ابحث في مدونتي

الأحد، 1 فبراير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (19)





توجهت شريفة لمنزل خالها، لم تسأل نفسها لحظة عن السبب الذي طلبها من أجله، إنها تثق بهذا الانسان حدّ الإيمان به، وصلت لمنزله ونزلت اليه، لكنه أعادها للسيارة:

- لن نبقى هنا سنذهب لمكان ما

للتو أثار الأمر استغرابها :

- الى أين خالي؟

- ستعرفين

ركب الحاج علي مع شريفة سيارتها، وأخبرها أنَّ حديثًا جادًّا لابدّ أن يدور بينهما ليحسم تمامًا، أبدت استعدادها لخوض أي موضوع معه:

- أخبرني ما تريد .. خالي أنت الانسان الوحيد الذي أسعد بالحديث معه عن أي شيء

تبسّم الحاج علي لكن لم تكن ابتسامته الحنونة المعتادة، كانت ابتسامة جادة تُنْبِئُ عن أمرٍ جادٍ جدًا ويبدو أنه يشغل بال هذا الرجل:

- اذا أحتاج أن تتوقفين عن السياقة خذيني لمكان هادئ استطيع فيه محادثتك.

جلست شريفة مع الحاج علي، على ذات الطاولة المستديرة التي جلست عليها سابقا مع زهراء، وبمجرد أن استقر فنجاني القهوة أمامهما، بدأ الحاج علي حديثه بعد أن أُنهِكت شريفة من الانتظار:

- هل تعلمين يا شريفة أن حسن وبعد أن اعتقل طلب مني انهاء موضوع خطبته بزهراء؟

- لا أتذكر الامر تماما ولكن .. لماذا تخبرني بهذا الأمر؟

- لأني أحتاج منك أن تعرفين أمرا أؤمن به ...

- وهو؟

- لو رزقني الله أولادا ذكورا الى جانب بناتي لكنت عاملت الاثنين بذات المعاملة في موضوع "الخطبة"

- .......... أية خطبة؟

- خطبة الزواج

لم تفهم شريفة، لماذا اختار خالها أن يحدثها في موضوع الخطبة؟!! لذلك فقد اكتفت بالصمت، وظلت تراقب شفاه خالها:

- أعرف تماما ما يدور حولي .. أنت وفضل تعانيان الأمرَّين وهذا بالنسبة لي حَدَثٌ بلا مبرر.

شعرت شريفة بحرج شديد من خالها، لم تكن تلك المرة الأولى التي تخوض فيها معه أحاديث عن الزواج، لكن "فضل" بالنسبة لها كان منطقة محظورة، من الصعب عليها أن تقترب منها فضلا عن أن يقترب منها شخص سواها، وأن يكون هذا الشخص هو خالها الذي تحترمهُ كثيرًا وتُدرك حجم تقواه، لم تتمكن من التجاوب معه، ظلّت حائرة هل تقر له بما يشعر به؟ أم تحاول نفيه وانهاء الموضوع حوله؟! أدرك الحاج علي حجم الحَرَج الذي أوقع فيه شريفة، فاعتدل في جلسته وابتسم لها ابتسامته الحانية التي تعرفها، وواصل حديثه:

- تعاملت مع حسن كولدٍ لي، وحين استشعرت منه رغبة صادقة في الارتباط بزهراء، شاورتها في الأمر رغم أنه طلب مني انهاؤه وحين اختارت أن تقبل الزواج به، أنا من قال لحسن أنت ولدي ويشرفني أن أزوجك ابنتي

- خيرا ما فعلت يا خالي، فزهراء ورغم كل الصعوبات التي تعيشها بسبب اختيارها حسن الا أن بين جنبيها سعادة لا توصف

- الحمدلله وأثق أن هذه الصعوبات ستنتهي باذن الله يوما ما وسيبقى حُسْن اختيارها لشريك حياتها

- ان شاء الله

- أنت أيضا ابنتي يا شريفة، وفضل كحسن كلكم أبنائي الذين اتمنى أن يسعدوا في حياتهم وأخراهم

- لكن وضعنا مختلف جدا عن زهراء وحسن!

- اعرف ذلك ولست في معرض خطبة الآن انما في معرض حسم أمر لا بد أن يُحسَم

كانت شريفة تشعر بحرج شديد مع بداية حديث خالها، لكنها سرعان ما شعرت بحاجةٍ ماسّة للتحدث معه، إلا أن حماسها لذلك كاد أن ينتهي حين استشعرت أنه سيقول لها ما قالته زهراء مسبقا "انسي فضل يا شريفة"! أطرقت برأسها للأرض، وشعرت بانقباض شديد في الصدر، انها المرة الثانية التي تشعر فيها هذه الفتاة بالوحدة، مرة حين اعتقلت زهراء وخالها وكان فضل غائبا، وهذه المرة وهي مقتنعة تماما بأن فضل هو الانسان الوحيد القادر على مشاركتها حياتها، لكن أحدا لا يريد أن يمدّ يدَه ليساعدها على تحقيق تلك الشراكة، حتى فضل نفسه!!

واصل الحاج علي حديثه، محتفظًا ببسمته الحانية:

- أرى يا شريفة أنكما تحتاجان لحسم الأمر بينكما، فإما أن تتزوجا ما دمتما تجدان أنكما الشخصان المناسبان لبعضكما، أو أن تنهيا هذا العذاب الذي تعيشانه كلاكما

تفاجأت شريفة من طلب خالها، كيف تنهي الأمر بالزواج؟ وهو أمر لا تقوى على المبادرة اليه!! ماذا عساها تفعل؟ هل تطلب من فضل أن يتزوجها مثلا؟! لقد أخبرها وبكل صراحة أنه لا يمتلك حياة ليشاركها اياها، فكيف تطلب منه أن يدسها بين ثنايا أيامه ولياليه المبعثرة؟! أم كيف تنساه؟ لم تكن تتخيل يوما أن تجد رجلا حقيقيًّا تشعر معه بالانتماء، خصوصا في السنوات الأخيرة، لقد كانت شريفة غريبة في مجتمعها، ولم تعد قادرة على التأقلم معه، بل أن غربتها صارت تزداد كل يوم بمقدار سنة! أن تنسى فضل يعني، أن ينتهي أملها بالحصول على وطن، ترى كيف يعيش الانسان دون أوطان!

طال صمت شريفة، مد الحاج علي يده نحوها، ورفع رأسها طالبا منها أن تنظر اليه:

- شريفة لم أحضرك هنا لأقسوا عليك بالحديث، ولا لأحرجك ولا لأجبرك على خيار لا تريدينه، فقط أحتاج أن أعرف فيما تفكرين؟ أنا هنا من أجل مساعدتكما يا ابنتي

لقد أنقذتها كلمات خالها من حزن كاد يقبض قلبها، دمعت عيناها وبصوت موجوع أجابته:

- لو كان من الممكن أن يعيش الانسان وحيدا لنسيت فضل يا خالي

- ماذا عن عائلتك؟ هل تعرفين معنى الزواج من انسان كفضل؟ هل تدركين أن عائلتك سترفض تمامًا هذه الزيجة، بل ربما يكون لمعرفتهم خطورة عليه؟ هل فكرت فيه لو عرف شقيقك بأمركما؟

- تضعني في الجنة حينا وتقذفني في النار حينا!

- أضع أمامك الحقيقة كاملة، لا أريد لأحدكما أن يندم أو يتألم، فإما المبادرة للزواج مدركان لما ينتظركما، واما أن تقبلا بخيارِ صرف النظر عن بعضكما مدركَيْنِ صحة قراركما، سأكون مرتاحًا وأنا أشعر برضاكما وهدوء نفسيكما أيا كان الخيار

 

عادت شريفة لمنزلها، اليوم الصورة أمامها ناصعة جدا، خالها أخبرها أنه سيكون من الداعمين لهما، فان قررا الزواج سيباركه، والا فسيكون سعيدا بأنه من وضح الصورة أمامهما، حتى اقتنعا أنه ليس مقدرا لهما الا أن يكونا حالمين بوطن واحد، لا أكثر من ذلك!

أما الحاج علي فعاد بقناعة أكبر مما ذهب بها لشريفة، لقد كان يثق أن لفضل ولشريفة عقلان ناضجان، وأنه لا يمكن لمشاعرٍ مجردةٍ أن تتقاذفهما، لكنه كان يعتقد أن شريفة بالذات لا تدرك عاقبة اختيارها لفضل، وربما يغيب قليلا عن فضل خطورة اختيارهِ لشريفة، اليوم عاد الحاج علي من عند شريفة مقتنعًا، انه لا يجب عليه أن يقف على خطِّ الحياد في هذا الامر أبدًا، فقد ادرك معنى "فضل" في روح شريفة، انه ليسَ مجرّد رجلٍ تعلّقت بهِ امرأة! انهُ وطنٌ وجدَتْهُ تائهة!

 

لم يتمكن الحاج علي من أن يبيت ليلته تلك، وبمجرد أن بزغ الصباح طلب من زهراء أن ترافقه، لقد أعلم حسن وفضل أنه قادم في أمر مهم للغاية، طرق بابهما وبسرعة فتحا له، دخل عليهما معانقا فقد اشتاق لقائهما كثيرا، وجلسوا يتبادولون أطراف الحديث قبل أن يستأذن ليحدث فضل منفردا، تركهم حسن مستثمرا الوقت للتزوّد من زوجته، لقد بات موعد ولادتها قريبًا، وصار حسن مشغول البال بولادة زوجته.

 

شئ من الحيرة كانت قد تملكّت الحاج علي، طوال ليلته الفائتة كان يتقلّب وهو يفكر، كيف من الممكن أن يطرح ذات الموضوع على فضل، فلم يجد أفضل من صدقه الذي حدّث به شريفة، ليكون ذات الصدق مفتاح حديثه مع فضل:

- جئتك خاطبًا

اتسعت عينا فضل وهو ينظر للحاج علي:

- تخطب من؟

- أنت

رغم الاستغرابِ الشديد الذي أصاب فضل، الا أنه لم يتمالك نفسه، لقد أضحكته كلمة الحاج علي كثيرا، فتشاركا الضحك حتى أدمعت عيناهما، لم يستوعب فضل طلب الحاج علي، لكنه يدرك انه لا يستخدم المزاح وسيلة لنقاش، سد الأبواب من أجله، فأعاد فضل سؤاله:

- تخطب من يا حاج علي؟

ليعيد الحاج علي اجابته وبكلِّ جدية:

- أخطبك أنت يا فضل، ولك أن تقبل أو ترفض لكن بشرط، أن يكون الأمر بيننا نحن الاثنين ثالثنا الله دون رابع، موافق؟

كانت علامات الاستغراب ظاهرة على فضل، وكان الحاج علي يدرك أنها سترتسم على محياه بمجرد أن يبوح له بما يريد:

- أدرك استغرابك لكني سأخبرك بما اجد انه من المهم ان تعرف، أنه لو كان لي أولاد ذكور لساويت بينهم وبين بناتي الاناث في موضوع الخطبة هذا، وكما اخطب لأولادي فتيات أجد أنهن أهل للزواج، فسأخطب لبناتي رجالا أجدهم أهلا للزواج.

شعر فضل بالحرج الشديد: "يبدو أن الحاج علي سيخطب لي احدى بناته!! كيف أرد هذا الرجل الطاهر؟ ما عساي أن أجيب؟!" .. لم يكن ما يشعر به فضل مجرد حرج، لقد شعر أنه وقع في ورطة، ولا يدري كيف من الممكن أن يخرج منها، فبنات الحاج علي غاية في الأخلاق والاتزان، ويعرف فضل أن كثيرين يتمنون لو وفقوا للزواج باحدى بناته، لكن قلب هذا الشاب مشغول بفتاة، فإما أن يرفع الحرج عن نفسه فيقبل بعرض هذا الرجل، متسببا بالألم لنفسه والظلم لمن سيقبل بها، واما أن يكون عاقّا بهذا الرجل الذي لطالما أكرمه فيرفض عرضه، وهو لا يدري هل يجمع الله بينه وبين من تشغل قلبه أم لا؟! ثوان قصيرة مرت على قلب وعقل فضل، وكأنها ساعات طوال، قضاها وهو يحملق في وجه الحاج علي، يريد أن يسأله من تكون تلك الفتاة التي تكبد من أجل موضوعها هذا العناء، لكنه في ذات الوقت يخشى أن يسمع من تكون!!

جمع فضل شتات جرأته، وقرر أن يسأل الحاج علي، لكن صرخة دوت من خارج الغرفة، جعلتهما يقفزان من مكانهما، وقد تملك الرجلان رعب شديد ...

 

ألتقيكم في الحلقة القادمة ...

 

هناك تعليقان (2):

  1. روعه الجزء و حليو بالرغم ان احداثه قليلة انحصرت في موضوع واحد لكن كان جميل ، موفقيم ننتظر الجزء القادم

    تحياتي
    قاسم سلطان

    ردحذف

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...