ابحث في مدونتي

السبت، 7 فبراير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (22)


 
 
 
بسرعة دخل الحاج علي ليوقف أصداء الأهازيج التي ارتفعت في منزله:
 - زهراء هناك أمر قد حصل ..
- ما بال حسن يا أبي ؟؟ ما بال حسن !
 
- لقد قبض على قارب يمتلئ بالشباب المطلوبين
 
- لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، أخبرني يا أبتي إن كان حسن من ضمنهم؟!
 
- لقد حاولت التواصل مع فضل لكنه لم يجبني!
 
لحظات صمت مرت على الأسرة، صاروا يتابعون الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عدد الشباب الذين تم اعتقالهم يزداد كل حين، شباب بعمر الزهور ركبوا قوارب نجاة من بطش الظالم في وطنهم، وتوجهوا ليبحثوا عن أرض يشعرون فيها بالأمان، فكان سالبوا الأحلام لهم بالمرصاد. بعضهم مرضى وآخرون أنهكهم التواجد في غرف التعذيب، إلا أن اسم حسن لا يتواجد بينهم حتى الآن! شق صمت الأسرة صوت نغمة الرسائل، انقض الحاج علي على هاتفه، لعلها تكون رسالة تطمئنه على وضع حسن: (أنا في المنزل لم أخرج منه)
 
رسالة من حسن، أنهت ساعات من القلق لكن الحزن لم يغادر قلب هذه الأسرة، فعدد الشباب المعتقل كان كبيرا نسبيا، وأغلبهم شباب أنزل بهم قاض ظالم أحكاما مجحفة ما أنزل الله بها من سلطان، لم يقدِّر الله لهم أن يبتعدوا عن بطش الظالم، بل عادوا للمصير الذي هربوا منه، ولعل في ذلك حكمة لا يعلمها إلا هو.
 
لقد كان حسن عازما على اللحاق بهذه المجموعة، إلا أن العدد الكبير للمغادرين، وبعض الإجراءات التي لم تريحه أصابته بالحيرة والقلق، وفي اللحظات الأخيرة أمسك كتاب الله واستخار الباري في أمر اللحاق بهم، فكانت الخيرة حاسمة في نهيها، فتركها حسن واستلقى على فراشه، لم يتكبد عناء إخبار زوجته والحاج علي بأمر تراجعه عن السفر، ذلك أنهم لا يعرفون كيفيتها ولا موعدها، ثم أنه وإن لم يكن مطمئنا من عدد من الأمور التي رافقت تلك العملية، إلا أنه لم يكن يتوقع أن تسفر عن اعتقال الجميع!
- يبدو أني سأتراجع عن قرار السفر .
- بسبب اعتقال الشباب؟
- لا بد أن الأمر سيغدو الآن أكثر صعوبة
جاء الحاج علي ليطمئن على الشابين، خصوصا بعد تلك الحادثة التي أقلقتهم وأحزنتهم، فأخبر حسن عمه أنه قد فُل عزمه في مسألة مغادرة البلاد
 
- يا ولدي يقول الله سبحانه وتعالي : (يا عبادي الذين آمنوا إنّ أرضي واسعة فإياي فاعبدون) ليست الهجرة آخر الدنيا ولا بد أن تكون لك عودة بإذن الله
- لماذا أراك مشجعا عليها؟
- لأنك هناك ستتمكن من العمل بحرية أكبر، نحتاج لشيء من الحرية في عملنا ونضالنا
- إذا اقنع فضل بالسفر..
ضحك الاثنان بذكر السفر لفضل، ذلك أنهما يعتقدان أن لفضل مآرب أخرى من بقائه! طلب فضل من الحاج علي أن يحدّثه على انفراد، فصار حسن يمازحه:
 
- تنفرد بعمي عني؟!
- ربما أعلمك بسر جميل بعد حين
- لا أحتاج لك لتعلمني بسرك .. فقلبي دليلي يا ابن خالتي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
دخل الحاج علي مع فضل للغرفة، اعتقد أنه يريد أن يتمّا الحوار الذي كانا قد بدآه، فبادر الحاج علي بالحديث:
- يبدو أنك تريد أن تعرف بقية الموضوع السابق؟
- يا حاج علي أولا أن تختارني زوجا لأي امرأة في الدنيا فهذا أمر يدعوني للفخر، كما أني اثق جدا بخيارك الا .....................
- لم أختر لك يا فضل لكني فعلا أجدك رجلا مسؤولا
- لم تختر لي؟ إذا ما كان موضوع الخطبة الذي أخبرتني عنه؟
- إنه خيارك وخيارها ووددت أن أضع حدا لتردد كليكما في الأمر، فإما أن تنفذا ما تريدان أو تنسياه
- إذا فكنت تعني ..... ؟
- شريفة وأنت
- عمي .. هل يمكنني أن أطلب يدها منك؟
- إذا أنتما متفقان، هل تدرك عواقب زواجكما وصعوبته؟
- أدرك أنه لن يكون زواجا يسيرا وأظن أن حياتنا تستحق أن نناضل في سبيل بنائها متصلة بالحياة الخالدة ما بعدها
- على بركة الله
 
عاد الحاج علي لمنزله وهو يفكر في تنفيذ القسم الثاني من خطته، خطة إنهاء عذاب شباب يراهم روحه التي بين جنبيه، لقد كان يتوقع أن يُقبل الشابين على الزيجة بنسبة ثمانين في المئة، تاركا العشرين الأخرى في مصلحة تردد أحدهما أو كلاهما. قبل أن يعود لمنزله طلب من شيخة وزوجها (صديق حياته) الحضور للمنزل مساءً لتناول وجبة العشاء، كما طلب من شريفة الحضور فورا للمنزل.
 
كانت شريفة هذه المرة، تعرف سبب استدعاء خالها، دخلت يكسوها الخجل والفرح، تتخطى صالة المنزل وصولا لمكتبه، بينما زهراء تصفر وتصفق وتهمس وتصرخ فرحا، وشريفة تحاول إسكاتها ضاحكة، سلمت على خالها وجلست أمامه مطأطئة رأسها، تبسم الحاج علي طالبا منها أن ترفع رأسها عاليا، وأن تكون مستعدة لكلام جاد لا يمكن تأجيله، رفعت شريفة رأسها مترقبة:
- ماذا هناك يا خال؟
- فضل طلبك مني زوجة ولأني أعرف رأيك مسبقا فلم أطلب منه مهلة، لكني أحتاج لتأكدي لي قبولك أو رفضك
- أنا موافقة
- وكيف من الممكن أن يتم زواجكما؟ كيف ستتم خطبتك؟ وكيف ستعلمين أهلك؟ وكيف ستواجهين رفضهم في حال رفضوا زيجتك؟
- بالطبع سيرفضون زيجتي، ولا أجد أني مضطرة لإخبارهم بما عزمت عليه، أنا قادرة على تزويج نفسي دونهم
- لكن هناك أصول وأعراف لإتمام أي زيجة يا ابنتي
- إن كانت الأعراف ستمنع أمرا يحبه الله فلمن الغلبة يا خالي؟
- ستتزوجين سرا يا ابنة أختي؟
- فكرت كثيرا في الأمر، قلّبته على كل اتجاه، حدّثت أختك بشكل غير مباشر، لا أمل لي بالحصول على رضاهم يا خالي، فلم أعيش حياتي بشقاء؟
- إذا اسمحي لي أن أتبع الأصول
- حتى وإن كان ذلك يعني اغتيال روحي؟
- من قال أني من الممكن أن أسمح باغتيال روحك؟ دعي الأمر على خالك .. أعدك أنك ستكونين زوجة لفضل إن شاء الله وببركة محمد وآل محمد
 
لطالما تملّك شريفة شعور بسوء طالعها، إلا أنها تعتبر هذا الخال الجانب المشرق من طالعها في الحياة، إنه يجيد رسم الابتسامات على وجهها، بل على قلبها: "كيف شاء الله له أن يكون برجاحة العقل هذه، وباتساع القلب هذا؟ هنيئا لبناته أبا كأبيهن، يجيد محاورتهن، يضع أمام أعينهن عواقب أفعالهن، يربيهن على المبادئ والقيم ويتركهن لاختبارات الحياة، يطلق أيديهن إلا أنهن دائما ما يعدن اليه، لا يمكنهن الاستغناء عن عقله وروحه وحنانه" تركت شريفة خالها مطمئنة واثقة أنه الانسان الذي سخره الله سببا لسعادتها في هذه الحياة.
 
بمجرد أن أنهت الأسرة وجبة العشاء، طلب الحاج علي من صديقه والعمة شيخة أن يكونا معه في مكتبه، دخل الاثنان استجابة لدعوة الحاج علي، فبادر الزوج طالبا منه الاذن ليحدث شيخة في أمر مهم، وقد أبدى الزوج ثقته الكاملة في الحاج علي:
- لا تحتاج للاستئذان لتحدث أختك يا صديقي
- لقد اخترت أن أحدثكِ بصفتكِ العضو العاقل في عائلة أختي وشقيقك، أريد أن أخبركِ أمرا لكني أحتاج منك لكتمانه تماما، ومساعدتي على إتمامه وأثق انك لا تمانعين ذلك
- تفضل يا حاج علي أثق أنك لا تسعى الا للخير، هل يتعلق الأمر بشريفة؟
- يتعلق الأمر بشريفة وبالشاب فضل الذي تستضيفينه بكل شجاعة وجرأة
- خطبة؟
- يريد الشابين أن يتزوجا، وأنت تعرفين وضع فضل كما تعرفين صعوبة شقيقكِ وشقيقها، فماذا تقترحين؟
- ماذا عساي أقول يا حاج؟ لقد كنت أستشعر أن قلب شريفة يميل للشاب، وأعرف أنه شاب كفء لكن وضعه صعب جدا، كيف من الممكن تزويجهما؟
- إن كنت تعنين إنفاذ العقد فالأمر بسيط، لكني أعني أسرتها
- لن يوافقوا أبدا
- ذلك ما أكدته لي شريفة، فهلا وقفت في صفها؟ إنهما يمثلان لبعضهما أملا في الحياة ويعز علي أن يفقد الشابين آمالهما بينما نتفرج!
 
خرجت العمة من منزل الحاج علي حائرة، ما عساها تفعل وكيف تفكر؟ إنها تعرف معنى الصراع من أجل بناء حياة تختارها الفتاة رغما عن أهلها، ورغم أنها لا تحبذ هذا الصراع، إلا أنها تدرك أن عائلتها هي من أجبرتها وتجبر اليوم شريفة عليه، لقد عادت بها الذكريات لزواجها وزواج شقيقها أبا فهد، ففي الوقت الذي عارض الحاج علي يومها زواج أخته، إلا أنه لم يجبرها على غير ما أرادت، وشاركها أهلها فرحتها بحب وأمل، داعين الله أن يكون لها زوجا معينا على دنياها وأخراها. بينما وقف شقيقها ووالدها في حرب ضدها لأنها اختارت رجلا وجدته كفءًا لها، لا زالت تتساءل "لماذا لم تضع عائلتي العواقب التي رأتها في زيجتي أمامي؟؟ وتركت لي الخيار ثم شاركتني إياه؟!!" لا زالت علاقتها ببقية أشقائها على غير ما يرام، ولو لا الصداقة العميقة التي تربطها وأم فهد لما بقيت علاقتها بهذا الشقيق أيضا. يدرك زوجها حيرتها، لكنه يعرف عمق عقل زوجته، لا بد أنها ستتخذ القرار المناسب.
 
زهراء في غرفتها تحتضن طفلها واضعة رأسها في حضن شريفة، بينما تتوقع من المحامي اتصالا، فحسن لا زال يحاكم على ذمة قضايا مختلفة، لم تعد تهتم هي أو زوجها بتلك الأحكام، إلا أنها اعتادت أن يتصل المحامي ليعلمها بمستجدات محاكمات زوجها التي لا تنتهي، ففي كل قضية يزج باسم حسن فيها زورا وبهتانا، لم تَعدْ تَعدُّ سنوات حكمه التي ربما فاقت عمره بسنين عددا!!
 
لم تتلق زهراء الاتصال المتوقع من المحامي، بل تلٌقت خبر استشهاد شاب كان قد اعتقل من الزورق الذي كان حسن ينوي مغادرة البلاد على ظهره، شاب أعياه المرض وأنهكه التعذيب، حتى خر مريضا على سريره الأبيض يحكي قصة الإهمال والقسوة على رقعة جغرافية صغيرة المساحة، ضاربة بعمق التاريخ، تمتلئ بظلم الإتسان لأخيه الإنسان، يسفك على أديمها الدم بيسر وسهولة، يتجرع الكثيرون من أهلها الذل على يدي طغاة متجبرين!
 
 
تركت زهراء هاتفها وطفلها في رعاية شريفة، وصارت تبحث عن مساحة يمكنها الصراخ خلالها، يمكنها أن ترفع فيها قبضة يدها دون أن يتمكن خبيث من بترها! صارت تهتف عاليا، يا منتقم يا منتقم يا منتقم، يهتف معها الرجال والنساء، الأطفال والشباب. بعد حين خرجت شريفة تبحث عن ابنة خالها، فهي تدرك الحالة التي تعتري زهراء كلما سقط شاهد على الظلم في هذه الأرض، صارت تفتش عنها في طرقات القرية، بينما أصوات الطلق تدوي في كل مكان، ورائحة الموت تنتشر بين ذرات الهواء، رن هاتف زهراء وكان المحامي هو المتصل، ردت شريفة على الاتصال:
- أهلا حضرة المحامي.. أنا ابنة عمتها يمكنك إخباري وسأحمل رسالتك لها.. ماذا تقول؟!!!! ماذا يعني هذا الأمر؟؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله
 
 
 
 
 
 
 
ألتقيكم في الحلقة القادمة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...