهراء في حال أن شريفة تواصلت معك فيمكنك طلب هذه الخدمة منها، أعتقد ان بينهما اتفاقا

- هل يمكنني أن أحضر معك؟

- يبدو أنك تمزح!


أطرق فضل للأرض، إنه لا يمزح بل إنه جاد جدا، فهو يريد أن يكون بقرب هذه الإنسانة ولو لدقائق معدودة، حمل حسن الهاتف لكن فضل أخذه منه بسرعة:

- سأكتب لها ما تريد

ابتسم حسن ابتسامته الماكرة:

- يبدو أننا نغار

- لا طبعا لا وجود للغيرة بيننا، لكني بانتظار رسالة مهمة فاقترحت أن أؤدي عنك مهمة الاتفاق وانشغل أنت بهندامك أيها الأب الحديث


لم تنتبه شريفة لهاتفها إلا بعد مدة، لقد كانت رسالة فضل بالنسبة لها أكثر من مجرد رد وحديث، إنها تقرأ قلبه من خلال كلماته التي يكتبها لها، لقد صارت تدرك جيدا أن فضل يتمناها زوجة له حقا، لقد قرأت رسالته مرارا وتكرارا، وصارت حائرة بماذا ترد عليه؟ فتحت هاتفها وكتبت له:

(<منتظر> هذا نتاج الاصرار والتحدي، إنه نتاج العمل المقرون بالدعاء، لو لا عزيمة والديه ما كانت هذه الأسرة ولا صارت هذه الثمرة فهنيئا لهم)

يدرك فضل معنى رسالة شريفة، ويدرك عجزه عما تريد، بحزن صار يكتب لها ليتفق معها حول كيفية نقل حسن لزوجته، أخبرته شريفة أن المكان آمن حتى الآن وبأنها تفضل نقل حسن قبل ولادة مولوده ليظل في غرفة زوجته مختبئا منتظرا احضار ولده، ليخرج قبل أن ينتشر خبر ولادتها، وهكذا كان


تكتمت أسرة الحاج علي على خبر نقل زهراء للمستشفى، فحتى المقربين لم يعرفوا بهذا الأمر، كما أن الحاج علي اختار مستشفى له فيها معارف يمكنهم تأخير تسجيلها كمريضة في ملفاتها، انتشرت بنات الحاج علي في المشفى، لرصد أي وجود أمني ملاحظ، وصل حسن وبسرعة توارى في غرفة زوجته، ساعة أو أقل و جيء له بالبشارة:

- مبارك قدوم منتظر 

كان حسن ينتظر زوجته ووليدها بفارغ الصبر، وبمجرد أن دخلت لغرفتها تحيطها أسرتها، وجدت زوجها بانتظارها، تبسمت بوجهه:

- لم يخبروني أنك هنا

- لا يمكن إلا أن أكون هنا يا أم منتظر، كيف حالك؟

- لا تسألني فمنذ دقيقة كنت أوشك على احتضان الموت

- لا بأس عليك وأدامك الله لي ذخرا وسندا

قطع حديثهما صراخ الطفل، وكأنه ينبئهما أن حياة جديدة صارت تشاركهما، نظر حسن اتجاه ولده ومد يده ليحمله:

- بسم الله ما شاء الله، اللهم صل على محمد وآل محمد، كنت واثقا أني سأحملك في ساعاتك الأولى، سأذهب للعم فضل لأخبره بأن لطف الله ما زال يحيطني وها أنت يا صغيري بين يدي.

التقط أذني طفله وصار يهمس فيهما بالأذان والإقامة، لم تتمالك زهراء نفسها، وصارت دموعها تسيل على خديها فرحا، إنّ السعادة شعور داخلي يتفوق على كل الظروف الخارجية، من الذي يعتقد أنه قادر على سلب الطمأنينة من نفس الطفل منتظر بينما يحيطه والده بذراعيه؟ من الذي يستطيع نزع الفرح من عمق زهراء بينما يقف أمامها زوجها محتضنا ابنهما؟ من الذي يستطيع ان يقتل حالة الغبطة التي تحيط بحسن وهو يوزع نظراته بين زوجته التي اختارها واختارته وبين طفله الذي وهبه إياه الباري؟! أحاطت الأسرة الكبيرة بالأسرة الصغيرة التي للتو تشق طريقها في الحياة، وصار الطفل منتظر ينتقل من يد ليد، بينما غاب حسن بسرعة عن تلك الغرفة، وكأنه حلم جميل مر بسرعة، تاركا لمساته على ابتسامة الجميع.


في هذه الأثناء بدأ خبر وصول الطفل منتظر ينتشر بين الناس، وصارت باقات الورد تصل لغرفة زهراء، مرة باسم الحراك الشبابي في قريتها وأخرى في قريته، الكثير من الوجوه الباسمة أحاطت بها، ورغم أنها كانت تراها للمرة الأولى إلا أن تلك الوجوه شاركتها فرحها بكل صدق وحب. مع ساعات الليل الأولى بدأ الهدوء يحل على غرفتها وعلى عموم المستشفى، طرقات خفيفة على باب غرفتها أيقظتها، ولأن الوقت لم يكن وقت زيارة فقط طلبت من شقيقتها التي تبيت معها أن تناولها حجابها وتفتح الباب، فتحت الباب فاندفع للغرفة مجموعة من المدنيين الذين كان يضعون سلاحا صغيرا بجيوبهم ليظهر منها آخرها:

- حمد الله على السلامة أخت أم منتظر

بحزم أجابتهم زهراء:

- خيرا؟

- جئنا نبارك لك مولودك وننصحك أن تطلبي من زوجك أن يسلم نفسه لا نريد أن يتربى الطفل بينما يداهم منزله كل ليلة، هل يرضيك أن يعيش طفلك حياة كهذه؟

- لا أملك أن أوصل له رسالتكم أما طفلي فكفيله الله يتولاه برحمته

بابتسامة خبيثة سألها أحدهم:

- هل يعقل أن زوجك لا يعرف عن ابنه؟ إذا كيف جاء للدنيا؟ أم أنه ابن .....

رفعت زهراء صوتها، وأشارت باصبعها للباب وقاطعته:

- ليس مرحب بكم هنا، اخرجوا

- سنقبض على زوجك وستربين هذا الطفل يتيما

بسرعة ركضت شقيقة زهراء للباب، فتحته وصرخت بوجوههم:

- اخرجوا من هنا شقيقتي متعبة


خرج الجميع من الغرفة، لكن حالة من الغضب تملكت زهراء، فصارت تزمجر وتضرب بيديها سريرها، أمسكت شقيقتها بيديها وهمست بأذنها:

- لقد ولوا الى غير رجعة إن شاء الله، اهدئي يا أختي فهم يريدون أن يتركوك بهذه الحالة، اللهم صل على محمد آل محمد

احتضنت زهراء وليدها، وصارت تحملق بوجهه البريء فعادت البسمة لمحياها:

- لا بد أن تمتلئ فخرا لأنك ابن لرجل قد أثار جنون هؤلاء الحمقى.


لاحظ حسن أن فضل مشغول جدا بالهاتف، على غير المعتاد، فوجد أن من الواجب عليه أن يحذره وإن كان يعرف أن فضل إنسان حذر جدا:

- فضل يبدو أن هناك أمر يشغلك لكنك أكثرت من استخدام الهاتف يا صديقي

- أطمئن

- سأطمئن لكن احذر

- لا تخف مجرد موضوع مهم أناقشه مع شريفة

- امممممم شريفة؟ جيد

- لماذا تبتسم هكذا؟

- لا شيء يا صديقي


يبدو أن السعادة اليوم هي سيدة الموقف، فمع إنجاب منتظر عادت شريفة لخارطة الحوار مع فضل، إنها تعتبر كل يوم مر دون أن تتواصل معه وكأنه يومٌ خارج حدود العمر، أيام وساعات ضاعت سدى، إنهما يتنقلان من موضوع لموضوع، ومن نقاش لآخر، وكأنهما كانا محبوسين وللتو أفرج عنهما، عادت الابتسامة لمحيا شريفة، حتى أنها توجهت لأمها لتحتضنها:

- ماما مهما حدث أرجوك لا تحرميني دعائك أبدا

- أنا لا أدعو إلا لك أنت وشقيقك، كم أتمنى أن أراكما سعداء

- حقا ماما؟

- طبعا يا حبيبتي

- حتى لو كانت سعادتي في أمر لا ترضينه؟

- ماذا تنوين يا شريفة؟

- لا شيء ماما أنا فقط أتساءل

- لست راضية عن انغماسك بأسلوب الحياة الذي يعيشه خالك وبناته لكني أشعر بالارتياح حين أراك مرتاحة

- ماذا لو ....

- ماذا لو؟؟؟ أفصحي

- ماذا لو اخترت زوجا غير ما تبتغين؟

- شريفة!!! هل حقا تفعلين؟؟؟!!!

- ما بالك يا أمي؟ لماذا ترضين لنفسك ما لا ترضينه لي؟

- وما الذي رضيته لي دونا عنك؟

- لقد اخترت والدي الذي حذرك أهلك من مغبة الارتباط به، لكنهم تفهموا اختيارك ولم يرفضوا زواجك ورغم ذلك تركتهم إرضاءً له، تعرفين ماما؟ أعرف أني لو اخترت رجلا يوما ما ورفضه والدي فستتركيني ارضاء له أيضا! هنيئا لك بأهلك وتعسا لي بأهلي.


تركت شريفة والدتها حائرة في دوامة بوحها، أدركت الأم أن شريفة تشعر بالوحدة، بل أكثر من ذلك أنها تشعر باليتم! منذ أنجبت هذه الطفلة وهي تحاول أن تحتضنها كما فهد، إلا أنها كانت ولا زالت طفلة هادئة كتومة تخبئ بداخلها ثورة! وضعت الأم سؤال ابنتها أمامها، وصارت تسأله لنفسها مرارا وتكرارا : "ماذا لو قررت شريفة أن تتزوج رجلا من اصدقاء شقيقي علي كما فعلت عمتها!! ماذا عساي أفعل؟ لقد كاد أبو فهد أن يقتل شقيقته حينها، ولولا أن زواجنا كان حديثا فألقى عليه الحجة لما سكت عن ذلك أبدا، فهل سيسكت اليوم؟؟ ماذا عنك يا أم فهد؟ اتركي أبا فهد قليلا واسألي نفسك ماذا عنك؟ هل ستقبلين؟ هل ستحاولين إقناع أبي فهد؟ هل تجرئين على ذلك أصلا؟!!! أجوك يا شريفة لا تفعلي ما فعلته أمك فأنا لست أمي وشقيقك ليس علي!"


عادت شريفة لغرفتها غاضبة، لم تكن تخطط أو تتوقع أن يدور بينها وبين والدتها هذا الحوار، لكنها صارت تتمتم لنفسها "اننا نعيش حياة تمتلأ بالأنانيين، كل يريد أن يعيش حياته كما يختار، لكنه يرفض أن يعيش غيره الحياة التي اختارها، من قال أن الأمومة أفضل حالا من بقية العلاقات!! ها هي أمي تعيش الأنانية في أوضح صورها!" تحادرت دموعها على خديها "لماذا لا أختار أنا أيضا حياتي؟!" حملت هاتفها وكانت للتو قد تلقت من فضل رسالته:

(تعرفين أن الانسان يعيش في حالته الفردية، لكنه أيضا يعيش كفرد ضمن عقل جمعي يحكمه، فكيف قررت أن البشر كلهم أنانيون؟ أليس في إقراره بمصلحة مجتمعه ايثار؟)

قررت شريفة أن تقطع نقاشها معه لتسأله سؤالا واضحا وصريحا:

(فضل .. لم أعد أٌقوى على المكابرة أكثر .. هل تقبل أن أسألك سؤالا؟؟)


ألتقيكم في الحلقة القادمة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...