ابحث في مدونتي

الجمعة، 13 فبراير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (27)






منذ أن علمت زهراء باعتقال مجموعات نسائية، وهي تفكر في حسن، لا بد أنه قلق عليها، لكن كيف السبيل لابلاغه بسلامتها وهاتف الشابين مغلق؟! دقائق وتذكرت طريقة كانوا يستخدمونها في أيام الضرورة القصوى، فاستخدمتها لتبلغه انها بخير. فتحت موقع التغريد معلقة على واقعة الاعتقال المهينة للنساء، متأملة أن يتمكن زوجها من رؤية تلك التغريدة، وكان ذلك ما أراح حسن حقا، ثم بدأت أسماء المظلومات تتسرب تباعا، ومع تسرب أسمائهن سربت بعض تفاصيل وحشية معتقليهم، فقد اعتُقل عدد كبير من النساء، كبير بالنسبة لهذه البلد الصغيرة، امهات ومعلمات وصبايا صغيرات في السن، بل ومريضات وامرأة تحمل جنينها في بطنها! لم تراع أي واحدة منهن فالحامل أجبرت على الاستلقاء على بطنها وضربت وركلت، احدى الفتيات تغير لون جسدها من شدة الضرب حتى شُبه بجسد شهيد الثقافة* ! احدى المعلمات ممن خرَّجت طالبات غدون شرطيات، فرددنَّ الجميل لها بصقا وشتما وتنكيلا!! ألم يقل الشاعر: قم للمعلم وفه التبجيلا؟!!
كانت احداهن صديقة لزهراء، بعد مضي أيام اتصلت لها باسمة ضاحكة مستبشرة، فاجأت زهراء بمعنوياتها العالية، كانت تريد منها أن تتابع موضوع انسحابها من جامعتها مؤقتا، وحتى تخرج لاستئناف حياتها، سعدت زهراء كثيرا بتلك الروح القوية التي لا يتمكن غاصب من سلبها! لقد ضجت الدنيا باعتقال تلك الفتيات، وهو ما جبر كسرا كان يعتقد الظالم أنه قادر على إحداثه :
- سنخرج يا زهراء .. سنخرج كما دخلنا رافعات رؤوسنا .. أبلغي الناس منا سلاما فلقد أسعدتنا وقفتهم المشرفة




صار فهد متأكد أن هذا الشاب يخفي وراءه سرا، فكان واثقا من حاجته لدعم عسكري، يمكنه من اصطياد ذلك الشاب، لقد صار يعتقد أنه حسن!! الشاب المحكوم بالاعدام، ورغم أنه لم يتمكن من فهم الرابط بين حسن وشريفة وعمته، الا أنه لم يستبعد أن تبادر عمته لمساعدة ذلك الشاب، زوج ابنة الخال وصديق زوج العمة! الآن يستطيع وبكل ثقة أن يطلب الدعم الذي يحتاج:
- سيدي .. أعتقد أنك ستكون راض عني تماما
- بشرني يا فهد ..
- ربما أكون قد اكتشفت موقع أحد أكبر الارهابيين
بسعادة بالغة التفت المسؤول ناحية فهد وقد ارتسمت الابتسامة على شفتيه:
- كيف يا فهد؟
- مصادر سرية يا سيدي .. لكني ذهبت خلفها شخصيا
- اذا لا تتأخر .. خذ ما تحتاجه من دعم ولا تعد الا وهذا الوغد تحت يديك
- حاضر سيدي ..
لقد حان موعد خروج حسن، منذ ذلك اليوم وهما لم يستخدما الهاتف، الا عبر موقع واحد فقط، وهو ما كان يُصَعّب عملية التواصل الا أنه رفع من نسبة أمانها، لقد توقف الحاج علي قريبا من الشقة، يراقب سير الأمور، لم يكن أحد يعرف بموعد خروجه، سوى الرجال الثلاثة، هو وعمه وابن خالته.
بسعادة بالغة كان فهد يعد العدة لاقتحام الشقة، مغتبطا بما صار يعتقد انه مقبل عليه، لا يزعجه أمر سوى تشابه اسمه مع صاحبة الشقة! لكنه لم يكن يعطي الأمر أهمية بالغة، كانت شريفة على فراش مرضها، اليوم تحسنت صحتها كثيرا، فعزم الطبيب على السماح لها بالعودة لمنزلها، الا أن شعورا غريبا صار يساورها، فجأة أحست بضعف شديد في بدنها، وانقباض في قلبها، أخبرت الممرضة بذلك فأعاد الطبيب فحصها:
- هل هناك ما يقلقك يا شريفة؟
أغمضت الفتاة عيناها متنهدة، وذهبت بمخيلتها هناك حيث يتواجد زوجها، نعم انها قلقة جدا، وقد يكون قلقها هو الأقوى منذ سنوات بعيدة، لقد جربت الاتصال على الهاتف الذي يملكه الشابين، وقد وجدته مغلقا، وفي الوقت الذي شعرت فيه بارتياح لذلك، الا أن القلق أيضا صار يلعب بمشاعرها، فكيف تتأكد أن اغلاق الهاتف هو الاحتياط الأمني الذي طلبته من زوجها، وليس أمرا آخر؟!





اكمل فهد استعداداته لاقتحام الشقة، ولأن موقعها كان آمنا بالنسبة له، فقد كان يتوقع وبنسبة كبيرة أن تنجح المداهمة في اصطياد الشاب، كما كان يأمل أن يكون هذا الشاب هو حسن، كان قلبه يمتلئ سعادة وغبطة، لقد عاد للمنزل متبسما، وتوجه لوالدته يخبرها أنه لن يقتحم منزل خاله مجداا! استغربت الأم من أسلوب ابنها كثيرا، فمنذ وجدها ببيت خاله حتى هاجم اخته لسرقة هاتفها، لم يتوجه بمجرد نظرة تجاهها، بينما قدم اليوم يداعبها ويعدها خيرا!! "سبحان مغير الأحوال أسأل الله أن يكون دخوله عليَّ خيرا" هناك ما جعل قلب هذه الأم ينقبض، فلم ترتح لدخوله عليها، أنهى فهد حواره مع والدته، وكان يستعد للخروج مجددا فاستوقفته:
- للتو عدت يا فهد!!
- ذاهب لأمر مهم ..
- فهد .. برضاي عليك .. لا تأذي أي مخلوق يا ولدي
- الى اللقاء أمي
للحظات صارت أم فهد تطمئن نفسها وربما كانت تمنيها "لعلنا لا نفهمك بشكل صحيح يا فهد؟ أنا أكيدة أن بداخلك قلبا حنونا يا ولدي..فلماذا تقمعه؟!" 
رن هاتفها وكانت المتصلة ابنتها شريفة، دق قلبها بقوة، واقتحمت عقلها آلاف الأفكار السوداء، كان بطل كل فكرة ه ابنها فهد! بسرعة رفعت هاتفها:
- ماذا هناك يا ابنتي؟
- بسم الله الرحمن الرحيم .. مم فزعك ماما؟
- لماذا تتصلين؟
- لأخبرك أن الطبيب سمح لي بالعودة .. لكني أحتاج أن تحضري لي ملابس حين تأتين لأخذي
- الحمدلله على سلامتك حبيبتي .. سأنهي أمرا بيدي ثم أمر لأخذك
- ماما .. هل حدث أي مكروه؟
- لا والله يا حبيبتي .. لا أرانا الله مكروه أبدا
لقد اطمئن الحاج علي من سلامة طريق حسن، فدخل له مودعا وابتعد عن محيط المكان، ولأن أصدقاء حسن هم من سيتكفلون بمغادرته من البلاد من الألف الى الياء، فلم يكن هناك من داع لقدوم الحاج، لكنه أصر على ذلك فعلى الرغم من أنه من كان يشجع زوج ابنته على الرحيل، الا أن القرار كان صعبا جدا، صار فضل يمازح الحاج علي:
- يبدو أنك ستتراجع يا عمي
- لا والله لا تراجع .. ووددت لو أرسلتك معه
نظر حسن اتجاه فضل والحاج علي وبكل جدية قال:
- لا زال هناك متسع من الوقت .. تستطيع يا فضل أن تكون معي .. لن تحتاج سوى لغيار ملابس واحد!
ضحك فضل بقوة قائلا :
- ألا تيأس يا حسن؟!!
تبسم وربت على كتف ابن خالته :
- (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) .. فكر لديك دقائق فقط
عاد الحاج علي لبيته ووقف على مصلاه، يدعوا الله أن يسدد خطوات الشابين، وأن يحفظهما من كيد الظالمين، في هذه الأثناء كان فهد قد تقدم موكبا كبيرا من العسكريين والمدنيين، بهدوء شديد وربما بخيلاء كان هذا الشاب متوجها لشقة عمته!
أحاطت القوات بمحيط المكان، وطوقت الحي بأكمله، دون إحداث أي جلبة! بقي فهد ومن معه خارج المكان مدة من الزمن، يخططون لاقتحام الموقع، وكان فهد يؤكد على أهمية أن تكون عملية المداهمة هادئة جدا، أهدأ من أن يشعر بها ساكني الموقع المستهدف!! كان واثقا أن في هذه البقعة لا يوجد برامج برقية، ولا شباب يراقبون مداخل ومخارج المنطقة، وهو ما رفع نسبة غروره بنجاح عمليته القذرة!
وصلت شريفة للمنزل، لتشعر مرة أخرى بانقباض في قلبها، تسارعت دقاته فرمت بنفسها على سريرها، انتبهت والدتها للحالة الغريبة التي تمر بها فسألتها:
- ما بالك يا حبيبتي؟ للتو كنت بخير وقد سمح الطبيب بعودتك
- لا أدري ماما .. أشعر بخوف شديد ورعشة، ودقات قلبي أكاد أسمعها في أذني .. أشعر بتعب شديد وأريد أن أستسلم للنوم لكن لست قادرة
تسمرت الأم في مكانها، بينما تنظر لشريفة نظرات متفحصة، شكلها ولون جسدها! نظرت شريفة لوالدتها متسائلة:
- لم تنظرين لي هكذا ماما .. أخافتني نظراتك!
- شريفة .. أخشى ......
- تخشين مم؟!
- هل يمكن أن تكوني حاملا ؟؟؟!!
لم تتمكن شريفة من منع نفسها من الضحك:
- عن أي حمل تتكلمين يا ماما؟؟
- أصدقيني القول يا ابنتي ... فوالله ان حصل ذلك لكان هذا آخر يوم لنا على هذه الدنيا سيقتلنا ....
- لا تكملي ماما .. ولا تخشي شيئا .. والله لتمنيت أن أكون حاملا .. الحمدلله على كل حال
أشفقت الأم على ابنتها كثيرا "أيعقل أنها مشتاقة لتكون أما؟ ولم لا .. أليست امرأة مكتملة المشاعر؟" تذكر أم فهد نفسها منذ أكثر من ثلاثين عام، كم كانت تتوق للانجاب، وكم كانت تشتاق لتسمع كلمة "ماما"!! بكل صدق رفعت أم فهد كفيها لله "اللهم لا تحرمها من الذرية الصالحة"
دقائق وأُعطيت الأوامر للقوات باقتحام المكان، بقوة كسر الباب الخارجي، واندفع الملثمون بأسلحتهم لداخل الشقة، منتشرين بكل أرجائها يعيثون فيها فسادا، لم يكن يخطر ببال أحد ما يجري بتلك الأثناء، زهراء منهمكة مع وليدها، وأم فهد منشغلة بعودة عزيزتها للبيت، وشريفة غارقة في القلق بينما تحاول الاستسلام للنوم، في منزل لم تعد تطيق البقاء فيه، حيث تتداخل أنفاسها بأنفاس فهد كل حين! والحاج علي في دنيا عالية، حيث ملكوت الله حاملا كتابه، مسبحا قائما قاعدا، يحيطه الاطمئنان بالله، وتغلف قلبه الثقة بلطفه، وينشغل لسانه بذكره، لا يرجوا سوى سلامة هذا الوطن وسلامة أبنائه.



ألتقيكم في الحلقة القادمة
¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯¯
* بورتريه لشهيد الثقافة الحاج عبدالكريم فخراوي :
http://www.alwasatnews.com/mobile/news-614570.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...