ابحث في مدونتي

الاثنين، 9 فبراير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (23)

 
 
 
 
عادت شريفة مسرعة للمنزل، صارت تفتش عن خالها علي، عثرت عليه كالمعتاد في مكتبه، غارقا بين كتبه وأوراقه ممسكا قلمه، اقتحمت مكتبه وهي مرعوبة متألمة، تتمنى أن تتأخر زهراء قليلا بعد أن كانت تبحث عنها، كان بكاء منتظر قد اشتد حين دخولها، فجرت دموعها على عينيها، بكاء هذا الطفل في هذه اللحظة بالذات آلم قلب شريفة، رفع الحاج علي بصره نحو شريفة، فطريقة دخولها كانت ملفتة جدا، وقف على رجليه وأسرع نحوها مادا يده لإمساكها:
- بهدوء يا شريفة ممَ هلعك؟
التقطت شيئا من أنفاسها، وجلست تحاول جمع شتات حروفها، بينما لا زالت دموعها تغالبها للنزول على وجنتها، وبحزن شديد أجابت خالها:
- للتو اتصل محامي حسن ...
- امسحي دموعك يا شريفة وحاولي أن تخبريني بالأمر يا ابنتي
- لقد حُكم على حسن .........
- ...............
صار الحاج علي يطيل النظر لشفاه شريفة، انقبض قلبه كثيرا، فتلك ليست المرة الأولى التي يحكم فيها حسن، ولا مبرر لحالة شريفة الا أن يكون حكما يفوق ما يمكن أن يتوقعون، لكن تفكيرا غزا قلبه جعله يبتسم:
- يبدو أنك مختنقة من الخارج .. لقد أخفتني كثيرا .. سأحضر لك شيئا من الحليب
- لا يا خالي ...
- اذا أخبريني فما عاد بي صبر يا شريفة!
- لقد حكم على حسن .....  بالاعدام !!!
جلس الحاج علي أمام شريفة، لم ينبس ببنت شفة، تغيرت ألوانه وجفت شفتيه وصار يتمتم:
- اعدام!! وما الذنب الذي اقترفه هذا الشاب؟! يصورون الناس وكأنهم عصابات مافيا، تقتل وتفجر وتنتهك الحرمات ليكونوا هم منقذي الانسانية والاوطان!! حسبنا الله ونعم الوكيل
 
أحضرت شريفة كوب ماء لخالها، شربه وتوضأ ووقف يصلي لله ركعتين، لم يكن الحاج علي قادرا على الوقوف، انها المرة الأولى التي تخونه قواه وكلماته، انها المرة الأولى التي شعرت فيها شريفة أن خالها رجل كبير السن قد أنهكته سنوات المعاناة، أشفقت كثيرا عليه وصارت تفكر بزهراء، ترى كيف ستستقبل هذا الخبر؟ أنهى الحاج علي صلاته وجلس على كرسيه، فخاطبته شريفة:
- خالي نحتاج لقوتك ..
- أين زهراء؟
- في الخارج .. يبدو أن كثافة الغازات تمنعها من العودة بينما منتظر يضج بالبكاء عند جدته.
- لن نسمح باعتقال حسن لا بد أن نحذر اليوم أكثر من الأمس
- خالي .. أرجوك أقنعه بمغادرة البلاد
- نعم هذا ما يجب أن يكون
 
بعد مدة عادت زهراء للمنزل، احتضنت وليدها الذي ما كف عن البكاء، وكأنه يستشعر الظلم الواقع على أسرته الصغيرة التي لم تهنأ بحياتها يوما، صارت تبحث عن هاتفها ووجدته مع شريفة، في مكتب والدها بينما يتحدثان:
- السلام عليكم كيف حالك بابا؟
- الحمدلله يا ابنتي
- ماذا حصل؟ لماذا تبديان منهكين؟ هل خرجتما للخارج؟
- شريفة فعلت .. كانت تبحث عنكِ .. هل هدأ منتظر؟
- لقد استسلم للنوم
- جيد .. اذا اجلسي ياحبيبتي أحتاج للحديث معك
 
جلست زهراء بعد أن استشعرت أن أمرا قد حصل، لم يطف بمخيلتها أنه حكم حسن، حتى أنها لم تفتقد اتصال المحامي ولم تتذكره للسؤال عنه، كانت الكلمات تخرج من فم الحاج علي بصعوبة، ترى كيف يخبر شابة تحمل وليدها البكر، أن حكما متعجرفا بالاعدام قد صدر ضد زوجها العشريني؟! في قرارة نفسه يعرف وبحسب خبرته، أن هذا النوع من الأحكام يستخدم للضغط على الناس، ولارهابهم كذلك ورغم أنه شهد تنفيذه مرة، الا أنها كانت غير مسبوقة، لكن مجرد أن يحكم شاب بهذا الحكم، فان ذلك يعني أنه وفي حالة اعتقاله فسيرمى بزنزانة انفرادية، طوال مدة انهاء اجراءات الاستئناف وما بعد الاستئناف. كان اسم الشاب المحكوم بالاعدام منذ بداية الأحداث لا يفارق لسانه، يتابع أخباره ويزور ذويه كلما سنحت له الفرصة، معلقا صورته على جدار مكتبه، يتذكر كيف تحول هذا الشاب من شعلة حماس وأمل وتفاؤل بالله، الى انسان منهك قد أقدم على الانتحار أكثر من مرة بعد تركه في زنزانته الانفرادية عددا من السنين، فرغم حكمه وتعذيبه ووجوده في تلك الزنزانة، يناجي فيها الله ويحدث نفسه، لا أحد يسمعه سوى الجدران الصماء، رغم كل ذلك فلا زالت الوحوش البشرية الموكلة بمراقبته تستلذ بتعذيبه واهانته، له الله ولحسن رب كريم، استجمع قوته وتوجه بالحديث صوب ابنته:
- لقد صدر حكما جادا ضد حسن
- ماهو بابا؟ المؤبد؟ دعهم يكابروا الله ويملأهم الغرور وليسطروا السنين تلو السنين على اوراقهم .. الله يتولى المؤمنين
- ............... بل حكم بالاعدام
 
تجمدت زهراء في مكانها بينما تنظر لوجه والدها، ربما لم تصدق الأمر وكانت تنتظر أن ينقضه والدها مازحا، ربما احتاجت كلمة "الاعدام" لمعالجة بطيئة في عقل هذه الشابة، حتى تستوعب انه حكم لزوجها على ذنب، لا يُعدّ في شريعة الله المنتقم الجبار ذنبا، ذنب هويته العقائدية وذنب رفضه للظلم والجبروت، وذنب نشاطه الاجتماعي والتطوعي منذ كان برعما يخط طريقه لمرحلة الشباب، أمسكتها شريفة من كتفها واحتضنتها من الخلف، وكانت دموعها تتحادر على وجنتيها، بينما تبسمت زهراء، ثم صارت تضحك بصدق وشريفة تنظر اليها مشفقة، وقف الحاج علي وجاء لابنته رابتا على كتفها :
- أحيانا أشعر أنك أكثر قوة مني يا زهراء
- أيظنون يا والدي أنهم قادرون على وهب الحياة وانتزاعها؟؟ ان ابننا منتظر روح وهبها الله الحياة رغما عنهم ورغم أحكامهم وجبروتهم، تبا لهم وتعسا لغرورهم
- لا أدري ان كان حسن قد علم بحكمه أم لا!
قاطعتهما شريفة:
- يجب أن نخبره نحن .. لا تدعوه يسمع بالحكم كخبر يتداوله الآخرون.
 
طلبت زهراء هاتفها من شريفة، وفتحت الرسائل لتكتب لحسن، الا انها وجدت منه رسالة:
(حين يبلغك الأمر فأريد منك وعدا بأن لا تهني ولا تحزني فالله يقول ( فأنتم الأعلون) )
تبسمت زهراء واستقرت بقلبها السكينة، قرأت الرسالة على والدها وشريفة، ثم كتبت له :
(كيف وجدت الحكم؟ مفاجأة؟)
فأجابها : (ما رأيت الا جميلا)
دمعت عينهم جميعا باجابة هذا الشاب المؤمن، وصارت السكينة تنتقل من قلب لقلب، بعث حسن رسالة أخيرة مازحا:
( يقول المثل : ""اذا صدته في القطيف قطفه""" * )
استطاع حسن ومن البعد، أن يرسم الضحكة على شفاه أسرة، كان يفترض أن تكون منكوبة، بشئ من الايمان والصبر والتوكل تكون الحياة سهلة يسيرة رغم كل ما يحيطها من ألم، صارت الوفود والشخصيات والأهالي يترددون على منزل الحاج علي، يلتقون زوجته ويرفعون من معنوياتها، يحتضنون طفله ويدعون الله أن لا يفرق شملهم، في هذه الاثناء أصر حسن وبعد أن علم بخطبة شريفة وفضل أن يتم موضوعهما عاجلا خصوصا وأنه صار ينوي السفر بشكل جاد، فخاطب فضل مقترحا عليه التعجيل بعقد قرانهما:
- لم يعد الأمر بيدي يبدو أن الحاج علي يتبع طريقته في انفاذ الأمر
- اذا اسأل عمي عن تطورات الأمور
 



 
لم ينس الحاج على أمر الشابين، لكن انشغاله بحكم حسن وبزيارات الأهالي، أجّل اطلاع الشابين على تطورات موضوعهما، لقد اتصلت العمة بالحاج علي وهي مستبشرة، وأخبرته بموافقتها على زواج الشابين، كما أخبرته بضرورة اخفاء الأمر عن أسرتها حتى حين، استدعى الحاج علي العمة وشريفة، ووضعهما في الصورة كاملة :
- سيعقد صديقي وهو رجل دين مؤمن عقدهما .. وربما نأجل عملية التوثيق حفاظا على شريفة
- توكل على الله يا حاج علي
 
حُدِّد الموعد وتم التكتم على الأمر تماما، صارت شريفة تُعدُّ نفسها لتكون عروسا، وان مع وقف التنفيذ، ستكون عروسا بلا حناء ينقش كفيها، وبلا صالة عرس وبلا مدعوين، عروسا تقف أمام عريسها، لتحفر معه حياة في الصخرة الصلداء، يقف بجانبها رجل ستدين له ما بقيت بدين الحياة، الحياة التي ساعدها على اكتشافها وعلى انتزاعها، رغم كل الظروف هو خالها علي، ولن تنسى وقفات العمة الشجاعة، هذه المرأة التي صارت لها الأم، في غياب الأم، تمسح على شعرها وتربت على كتفها وتدعوا لها بأن تكون راضية قانعة في حياتها التي اختارتها.
 
في اليوم الموعود، وصل الحاج علي وصديقه الذي خلع عمامته لئلا يلفت النظر أولا، لتصل زهراء وشريفة بعدهما لمنزل العمة محكم الاغلاق، أُفردت غرفة جلست فيها شريفة ترافقها زهراء، أسدلت شعرها الأسود، ووضعت على رأسها شالا طويلا أخضر اللون ذو لمعة ذهبية، وجلست باستحياء تترقب عودة عمتها يرافقها فضل. كانت زهراء تسترق النظر لها كل حين، فرغم أن هذه الفتاة لم يكن لها من الزينة نصيب الا نزرا يسيرا، الا ان السعادة التي سكنت قلبها انعكست على وجنتيها فزادتهما احمرارا وملئت وجهها جمالا، همست زهراء لها:
- سعيدة يا ابنة عمتي؟
- الحمدلله .. لكن لا زال الخوف يكبل سعادتي .. لن تتم هذه السعادة الا بعد انتهاء الأمر على خير ما يرام
- بل سيبدأ الأمر ان شاء الله على خير ما يرام
 
كان فضل يستعد للانتقال لموقع عقد قرانه، مملوءا بالسعادة التي يتصارع معها الحزن، سعيدا جدا أنه سيتمكن من الارتباط شرعا بانسانة اختارها عقله وأحبها قلبه، لكن الحزن يصرع سعادته حين يفكر بها، كم كان يتمنى أن يحقق لها حلم الفتيات بفستان أبيض، وربما شهر عسل! بادره حسن:
- مستعد؟
- ان شاء الله .. لكني خجل منها
- لماذا يا ابن خالتي؟
- كنت أتمنى أن تحصل على زيجة أسوة ببنات جيلها
- ستفاجأك بنات هذه العائلة يا فضل، زوجتي أيضا لم يتح لها زواج أسوة ببقية الفتيات، لكن صدقني ليس هذا ما يفكرن به، انهن راجحات عقل يا صديقي، كن سعيدا وانزع من عقلك الأوهام، فهل السعادة بصالة وفستان؟ أم بحسن معاملة وعشرة طيبة؟ كافأها وكن لها زوجا رؤوما موجها، كن لباسها يا فضل رغم البعد .. كن لها لباس
 
نزل فضل للعمة التي كانت تنتظره, دخل مسلِّما يشعر بشئ من الخجل، تبسمت في وجهه وبدأت بتسيير سيارتها، منذ اليوم الأول الذي عرفت فيه فضل، وهي تنظر اليه بعين شريفة، فقد كانت روحها تحوم حول هذا الشاب، تبحث له عن مأوى، تدعوا له بالسلامة، تقلق عليه كالأم التي غاب عنها ابنها، تود لو تمسح على وجعه بيد الزوجة، وان تستمع لخلجات قلبه بأذن الصديقة، ربما كانت شريفة لا تعي مراحل تعلقها بهذا الشاب، الا ان العمة كانت واعية لذلك تماما، لكنها لم تمنعه لأنها وجدت أن فضل، رجل أمين يمكنه رعاية هذه الشابة التائهه في صراعات أسرتها، نظرت العمة لفضل مخاطبة:
- أدرك حجم معاناتك .. وأعرف حلو خصالك .. لكن دعني أوصيك.. كن لشريفة دنيا تسوقها لخير آخرة.
- منذ علمت انك قادمة لي وأنا أفكر كيف من الممكن أن أشكرك على كل شئ.. على استضافتنا وحسن معاملتك لنا وتحمل الأذى من أجلنا .. ثم على دعمك لزيجتنا
- لقد قاست شريفة كثيرا .. انها تعاني غربة في بيتها .. وأدركت أنها تجد الطمأنينة معك .. يبدو أنك تصغي لها جيدا بينما نشأت مع أسرة لا تجيد الا تكميم فمها واستصغار عقلها وكسر روحها.. صدقني يا ولدي لا أريد شيئا سوى أن أراها سعيدة .. ولا بأس لو فكرت في مغادرة البلاد سأعمل على أن تلحق بك
- لا يا خالة .. لا يمكنني أن أغادر هذه الأرض .. لقد تناقشت مع شريفة في هذا الأمر وهي تتفهم وجهة نظري .. لا يمكن أن نترك البلد جميعنا
- فرج الله عنها وعنا
 
دخلت العمة منزلها، حيث نزل فضل من السيارة يستقبله زوجها والحاج علي والشيخ المؤمن، دخل لداخل المكان الذي تم تهيأته لعقد قران الشابين، كان يشعر بخجل شديد، بينما تبحث عيناه عن عروسته، همس له الحاج علي بأنها تنتظره بالداخل، اعتدلت شريفة في جلستها، ووضعت زهراء العباءة على شالها الأخضر، ليبدأ الشيخ مراسم عقد القران، أوقف العملية صوت جرس المنزل، ارتفعت نسبة القلق عند الحاج علي فسأل صاحبه:
- هل تنتظرون ضيوفا؟
أجابه بالنفي :
- بل رتبنا رحلة للأبناء لخارج البلاد مع أعمامهم متذرعين بانشغالنا
هدّأت العمة الرجال وأخبرتهم أنها ستسطلع الأمر بينما يقفلون عليهم باب الغرفة، توجهت العمة للجرس المرئي، لم تصدق عيناها، أنها أم فهد !!!
 
 
 
 
ألتقيكم في الحلقة القادمة
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...