ابحث في مدونتي

الجمعة، 6 فبراير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (21)



 
بقيت شريفة تنتظر ردا من فضل، لعلها تنطلق في نضالها نحو حياة قادمة. توجهت اثناء ذلك لمنزل خالها فاليوم موعد عودة زهراء وطفلها منتظر من المستشفى، الفتيات يعملن كخلية نحل لتجهيز غرفتهما. أحضرت هي بالونات وزينة، وكتبت اسم منتظر بشكل جميل علقته على باب الغرفة، أما الشقيقات فقد أحضرن المتبقي من الهدايا اللاتي عملنها، قبل ولادة زهراء والمخصصة للتوزيع، ورتبنها بطريقة جميلة على تحفة فنية كان قد صنعها حسن مع فضل في عزلتهما، عاد الحاج علي مع ابنته وطفلها للمنزل، حيث استُقبلت وكأنها عروس تدخل لمنزلها أول مرة، الفتيات سعيدات جدا بوصول أول حفيد لهذه العائلة، منذ فترة طويلة لم يستضف هذا البيت طفلا، لكن الحاج علي كان مطرقا حزينا، سألته زوجته عن سبب حزنه:
- يبدو أن ابننا منتظر لن يحصل على أوراق هويته الثبوتية
- ماذا تقول؟ ماذا تعني بذلك؟
- لقد تابعت اكمال أوراقه الرسمية وقد اشترطوا حضور والده!
- وهل من الطبيعي أن يشترطوا ذلك؟
- أخبرتهم أنه على سفر ولكوني والدها فيفترض أن أتمم الإجراءات بشكل طبيعي، لا تخبري زهراء عن الأمر فقد طلبت من شقيق حسن أن يجرب حظه من الأمر فربما يسمحون لعمه بإتمام الإجراءات، ولو أني صرت أعتقد أنهم سيضغطون باتجاه تسليم الأب لنفسه.
حسن ومنذ ولادة طفله وهو مشغول البال، يعيش حالة الشوق لاحتضان وليده، كل حين يبعث لأمه طلبا بتصويره، لتضحك وهي تخبره "ابنك لا زال كما هو لم يتغير.. اطمئن".
 بعد أيام ستحل ذكرى أيام عاشوراء، وفي هذه الذكرى يعيش حسن وفضل أياما صعبة، وكثيرا ما جازفوا بالمشاركة في الاحتفاء الديني بهذه الذكرى، مبتعدين عن منطقة الاحياء المركزية، فنقاط التفتيش تنتشر لاصطياد الشباب بعد انتهاء الاحياء كل ليلة! صار حسن يفكر كثيرا في هذين الأمرين، طفله الذي يشتاق لمراقبته وهو يكبر، وأيام عاشوراء أيام التزود الروحي بسيرة محمد وآل محمد، انه يشتاق لمضيف قريتهم الذي يمتلئ بالأطفال الصغار كل ليلة، يتجمعون ليسيروا موكبا خاصا بهم، كان حسن هو الذي يدرب رواديد هذا الموكب الصغار، يتساءل في نفسه "أتراهم يشتاقوني كما أشتاقهم؟ كم كبروا منذ تركتهم حتى اليوم؟ وكم سيكبرون حتى ألقاهم؟!" لم يعد السجن الاختياري الذي اختاره حسن وفضل مقبولا عنده، صارت الدنيا تضيق عليه كل حين، وصار يعبر عن استيائه كثيرا مؤخرا:
- لم أعد أقوى على حبسي هنا
- فيم تفكر؟
- في كل الاحتمالات الواردة، هل تُعرف أنهم يرفضون منح طفلي أوراقَ ثبوتية؟
- أعرف ذلك ويبدو أنها محاولة للضغط عليك
- بكل تأكيد



زهراء التي لا تكل ولا تمل، صارت تطرق كل الأبواب من أجل حق طفلها في أوراق ثبوتية، انها تشعر أنه حق لا بد أن تنتزعه، تعرفت في أثناء مراجعاتها على شابة في مقتبل عمرها، تحمل أوراق مراجعة لطفل رضيع قضى عمره البالغ عاما ونصف في المستشفى، انه ابن معتقل محكوم بالمؤبد، شاء الله له أن يولد مريضا بمرض نادر، ووالدته تبحث له عن علاج في الخارج، الا انه في عُرف الظالمين يحمل ذنب والده، فمنعت الأم من اصدار وثيقة سفر له! وهو الأمر الذي لا زال يعطل عملية علاجه، عادت زهراء لمنزلها متألمة، لقد شاهدت صورة للطفل المريض وآلمها وضعه كثيرا! سألها والدها عن سبب حزنها:
- لقد تعرفت على والدة طفل لمعتقل ممنوع من الحصول على وثيقة سفر، انه مريض وتحتاج أمه لأخذه للعلاج في الخارج! هل يعقل أن يموت الانسان بسبب ورقة مطبوعة!
- ان من أدوات استعباد الانسان، أن تثبت هويته وانتمائه وثيقة يا ابنتي!
عاش أجدادنا منتمون لهذه الأرض لا يشكك بانتمائهم الا معتوه واليوم نحن نعيش في دوامة الوثائق التي يمنحوها لمن شاءوا ويسلبوها ممن شاءوا! ... أخبريني هل هناك أي جديد بخصوص وثائق طفلك؟
- أحدهم وعدني أن يحل الموضوع، لقد كانت معاملته مختلفة جدا، وأبدى شيء من التعاطف
قطعت حديث زهراء، نغمة الرسائل على هاتفها:
(عزيزتي .. زوجك مقدم على أمر ما ويحتاج جدا لدعائك، اسألي الله لي بالتوفيق يا أم منتظر)
شغلت الرسالة بال زهراء "ترى بماذا يفكر حسن؟" سألته عبر رسالة أخرى، لكنه اكتفى بسؤالها الدعاء طالبا منها أن تخبر والدها بضرورة حضوره عنده!
توجه الحاج علي لموقع إقامة الشابين، متسائلا عما ينويه حسن، فأجابه فضل:
- يريد أن يترك البلد
لم تفاجأ الفكرة تلك الحاج علي، فسأل فضل:
- ماذا عنك؟ .. بالمناسبة سنتم الحوار الذي قطعته ولادة منتظر .. لم انسه
- لا بأس يا عمي، يمكننا استئنافه بأي وقت .. أما بالنسبة للهجرة فلا يمكنني ذلك، لحسن عائلة قد تلحقه لو غادر البلاد لكن لا يمكنني أن أعيش وحيدا غريبا، تكفيني وحدتي في بلدي
توجه الحاج علي بالسؤال ناحية حسن:
- هل أنت واثق من الجهة التي عزمت على الهجرة عبرها؟
- قلق من بعض الإجراءات لكني واثق جدا منهم
لقد كانت الهجرة احدى الخيارات التي يطرحا الحاج علي على بعض الشباب، فهو واثق أن من يعطي بلده فهو يعطيها من أي موقع، يعطيها حين يجّد في طلب العلم، يعطيها حين يقاوم فكرا سلبيا، يعطيها حين يصر على الزواج والانجاب، يعطيها حين يقبلها رغم أوجاعها، يعطيها حين يتركها مبتعدا عن محيطها بينما تسكن قلبه، لذلك فقد طلب من فضل أن يراجع نفسه الا أن فضل كان مصرا على خيار البقاء.
انتبه فضل للهاتف حيث وجد رسالة من شريفة تسأله أمرا ما، لقد تفاجأ أن الرسالة قديمة وقد بعثتها منذ أيام، لكن تواصل زهراء وحسن جعلها في المؤخرة فلم ينتبه لها، أجابها:
(اعتذر جدا.. للتو انتبهت للرسالة نتيجة ذهابها بعيدا، يمكنك أن تسألي ما شئت، لست بحاجة للاستئذان)
مضت دقائق حتى وجد فضل رسالة أخرى :
(أحتاج لأن نتحدث بشكل مباشر، هل يمكنك مخاطبتي بأي وسيلة مباشرة؟)
فتح فضل برنامجا من برامج التواصل وخاطب شريفة:
- مرحبا شريفة، تفضلي يبدو أن هناك ما يشغل بالك بشكل جاد
- اهلا .. نعم هناك ما يشغل بالي مؤخرا ورغم أني استصعب الحديث عنه الا ان خالي علي قد شجعني وان بشكل غير مباشر لأخوض الحديث معك
- كلي آذان صاغية
اللحظات تمر على شريفة ثقيلة جدا، انها مقدمة على أمر لم تجد له مثالا قريبا منها، ستتجرأ لتختار حياتها وستدعوا للحياة التي اختارتها الشخص الذي تعتقد انه مناسب ليشاركها إياها، كانت دقات قلب شريفة في اذنها، يكاد قلبها أن يمزق صدرها من التوتر، زخات العرق ترطب كفيها، وتشعر بجفاف شديد في حلقها، للمرة العاشرة تتوجه ناحية الباب، لتتأكد أنها قد أحكمت اغلاقه، طال انتظار فضل، فأعاد سؤالها :
- شريفة أين أنت؟
بصعوبة سحبت أصابعها ووضعتهم على أزرار جهازها، وبدأت تكتب لتمحي ما كتبت مرة ومرتين وثلاث مرات، هذه المرة كان فضل يرى أنها تكتب لتمحو فبادرها:
- شريفة هل الأمر الذي تنوين الحديث عنه هو ما حدثني عنه خالك؟
توقفت شريفة عن الكتابة وسألته:
- وما هو هذا الأمر؟
- بصراحة لا أدري لم نتمكن من إتمام نقاشنا لكن لأنك تقولين أنه أمر خضتيه مع الحاج علي فتساءلت ان كان ذات الموضوع، حسنا سأخبرك أمرا
- ؟؟
- ان كان هو الموضوع ذاته الذي تحدث فيه معي الحاج علي فسأكون سعيدا جدا
لا تعرف شريفة ان كان خالها قد خاض موضوعا ما مع فضل، ولم تكن تتوقع أن يحصل هذا، لكنها أيضا لا تستطيع استبعاده، فخالها علي انسان مباشر وقد كان عازما على حسم الأمر بينهما، استجمعت شتات قوتها، وسمت بسم الله وكتبت:
- أتذكر أنك في يوم ما قد أخبرتني بأنك تتمناني زوجة لو لا الظروف التي تحياها
- نعم فعلت ذلك
- أحتاج لأعرف ان كانت رغبتك قائمة حتى اليوم؟
- انها ليست رغبة يا شريفة، انها خطة حياة وأشعر اني مكبل لا أقوى على تنفيذها
- ما الذي يمنعك يا فضل؟
- أنتِ
لم تفهم شريفة معنى كلام فضل، كيف منعته وهي تتمنى بكل ما أوتيت من آمال أن يتجرأ ليطلبها زوجة له!
- أنا يا فضل؟
- أعرف انك ابنة عائلة تختلف عنا، وأدرك صعوبة وضعك فيها، لا أريد أن أدخلك في صراع تكون الغلبة فيه للأقوى والاقوى اليوم هم اسرتك
- منذ مدة سألت والدتي ان كانت ستقف لتدعمني حين اختار زوجا لي لا ترتضيه
- وماذا أجابت؟
- بما تتوقع يا فضل، لكني مقتنعة ان حياتي يجب أن اختارها أنا لا والدتي ولا شقيقي، لذلك فأنا اطلب منك أن تكون لي زوجا، ويمكنك أن ترفض ان لم تجدني أهلا لذلك
لم يصدق فضل ما تقرأه عيناه!! شريفة تتجرأ لتطلب منه الزواج! "صدق حسن حين قال أن شريفة أقوى مما تظهر" صار فضل يفكر في الرد المناسب، انه يراها الزوجة المناسبة لكن هل يمكن للزواج أن يتم!! هل يجيبها بما يريد وتريد ليصطدما بجدار الواقع حتى يكسر كل آمالهما؟ هل يستسلم لتلك الجدران التي تحيط بأحلامه وآماله ومناه؟ هل يحقق رغبة الطاغوت الذي يريد من كل ما يفعل أن يسلب روحه من جسده بينما لا زال يتنفس! ولا زالت تلك الروح تنبض بالحياة "لن أسمح لهم بأن يسلبوا أحلامي"
- شريفة سأكون ممتنا لو وهبني الله اياك زوجة اليوم سأحدث الخال علي لأطلبك منه.
أخيرا تنفست هذه الفتاة الصعداء، للتو شعرت بالاكتمال، للتو شعرت بالانتماء، للتو حفرت في أرض قلبها أساسا لتبني عليه وطنا، لم تكن غرفتها تتسع لفرحتها، كادت تزغرد طربا على وقع كلمات فضل، بسرعة ارتدت حجابها وذهبت لمنزل خالها، كان البيت يكتسي بالسعادة، فسألت "ما سر سعادة اليوم" فأخبرتها زهراء أن منتظر قد حصل على أوراقه الثبوتية أخيرا، وما زاد فرحتها أن الطفل المريض حصل على وثيقة سفره أيضا، لعله يخضع لعلاج يريح قلب والدته.
كانت زهراء تنتظر من زوجها أن يطمئنها على ما عزم عليه، انها لا تعرف التوقيت ولا الكيفية التي سيغادر بها حسن البلاد، لكنها كانت مرتاحة جدا فحصول منتظر على تلك الأوراق يعني أنها قادرة على اللحاق بزوجها أينما كان، بينما كان بيت الأسرة يمتلئ فرحا، همست شريفة لزهراء "فضل سيطلبني زوجة له من والدك" لم تصدق زهراء حديث شريفة:
- حقا ما تقولين؟
بخجل أجابتها مؤكِّدة، فاحتضنت زهراء ابنة عمتها سعيدة، ان زواجها من فضل لا يعني أنها ستتزوج رجلا تتمناه، بل يعني أنها ستتحرر، ستتحرر من قيود أسرتها، وستنتصر لمبادئها وقيمها.
بسرعة دخل الحاج علي ليوقف أصداء الاهازيج التي ارتفعت في منزله:
- زهراء هناك أمرا قد حصل ..
- ما بال حسن يا أبي ؟؟ ما بال حسن !
- لقد قبض على قارب يمتلأ بالشباب المطلوبين
- لا اله الا الله، لا حول ولا قوة الا بالله، أخبرني يا أبتِ ان كان حسن من ضمنهم؟!  



ألتقيكم في الحلقة القادمة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...