ابحث في مدونتي

الأربعاء، 11 فبراير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (24)

خرجت العمة لخارج منزلها، ولكونها بكامل حجابها فقد تظاهرت أنها في طريقها للخروج لموعد ما، والتقت بأم فهد عند الباب .. رحبت بها:
- أهلا أم فهد .. أراكِ وقد جئتِ .. أتراكِ توصلتِ لقرار؟
- أريد أن أكون معها يا شيخة .. خذيني لابنتي
- من أحضركِ؟
- جئت بسيارتي .. هل نذهب بها؟ أفضّل أن نذهب بسيارتكِ .. أخشى أن يلمحها فهد أو أبوه بمكان ما
- سأسألكِ للمرة الأخيرة .. هل أنتِ متأكدة؟
- أكثر من أي شئ مضى
- حسنا .. تفضلي بالدخول لبيتي قليلا ..
- أريد أن نذهب يا شيخة .. الآن!
- لا بأس يا أم فهد .. ادخلي قليلا ..
دخلت العمة وأحكمت اقفال الباب، طلبت هاتف أم فهد وأغلقته وأبعدته عنهما، ثم طلبت منها أن تلحق بها، طرقت العمة باب الغرفة التي يتواجد بها الضيوف طرقات خفيفة، كان الجميع واقفون يترقبون مجيئها فقد تأخرت قليلا، بمجرد أن فُتح الباب طلبت منهم أن يرحبوا بأم فهد، وقفت شريفة على رجليها غير مصدقة، بينما تسمّر الحاج علي في مكانه، لا يتذكر هذا الرجل المرة الأخيرة التي التقى فيها بتوأمه! لقد كانت علاقتهما في الصبا مثالية تنبؤ عن أخوة صادقة، لكنها سرعان ما انتهت بزواجها! تسارعت دقات قلب شريفة بينما يراقب صفحة وجهها فضل، لقد أقلقته تغيرات وجهها فهمس للحاج علي "أرجوكم اسندوا شريفة .. أخشى أن تفقد وعيها" بسرعة جرت دموع شريفة على وجنتيها، للحظات ظنت أن عقدها سيتم على خير ما يرام، فما الذي أحضر والدتها؟! ولماذا أدخلتها العمة اليها؟؟ لحظات وارتسمت البسمة على شفاه أم فهد :
- مبارك زواجكِ ابنتي الحبيبة .. أيكم زوج ابنتي؟
لم تصدق شريفة كلمات والدتها، بينما لم تتمالك العمة نفسها فصارت تزغرد فرحا، قبل أن يسكتها زوجها، تحادرت الدموع على خد الحاج علي وزهراء وشريفة، خطت الأم خطوات ناحية فضل:
- أرجوك يا ولدي .. لا تجرح قلبها .. ولا تبعدها عن أسرتها
تخطت الأم الرجال وذهبت عند ابنتها واحتضنتها بقوة: "لم أكن أعلم أنه اليوم الموعود..عمتك ذكية جدا .. سامحيني حبيبتي لقد تأخرت عليك" لم تكن شريفة قادرة على الكلام، كانت مفاجأة أن تحضر أمها، ومفاجأة أكبر أن تبارك زواجها، وأن تسمح به بعيدا عن والدها وشقيقها فهد، ربتت العمة على كتف أم فهد:
- لم نبدأ بعد يا صديقتي .. كم تمنيت حضورك .. بل ونذرت لله أن تكوني بيننا ولم يخب رجائي
جلس الجميع وابتسامة ودمعة شكلت وجوههم، ابتسامة أمل ودموع فرح، للتو شعرت شريفة أنها امرأة محظوظة جدا، فقد تزوجت ممن تريد وبحضور ومباركة والدتها، جلست شريفة على كرسيها عن يمينها والدتها وعن شمالها عمتها ومن خلفها ابنة خالها وصديقتها، يقابلها رجل الدين ممسكا بكف خطيبها، عينها مركزة على خالها، لم تتوقف دموعه منذ أن دخلت والدتها حتى انتهت مراسم عقد القران. ربما كان زواجا من غير مدعوين، الا ان من حضر كان حاضرا بقلبه وروحه، ربما لم تكن صالة أعراس الا أنها تزينت بأمها وخالها، بمجرد أن انتهت مراسم العقد، توجهت أم فهد ناحية شقيقها التوأم:
- اشتقت لكم جدا ..
وهوت على جبينه تقبله، مسحت دموعه وطلبت منه أن يسامحها على القطيعة:
- وهل أملك الا أن أسامحك يا شقيقتي .. كل ما في الأمر أنه يعز علينا مفارقتكِ وما من جرم ارتكبناه بحقكِ
للتو تعرفت أم فهد بابنة شقيقها الصغرى، فقد ولدت بعد انقطاع أم فهد عنهم تماما، اكتشفت أن زهراء تشبه شريفة الى حد قريب. استشعرت الأم أجواءً أسرية كانت قد غادرتها طوعا أو كرها! " كم ظلمت نفسي!!!" هكذا كانت أم فهد تحدث نفسها، بينما جلس شقيقها علي وصديقتها شيخة وزوجها وهو صديق قديم لطالما تردد على منزلهم، يتحدثون تماما كما الأيام الخوالي! يمزجون الألم بالأمل والبسمة بالدمعه، لم تصدق أنها الوحيدة التي تغيرت وهجرت ودا قديما!!
بمجرد ان انتهت مراسم العقد، خرجت الأسرة الصغيرة لصالة المنزل، بينما أغلقت الأبواب على شريفة و ....... زوجها فضل، لقد كانت تبتسم كلما خاطبها فضل ب "ابنة العم" فترد عليه ضاحكة:
- لا تذكرني بعمك .. فالخوف يكبلني مع ذكره
ليضحك فضل مطمئنا:
- صرت في رعايتي بعد الله .. لا تخشي شيئا يا شريفة .. لا بد وأن تنتهي هذه المجازفات يوما.. سنتذكر زواجنا مستقبلا بينما نضحك .. وسنخبر أطفالنا كيف تم .. وكم تكبدنا العناء من أجلهم
رغم كل الخوف الا ان الطمأنينة حطت في قلب شريفة، ورغم كل الظروف القاسية الا أن الاستقرار شق طريقه الى روحها، ربما يكتشف أهلها يوما زيجتها، ربما يعتقل يوما زوجها، ربما تغادرهم على حين غرة، لم يعد ذلك مهما، مادام الأمل والعمل والدعاء موجودين، فلا بد أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. ستظل شريفة تدعوا الله أن يرعى زوجها وأن يجمع به شملها، وستأمن دعائها والدتها، وهل مثل دعاء الأم دعاء؟
عاد فضل لمستقره، يكسوه شعور بالرضا، ويملأه احساس التحدي، اليوم صارت هناك قضيتين تشغلان عقله وروحه وقلبه، وطنه وزوجته، مستقبل هذا الوطن وعياله الذين يرجوا أن يرزقه الله اياهم يوما ما، لقد اكتشف فضل أن بعض الأحلام تغدو لحقيقة أصفى وأجمل وألذ من الخيال، كم كان قانطا؟! كم صار خجلا من لطف الله ورعايته!! صار يتقلب ليلا لكن ليس من الخوف بل من فرط السعادة، وكلما قال "الحمدلله" شعر أن حَمّدَه يفتقر لِحَمْد حقا حقا.
كان حسن يلاحظ ارتياح ابن خالته، لقد كان يعرف معنى أن يحقق الانسان أمله في زوجة صالحة، لذلك ورغم أن فضل لم يكن يفصح عما في قلبه، الا أنه أدركه وشجّعه ليخطو لحلمه خطوات للأمام، كان فضل يضع العقبة تلو العقبة أمام تحقيق حلمه: "كيف أدفع مهرا؟ كيف أنفق على زوجة؟ كيف أقيم حفلة عرس؟ كيف ألتقيها؟ كيف أوفر لها فستانا؟ كيف اهديها ذهبا!!" كانت عقباته في معظمها مما لم ينزل الله به سلطانا!! ترى كم حلم اغتيل؟ وكم أسرة منعت من أن تبدأ حياتها تحت دعاوى كهذه!!! كم قلبا شعر بالتمزق وكم روحا ظلت تائهه لأنها لا تملك سعر حفلة؟!!!  وكأن العروس بضاعة تُدفع لمن يحقق أعلى صفقة شراء!! بينما اليوم الكثير من تلك العقبات تذللت، فمثلا توفر لفضل مكانا يلتقي فيه زوجته، وان باحتياطات أمنية يصفها أحيانا بأنها مفرطة! تساعدهما في ذلك أم فهد والعمة!
لقد أحبت أم فهد زوج ابنتها كثيرا، فروحه مرحة وكلامه مهذب: " لقد أجادت والدتك تربيتك يا فضل" فيرد عليها " وأجدتِ تربية شريفة يا عمة" فكانت تتمتم بداخلها " هل تراني حقا ربيتها؟؟ الحمدلله الذي منً علي بهذه الفتاة" لقد فهمت الأم شيئا فشيئا خارطة شريفة الداخلية، انها ليست فتاة متمردة بل انها فتاة كبرت لتدرك ما الحياة التي تريدها، ربما هي تشبه أمها يوم أن كانت شابة في مقتبل العمر، وقبل أن تسمح لأبا فهد بأن يسيطر على كل سلوكها، حينها صارت شريفة تشبه عمتها ذات العقل الراجح، والعزيمة الراسخة. صارت العمة شيخة كل فترة تدعوا الحاج علي وأسرته لدارها ليلتقون أم فهد، فبعد كل هذه السنوات لم تكن أم فهد تقوى على الوقوف أمام زوجها لتغير أمرا ساهمت هي بسنه واشاعته واستقراره.
صار حسن يتحين الفرص ليتمكن من مغادرة البلاد، لكن منافذ البلد صارت محكمة أكثر، وارتفعت وتيرة اعتقالات العوائل والشباب الذين يساعدون المطلوبين على الاختباء أو على السفر، الأمر صار يستلزم حذرا أكبر بكثير من سابقه، لا يمكن لحسن أبدا السفر بطريقة مشروعة فذلك يعني اعتقاله حتما، ثم زجه بزنزانة انفرادية ولن يسمح له باستئناف فمدة الاستئناف المزعومة انتهت! لم يكن الأمر يشغل بال حسن فحسب، بل والحاج علي وزهراء كذلك، لقد أعيتهم السبل اذ صارت العملية غاية في الصعوبة، وبات منزل حسن وكذلك منزل الحاج علي يتعرض للمداهمة كل مدة، وكذلك يحصل لمنزل فضل.
لم يكن فهد بعيدا عن حالة التغير التي طرأت على علاقة أخته بأمه، ما أشعره أن ثمة أمر يجري بعيدا عن ناظريه وأبيه، كما أن الزيارات لمنزل العمة قد كثرت! صار فهد يُسمع أمه كلمات كالسم كلما أمسكت بيد شريفة خارجة من المنزل:
- سبحان مغير الأحوال يا أم فهد .. صرتِ وابنتكِ صحبة!
كانت كل سكنات وحركات وكلمات فهد، تبعث الاشمئزاز في نفس شريفة، لذلك عاجلته بالرد ساخرة:
- يبدو أن الأمر قد أسعدك جدا لذلك صرت تشيد به!
بضحكته الخبيثة أجاب:
- أنا من سيكسر غرورك يا ابنة الماما!
هذه المرة وقفت الأم بين الشابين، أمسكت اصبع فهد الذي كان يلوح به، وحدثته بكل هدوء:
- حبيبي فهد كلاكما أولادي وأتوق لصحبتكما ورفقتكما .. متى أراك انت وأختك أيضا في حالة صحبة؟
أسرعت شريفة للرد على أمها، لكن أم فهد وضعت كفها على فم ابنتها، ومنعتها من الرد، ثم ودعت فهد وخرجت مع شريفة متوجهة للسوق:
- لم السوق يا أمي؟؟ .. عمتي تنتظرنا للتوجه لبيت خالي!
- اعرف ذلك .. شريفة أرجوك لا تستفزي أخاك .. أخشى يا ابنتي أن يضعك في رأسه .. والآن لن أذهب لمنزل عمتك الا بعد أن أتأكد أن لا أحد يتبعنا
فوجئت شريفة بتصرف والدتها فسألتها:
- هل شهدت لفهد موقفا مماثلا؟!!
 - اتركي هذا الأمر عنك .. ودعينا نكن في قمة الحذر ..
توجهت السيدتان لسوق قريبة، أخذن بعض الحلويات ثم توجهن لمنزل الخال مرورا ببيت العمة. كانت المرة الأولى بعد طول انقطاع، دخلت أم فهد منزل أخيها فصارت البنات تزغردن وتنثرن الورود، احتضن الحاج علي شقيقته كما كان يود أن يحتضنها يوم رآها أول مرة بعد طول انقطاع، لم تتمالك أم فهد دموعها وصارت تبكي بحرقة، فتوقفت الزغاريد واحاطتها والحاج علي الفتيات ممازحات، حانيات محبات، تقدمت زوجة الحاج وأجلست أم فهد قائلة لها:
- لطالما أقلقت نوم شقيقك يا أم فهد .. كان ينتظر هذا اليوم منذ زمان .. لا تقطعينا يا عزيزتي فأنت من رائحة الغالية عمتي
- وعدت علي أن لا أغادركم بعد ذاك اليوم وان شاء الله أنا عند وعدي ..
امتلأ منزل الحاج علي بالحياة، رغم أنها لم تغادره يوما، لكنها اكتست حيوية بدخول أم فهد، لم يكن للحاج علي سواها، هي توأمه التي منذ تفتحت عيناه على الحياة وهي بجانبه، فجأة قررت أن تبتعد عنه وأن تعيش حياة، لم يمنعها عنها أحد! همس الحاج علي في أذن شريفة، أخبرها أن لها ولعمتها أجر صلة الرحم التي عادت بعد طول انقطاع، كان قلب شريفة الأكثر سعادة أو هكذا خيل لها، كانت تتمنى منذ أن دخلت لمنزل خالها، أن تدخل وبيدها والدتها أسوة ببقية العوئل، أليست علاقات الأبناء بأهل أمهم أوطد غالبا؟! أم فهد كانت تكتفي بالاستماع لأحاديث الفتيات، صرن يذكرنها بنفسها في سابق زمانها، حيث كان منزلهم هو مستقر كل العائلة، ذلك أنه كان منزلا كبيرا لا يقطنه سواها ووالديها وعلي، كم كانت تشعر بالفراغ بداخلها، وكأن احاديث الفتيات وضحكاتهن ومغالبتهن وجدالهن يملأ الفراغ الذي بداخلها، أما هن فكثيرا ما سمعن عن العمة أم فهد، وكثيرا ما كن يفتقدن عائلة أبيهن التي لم يتبق منها سواها، لقد تمكنت شريفة من امتلاك قلوب فتيات الخال، وهو ما جعلهن أكثر شوقا للقاء عمتهن، عمتهن والدة الحبيبة شريفة.
لحظات وصار الباب يُدق بقوة، لم تألف أم فهد تلك الطرقات، فأصابتها بالخوف، هدّأتها زوجة أخيها، بينما وبروتين كئيب قامت الفتيات بالاستعداد لاستقبال القادمين، لحظات واندفعت القوات للداخل، رجال ملثمون ومسلحون ملأوا منزل أخيها، دخلوا للغرف دون استئذان، بسرعة ركضت زهراء لابنها وحملته من سريره لتحتضنه بقوة، لعله لا ينتبه لتلك الوجوه المرعبة، فيكمل نومه هانئا لا يدرك كمية الكراهية والوحشية التي تكتنف الانسان من بني جلدته، ارتعبت أم فهد كثيرا حتى صارت ترتجف خوفا، أجلسها الحاج علي وهدأ روعها، أخبرها أنهم اعتادوا على هذا الأمر، فزوج زهراء مطلوب وهو محكوم بالاعدام!! رغم حالة الهلع التي تملّكت أم فهد، الا أن أحد الملثمين لفت نظرها حين تسمّر في مكانه عند باب الصالة الرئيسي، مقابلها تماما!! صارت تطيل اليه النظر وكذلك يفعل هو، أدارت بصرها حولها لترى كمية الكراهية والفوضى التي نشرها أولئك الرجال بمنزل شقيقها، نظرت نحو الحاج علي الذي كان يحتضنها مفوضا أمره لله، طلبت منه أن يترك يديها، ثم سارت خطوات للأمام، وقفت أمام ذلك الرجل الملثم تماما ثم، رفعت كفها أمام وجهه مباشرة كاشفة لثامه!
التقيكم في الحلقة القادمة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...