ابحث في مدونتي

الاثنين، 23 فبراير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (34)

تأخر الحاج علي في العودة لبيته، بينما من الواضح لأبي فهد أن حركة غريبة لا زالت تحصل بالقرب من البيت. فتح الباب مجددا وتقدم خطوات قريبة وصار يراقب الوضع من بعيد، أثناء انتظاره عادت زوجة الحاج علي وبناتها ترافقهن أم فهد، دخلن مسرعات للبيت، بينما كانت الفتيات تصرخن لهول ما رأين، وضعت زهراء منتظر في حضن والدتها، وأسرعت لوالدها. بمجرد أن اقتربت أم فهد من الباب وجدت زوجها واقفا هناك، مشغولا بمراقبة الخارج، بقيت واجمة تنظر اليه، بينما كان المنظر أمامه قد أشغل حواسه، فلم ينتبه لها.
ركضت زهراء باتجاه والدها مسرعة، كانت الدماء تملأ المكان، حتى ثلاجة السمك الموضوعة على الرصيف! وكان جارهم واقفا مذهولا وثيابه تقطر دما!! بينما العسكر يحيطون بالمكان، لقد لاحظت زهراء وشقيقاتها أن العسكر كانوا يركضون بينما يحملون طفلا!! ويبدو أنه جارهم، كان الحاج علي صامتا ينظر للجار وهو قلق عليه:
- بابا ماذا حصل؟ لماذا تغطي الدماء المكان؟ ومن الطفل المحمول هل هو ابن الجيران؟
نظر اليها بعينين متألمتين :
- سأذهب اليه .. لقد أطلقوا باتجاه طفله ثم حملوه معهم
تقدم الحاج علي لجاره، وضع يده على كتفه، بينما كان الرجل يردد "قتلوه قتلوه قتلوه" هدأ من روعه :
- لقد شاهدته وهو يتكلم ويبكي .. اهدأ ولتقم معي لنذهب للسؤال عنه
- طلبوا مني الرحيل، يريدون ملاحقة الشباب الذي كانوا يهتفون في مسيرة، أخبرتهم أن على الرصيف الكثير من اشيائي وأحتاج وقتا لجمعها، لكنهم لم يمهلوني، أطلقوا النار باتجاهي وصار طفلي يصرخ، كنت اقول لهم لا تقتلوا طفلي لكنهم لا يسمعون، كيف يفعلون ذلك؟ ألم يروا أنه طفل لم يتجاوز الخامسة؟ هل كان علي أن أتحدث معهم بلغة أخرى؟ ماذا أفعل الآن؟ أين أخذوا طفلي؟ هل سيخفونه كما أخفوا أبنائنا سابقا؟
صارت زهراء تبكي. كيف للانسان ان يتحول لآلة قتل بشرية؟ فيغمض عينيه وقلبه وحواسه، ويعطل عقله ويطلق العنان لعضلاته وأسلحته؟؟! لسنا في ساحة حرب! حتى ساحات الحرب يبعد عنها الاطفال، ويستثنى منها الصغار؟ فلم لا يستثنى أطفال هذا الوطن؟ ولم يعاقبون منذ طفولتهم لأنهم ولدوا من رحم هذه الأرض العصية عليهم؟!! ان كان ذنبا للكبار؟؟ فما ذنب الصغار!
كان منظر الدماء المتناثرة، ينبؤ بحجم الكارثة، اصابة مباشرة في العين، هكذا شخصت حالة الطفل أوليا، طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره، كان يلهو بالقرب من بسطة والده بائع السمك، يحاول أن يعيش رغم الفقر رغم الألم طفولته التي لا بد أن يعيشها، لم يكن يعرف أن ألف باء الطفولة تختلف من رقعة جغرافية لأخرى، وعلى أرضنا وفي داخل رقعتنا الجغرافية، يعيش الأطفال ألف باء طفولتهم بين الغازات الخانقة ورصاصات اقتناص الطيور، تقتنص أرواحهم وأبصارهم أحيانا!!!
عاد الحاج علي لبيته، بينما لا زال أبو فهد واقفا هناك، يسمع حسرة أب على طفله، يقرأ على قسمات وجوه كل الأهالي الذين تجمعوا سؤالا مشروعا لا اجابة له، "لماذا؟" لماذا تغتال طفولة أبنائهم؟ لماذا تهتك حرمات أعراضهم؟ لماذا تسفك دمائهم؟ لماذا لماذا لماذا؟!!
نظر الحاج علي لأبي فهد نظرة جادة، لم يكن يريد أن يُقرَأَ في عينيه الألم، بل الشموخ والقوة، رغم كمية القهر والغبن الذي شعر بها الحاج علي تجاه أبا فهد آنذاك، الا أنه طلب منه بكل رباطة جأش أن يتفضل لمكتبه. لم تدخل أم فهد للمنزل الا بعد أن غاب زوجها بالداخل مع شقيقها، وبعد ان استقبلت زهراء وهي منهارة :
- اهدئي يا زهراء .. عرفت أنك أقوى من ذلك
- تخيلته منتظر يا عمتي .. مم خلق هؤلاء؟ لماذا اعتدوا عليه؟ .. ليس سوى طفل.. ولطالما لهى في باحة منزلنا ببراءته أو جاءنا لاستعارة شئ لأهله!!
لقد توجهت زهراء بالسؤال للشخص الخاطئ، فأم فهد لا تعرف الاجابة؟؟! أو ربما ليس باستطاعتها أن تعبر عن الاجابة التي تسكنها، فرغم أنها صارت تتفهم بعض الشئ الا أن تركيبتها لم تعد تشبههم ، وعباراتها صارت غير مفهومة لهم:
- لم أشأ أن أرى ذلك .. بل لم أشأ أن يحصل .. كان الله في عونه وعون محبيه

هدأت الأصوات خارج المنزل، وخيم السكون داخله، كانت كل الدنيا مذهولة من وحشية بني الانسان! كيف سينشأ الطفل الذي أصيب لأنه كان يلعب؟!! أصار اللعب واللهو جريمة توجب العقاب؟!! كيف من الممكن ان يشعر طفل كهذا الطفل بالأمان مرة أخرى؟ كيف سيشق طريقه في دروب الدنيا، ان كانت ملغمة بآلات القتل البشرية؟؟! أسئلة كثيرة كانت تقتحم نفوس الناس، غضب شديد كان يسكن أرواحهم، لكنهم لا يملكون الا الصبر والمقاومة والابتسامة، يسبق ذلك كله أمل صار يستغرب كثيرون أنهم لا زالوا يمتلكونه!
أجلس الحاج علي أبا فهد في مكتبه، معتذرا عن الفوضى التي تسبب بها "أصدقائه"، تبسم أبا فهد من تعبير الحاج علي:
- يبدو أنك ستعاقبني على ما جرى بالخارج..!
- لا يا أبا فهد .. فسياسة العقاب الجماعي ليست سياستنا .. أنا فقط وصفتهم .. أليسوا زملائكم في العمل؟ وأصدقائكم في مدينتكم؟
- دعنا من ذلك كله .. جئتك في أمر محدد
- أرى أن بينكم عشرة عمر .. والأولى مراعاتها يا أبا فهد .. أختي هنا في بيتها معززة مكرمة.. لكن لا يرضيني أن تنتهي كل سنواتكما الماضية بسبب أمر لا ذنب لها فيه
- اذا انت من زوجت شريفة لهذا ....
- أبا فهد .. شريفة على أعتاب عامها الثلاثين ان لم تجتازه .. وهي أمرأة ذات تجربة وشرعا .. هي من زوجت نفسها .. لا يملك أحد ان يمنعها أو يجبرها .. حتى أنت فيكف بأختي!!
- لكنها علمت بذلك .. فالتزمت الصمت!!!
- هل كنت تنتظر أن تأتيك بسلاحك لتوجهه الى صدر شريفة؟؟ انها أم يا أبا فهد .. ولا يهمها في الكون سوى سلامة بيتها وعيالها!! ما لك كيف تحكم؟ أكان حلال عليك أن تنزع أختنا منا؟ ومحرم عليها أن تلتزم الصمت لتحفظ أمن ابنتها منك يا أبا فهد؟ هي أكثر انسان في الكون يعرف كيف كان من الممكن أن تتلقى خبر زواج شريفة .. انها لا تأمنك رغم حبها لك وثقتها في تعلقك بها..
- اسمعني يا حاج علي ...
- اسمعني يا أبا فهد .. لم أحضرك هنا لأترجاك أن تعيد أختي .. أنا أفعل ما يمليه علي ضميري .. وأحاول اصلاح ذات بينكما .. انها فرصتك أنت .. استثمرها أو ضيعها .. هو شأنك
- ما رأي أم فهد في هذا الكلام؟
- انه رأيي .. ولها أن تقبله أو ترفضه هي أيضا .. لم أحضر أيا منكما لأجبره على أي خيار .. ان شئت دعوتها اليك ... فإسألها .. وأكون قد أرحت ضميري للمرة الثانية في تعاملي معكما .. كلاكما
صمت ابا فهد مدة، لم يعتقد أنه سيصطدم هكذا بالحاج علي، ظن أن أم فهد هي من ستستقبله ربما، وتطلب منه أن يعيدها، لكنه يعتقد أن الحاج علي محكم على زمام الأمور، فطلب زوجته لعله يفوز على الحاج علي في هذه الجولة أيضا!
دخلت أم فهد شامخة الرأس، سلمت عليه شفهيا، وجلست أمامه مباشرة:
- أهلا أبا فهد .. أخبرني شقيقي أنك تريد محادثتي
- بيتك مظلم دونك يا أم فهد
- اطلب من فهد أن ينيره لك
لم تكن أم فهد قادرة على رسم بسمة أمامه، للتو شعرت أنها حانقة عليه، كيف سمح لها بالخروج من منزله؟! كيف كان باستطاعته أن يتجاهل غيابها؟ ولم كان يحتاج أن يدعوه شقيقها حتى يأتيها؟ ظنت أن اليوم الذي تخرج فيه من بيته، سيكون آخر يوم سعادة له، لكنها كانت واهمه، فأبو فهد أقسى مما كانت تتصور! لطالما قالت لابنتها أن والدها يظهر القسوة، بينما يكتنز حنان الدنيا، فأين حنانه اليوم؟
أبو فهد كان ينتظر أن تستقبله زوجته وهي راجية متأملة أن يرضى عنها، ظن ان استقبال الحاج علي كان تحت الحاحها لا بقناعته! لكن يبدو أن ثمة ما طبع بقلب هذه المرأة، يبدو أن أبا فهد غفل عن معنى جرح قلب امرأة!
يخطأ في حساباته من يعتقد أن جرح المرأة سهلا يسيرا، انها تحتضن داخل قفصها الصدري قلبا رحيما يجيد الغفران، لكن متى ما حاول أحدهم أن يفقأ عين هذا القلب، فستدافع عنه بكل شراسه، وستنصب حوله شركا ينتف ريش كل طائر يحاول الاقتراب منه؟! ستقيم من حوله خنادق من لهب ونار ليحرق كل من يتجرأ على النظر اليه فضلا عن محاولة نهبه! تحول ابا فهد من لهجة المتعالي الى لهجة الزوج، والتي يجيد بها مخاطبة أم فهد :
- لنعد لمنزلنا يا أم فهد
- أهو منزلنا حقا؟
- ولن يكون الا منزلنا ...
- ماذا عن ابنتي؟ ماذا لو أرادت زيارتي وأردت زيارتها؟
انتفض أبا فهد غاضبا، ووقف على رجليه:
- هل تتحديني يا أم فهد؟
بقلب متألم نظرت اليه:
- وهل في كوني أما تحديا اليك؟؟ ان كان تحديا فأنت من خلقت هذا التحدي لا أنا
- باختصار شديد .. أخبريني ماذا تريدين؟
- لا اريد أن أخسر أيا منكم .. لا أنت ولا فهد ولا شريفة ... ولا عائلتي هذه .. !
- لكنها ابنة عاقة .. لقد استبدلتنا بعائلة جديدة
- أكان زواجي منك استبدالا لعائلتي؟ ألهذا منعتني عنهم؟ ألهذا قطعتني عن زيارتهم؟؟
صمت أبا فهد، هو لا يملك مبررا لما فعل، الا أنها سمحت له بذلك ..  فأجابها:
- طلبت منك أن لا تزوريهم فحسب .. لم أجبرك
ضحكت أم فهد باستهزاء:
- طلبت مني أن لا أزورهم وطلبت أيضا أن لا يحضرون للمنزل .. بالله عليك ماذا تسمي ذلك؟؟؟
- دعينا من الماضي .. نحن في يومنا هذا
- باختصار شديد .. قد أقبل العودة للمنزل لكن بشرط أن أكون سيدة علاقاتي .. فابنتي ستظل ابنتي أزورها وتزورني .. وأنت من تضمن لي سلامتها منك ومن فهد .. كذلك أريد أن أعود لمنزل شقيقي ... لقد وجدتهم بعد أن فقدتهم ولا اريد خسارتهم
- وهل تريدين خسارتي؟
- بل أريدكم جميعا .. لكنك مصر اما أن تمتلكني أو تبيعني .. وأنا لست ملكا لأحد
- .......
- أَبَيعٌ يا أبا فهد ... أم شراء؟
نظر اليها طويلا، ما شاهده بأم عينيه منذ قليل، هو واقع عائلتها الذي يعتقد أنه أنقذها منه، لقد انتشلها من قرية فقيرة مهمشة، لم يكن أهلها قادرون على الانفصال عنها، رغم سكنهم بمنطقة أكثر هدوءً، وها هم قد عادوا اليها بعد حين!
- لن تتمكني من العيش هنا
- لقد كنت قادرة على العيش معك .. فكيف أعجز عن العيش معي أهلي؟!
- عودي يا أم فهد .. عودي ..
- وابنتي؟ وأهلي؟
- سنتفق بعد ذلك ..
- لا يا أبا فهد .. احتاج منك موثقا
بانت علامات الغضب على وجهه، لم يعد معتادا على أن تكسر له زوجته كلمة! لقد كانت ذات فكر نير، واضحة البيان، صاحبة رأي، لكنه أجاد ترويضها، حتى لم تعد قادرة على الاختلاف معه، مسح شخصيتها تماما، وصارت تفكر من خلاله وبعقله ووفق مبادئه، أهذه معجزات الحب؟! أن نتنازل عن أنفسنا؟! أن نسمح باهدار كراماتنا؟ أن نتنازل عن عقائدنا!!! انه الموت بدعوى الحب! وربما أخيرا استفاقت أم فهد من غيبوبة موتها!
كبح أبو فهد جماح غضبه، بدأ يعيد الهدوء لنفسه "لن تستفيد شيئا من غضبك .. لا بد أن تعطيها ما تشاء الآن .. ثم لكل حادث حديث"
- لنعد للبيت .. أعدك أننا سنفكر معا .. كسابق عهدنا .. ونتخذ القرار معا أيضا
- لا أريد منك قرارا .. لقد اتخذت القرار .. أحتاج منك لامضاء .. اما معه أو ضده
ضرب أبو فهد الطاولة بكل قوته، حتى كادت أم فهد أن تقفز من مكانها، لكنها تماسكت تماما، تعرف أن أي رسالة ضعف أو خوف ستتسبب باستقواء زوجها، ابتسمت له ثم أخبرته أنها على موعد مع شريفة، وانها ستنتظر منه ردا، وأملها فيه الى خير. استأذنت منه وأمام ذهوله خطت للخارج بكل ثقة.
بمجرد أن خرجت أم فهد، عاد الحاج علي لمكتبه، قرأ في مشية أم فهد "انتصارا" لكنه لم يعرف نوعه، وقرأ في عيني أبا فهد التي كانت تصدر شررا "هزيمة" لكنه أيضا لم يعرف نوعها، ظل واقفا أمام زوج أخته، لا يدري أينتظر الرجل زوجته أم ينتظره، أمام صمت أبا فهد، بادره الحاج علي:
- اذا ... الى ما توصلتما؟
- يبدو أنك دربتها جيدا يا علي ... وستدفع الثمن غاليا ..!!
غادر أبا فهد، لكنه ترك في منزل الحاج علي، غروره الذي شكته أم فهد للتو بابرة اصرارها.
كان قلب أبي فهد يمتلئ حنقا "ما الذي حصل لزوجتي؟ أيعقل أن بقاءها هذه الأيام بمنزل شقيقها أعادها للحظة الصفر؟ لا يمكن أن يكون الأمر هكذا!! ان هناك سرا لا بد أن أعرفه!"
يعتقد الكثيرون أنهم قادرون على إفراغ عقول الآخرين بسحر كلماتهم الرنانة، حين يُلبسون الباطل حقا، وحين يزمجرون بالحق امعانا في تثبيت الباطل. ينسون أن الانسان السوي لا بد أن تكون له لحظة يقظة، وحين يقظته لن يرحم المخادعين والكاذبين، سيلوح عند وجههم تماما متحديا ارادتهم الكاذبة، وسيغرقهم في أوهام لطالما أغرقوه فيها قبل أن يستيقظ.
بقيت صورة الطفل المصاب، عالقة بذهن أبي فهد، كان ينتظر أن تكون سببا لترتعب زوجته من البقاء في منزل شقيقها، وتعود لبيته الهادئ هاربة من واقع مزري يعيشه أبناء القرى. بقيت بعمق عقله اللاواعي متشبثة ببقايا انسانية تكاد أن تندثر تحت نواياه وظنونه السيئة وبقبر أنانيته، صار يضع رأسه لينام ليلا فيقتحم نومه صوت بكاء الطفل، وهو ينظر اليه مادا اليد نحوه!! فيستيقظ هاربا من ذلك البكاء!
استمر به الحال يوما ويومان وثلاثة أيام، حتى لم يعد قادرا على النوم أو الاستيقاظ، صار يقترب من حالة جنون لا يعرف لها سببا! لم تكن تلك الاصابة الأولى التي يعرف عنها أبا فهد، لم يكن ذلك الواقع الانساني الصعب، ببعيد عن علمه ومعرفته، لكن أمرا رسخ في عقله وقلبه حين وجد المشهد ماثلا أمامه. رجل وبجانبه ثلاجة سمك، يحاول أن يبيع ما يقدر على بيعه، ليطعم بثمنه طفلا يلهو بالقرب منه، انقض عليهما العسكر، وصاروا يطلقون أعيرة نارية حية، استقرت ببصر ذلك الطفل الذي لم يتجاوز الخامسة! من يستحق مثل هذه الحياة؟ وما جرم أهل هذه القرى؟ عادت لمخيلته صورا قديمة كان يضعها أمام عينيه الحاج علي في شبابه، صور لم ترسم بل كان يتخيلها والحاج علي يصف عذابات السجن اليه، ليسأله في كل مرة "أترانا نستحق ذلك يا جاري؟ أليس ثمن العدل أبخس؟" ومنذ ذلك الحين وأبا فهد يهرب من هذا السؤال، ها هو طفل في الخامسة من عمره يسأله " ترانا نستحق ذلك يا هذا؟ أو ليس ثمن العدل أبخس؟!" ليجد نفسه وبعد أكثر من ثلاثين سنة، هارب من اجابة بسيطة قد تبعده عن الكثير من الامتيازات، فيتشبث بها حتى يقضي على بقية انسانيته التي تذوي كل يوم أمام انكاره لعاطفته ومبادئه الفطرية، التي لا تقبل أن يهان انسان أمام انسان دون وجه حق! لا زال أبا فهد مصرا على الهروب من أن يقول كلمة حق يعرفها تماما "انما تسعون للعدل وكل انسان سوي يجب أن يسعى اليه معكم"!


ألتقيكم في الحلقة القادمة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...