ابحث في مدونتي

الأربعاء، 11 فبراير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (25)



 
 

 
 
 
 بسرعة أعاد الشاب لثامه على وجهه، وصار يستعد للهرب خارج المنزل، الا أنها أمسكته من ذراعه:
- أهذا وعدك يا فهد؟؟!!
تذمر بوجه والدته قائلا:
 
- كنت أعرف أن صحبتك لابنتك لا تخفي الا شرا ..
وركض خارجا وسط ذهول الجميع، مرافقوه والعائلة وأم فهد، أمسك الحاج علي أخته من الخلف، وأجلسها مجددا وهمس بأذنها "لا تقلقي يا عزيزتي .. لا زلت أدعوا له بالهداية" فتحادرت دموعها على عينيها، صارت تحدث نفسها "الآن فهمتك يا شريفة .. فأمك لم تكتف بالابتعاد عن أهلها لكنها ربت وحشا يقلق سكينتهم كل حين!" طلبت الأم من شريفة أن تعودان للمنزل، ورغم إلحاح الحاج علي عليها أن تبقى الا أنها أصرّت على المغادرة، أثناء خروجها من المنزل بعد انسحاب العسكر منه، وعند وصولها لباب الخروج، صار الحاج علي يناديها:
- أخية .. أرجوا أن تكون لكِ عودة
تبسمت بوجه أخيها دون أن تنطق حرفا واحدا، كانت تطمئنه أنها ستعود حتما..
 
مع كل مداهمة، ترفع زهراء من نسبة الحاحها على زوجها ليغادر البلاد، وهو يؤكد لها أنه لا زال يبحث عن طريقة، وبمجرد أن يعثر على طريق آمن لذلك فسيفعل حتما، لم تعد زهراء قادرة على تحمل كم المداهمات، وصارت تستيقظ من نومها مفزوعة على وقع كوابيس موت طفلها! وحين يهدئها والدها تخبره أنها تخاف عليه حين يكونون في المنزل! قرر الحاج علي أن يخلص ابنته من هذه الحالة، فاضطر لاستئجار شقة قريبة باسم أحد الأجانب العاملين في القرية بمقابل مادي، وأسكن فيها زهراء وطفلها وشقيقتيها الصغيرتان. كانت محاولة لإبعادهم عن مرارة المداهمات وضغطها، وصارت تلك الشقة وكأنها منزل الطفل منتظر الذي لم يعد يخرج منها لمنزل جده أبدا، بل صار الجد والجدة والخالات والعمات هم من يذهبون اليه، لقد تمكن الحاج علي من رفع نسبة الراحة والاستقرار في قلب زهراء ووليدها وزوجها أيضا. لكنه ظل يترقب اليوم الذي يعلمون فيه بمكانها حيث انهم لن يتوانوا عن اقتحامه أيضا.
 
 
 
منذ يوم المداهمة وأم فهد في حالة قطيعة مع ابنها، لم تعد تستيقظ صباحا لتُعد له فطوره، توقفت عن غسل ملابسه وكيها، ورغم حالة الغضب التي تعتريها من دوره في مداهمة منزل شقيقها، الا أنها أيضا كانت تعيش حالة خوف من ردة فعله إزاء تواجدها هناك، وصارت تتوقع أن يحاسبها زوجها عن ذلك بمجرد أن يخبره فهد. لم تكن أم فهد تخشى من ردة فعله بقدر ما صارت تخشى أن يبحثان وراء ابنتها ليكتشفا أنها تزوجت وبحضورها، فيسعون وراء زوج ابنتها الذي صار عزيزا جدا عليها! حالة الغضب والخوف أقعدت أم فهد في سريرها مريضة، لم تكن تقوى على الحراك أياما، كان فهد يمر على غرفة والدته ليراها تأن من شدة الحمى، فيخرج من المنزل ليعود مساءً دون أن ينبس ببنت شفة، بينما كانت شريفة تقضي يومها عند رجلي والدتها، وتداوم العمة على زيارتهما يوميا.
 
لم يكن فهد ينوي أن يخبر والده بما رأى، ذلك أنه صار ينوي أمرا آخر، لقد قرر مراقبة هواتف أخته وكذلك والدته، اقتحمه فضول امتزج بشيطنته، كان يتساءل في نفسه كثيرا عن السبب الذي أعاد والدته لمنزل خاله، كان هذا آخر ما يمكنه أن يتوقع! ظن في قرارة نفسه أن هناك أمورا خفية ولا بد أن يكتشفها، كانت شكوكه تحوم حول شقيقته، يعتبرها المذنبة في تلك العودة، وصار يمني نفسه كثيرا بمعرفة ما خفي من الأمور، متوعدا شقيقته بالويل والثبور.
 
في صالة الشقة الصغيرة التي كانت تحوي قلبين وروحين مشغولين بالحب، حب الله وحب الانسان وحب الأوطان، كان فضل وحسن يجلسان متقابلين، كان حينها فضل يكمل دروس اللغة الإنجليزية التي بدأها مع حسن منذ سكنا المكان، بينما كان حسن غارق في التفكير:
- ما هي الإجابة من رأيك؟ نستخدم هنا ضمير الجمع أم المفرد؟
- .........
- حسن !
- لم لا تسافر معي يا فضل؟
- لماذا تكرر فتح هذا الموضوع؟ لقد بدأ يضايقني فعلا!
- هل تحمل بقلبك أملا بأن يتوقفوا عن ملاحقتك مثلا؟
تنهد فضل قبل أن يبدأ بإجابة ابن خالته:
- كثير من الآمال لم أكن أحملها بقلبي .. إلا أنها صارت حقيقة يا حسن.. لكن ليس هذا سبب اصراري على البقاء
- وما هو السبب؟ زوجتك؟
- هي ووطني يا حسن .. أنت أيضا لا تريد المغادرة لكنك مضطر لها .. لا تملك سوى هذا الخيار..
- أو تملك أنت خيارا آخر؟ كلنا في الهواء سواء ..
- أحيانا أفكر بتسليم نفسي .. .
- اياك يا فضل .. اياك
- الكثير من الشباب المطاردين قتلوا في ظروف غامضة يا حسن .. حوادث سيارة .. حوادث تفجير .. رصاص حي .. !! البعض يعتقد أن الأمر مخطط له وأنها عمليات تصفية!
- وهذا يجعلك تسلم نفسك؟؟؟ .. أم تحافظ عليها بالمجيء معي؟؟
- هل أنهيت كل أمورك؟ حُدد موعد المغادرة؟
- ربما أحتاج للعمة .. لقد انهيت كل شيء الحمد لله وانتظر فقط أن يبلغوني بالموعد .. سأكون لوحدي وأنا مطمئن جدا من نجاحي في المغادرة ان شاء الله .. تعال معي يا فضل لا أريد أن أعيش قلقا عليك ..
 
لم يكن من الواضح لحسن أن فضل قد يغير رأيه، بل أن حسن مقتنع برؤية فضل أصلا، فكيف يترك كل الشباب ديارهم ليعيث فيها الظالم فسادا؟ لكنه بدأ يعتقد أن وجودهم في شقة محكمة الاقفال، يترقبون الوقت الذي يعتقلون فيه أسوأ ألف مرة من خروجهم من البلاد، وما قاله فضل لحسن جعله يقتنع أكثر "لماذا نكون لقمة سائغة لهم .. فإما المعتقلات واما ملاحقة تفضي بنا للموت؟!" حاول حسن كثيرا أن يستثمر أيام انتظاره لموعد المغادرة، من أجل أن يقنع فضل بمرافقته، حتى أنه حرَض شريفة على إقناعه، الا أن شريفة رفضت أن تلح على زوجها بالرحيل، كانت تتفهم وجهة نظره بل وتعرف حساسيته في هذا الأمر، انه يعتبر سفره تخل عن القضية ونقضا للعهد! فكيف تقنعه بأن يتخلى عن قضيته وأن ينقض عهده؟!
 
منذ مدة لم تلتقي شريفة بزوجها، فمرض والدتها التي تحسنت أخيرا، واصرارها أن تكونا أكثر حذرا، بالإضافة لسفر عمتها مدة أخّر لقاء الزوجين، فاكتفيا بالمكالمات الهاتفية القصيرة، وبالتواصل عبر وسائل التواصل الالكترونية المعروفة، حيث كان فهد يجيد اللعب بالنار! كانت المدة الفائتة كافية ليقتنص فهد مجموعة من الأرقام التي تتصل اخته لها كثيرا، من ضمنها رقم خالهما علي وابنته زهراء، وأرقام لفتيات يعرف اسمائهن، الا رقما واحدا كان مسجلا باسم أجنبي!! "ترى لم تتلقى شريفة اتصالات من أجنبي؟" كان واثقا أن الهاتف ليس ملكا لأجنبي لكن كيف عساه يعرف؟؟ في أحد المرات جرب أن يتصل على الرقم عبر هاتف عمومي بأحد المحطات، الا أنه لم يتلق ردا! ذلك أن حسن وفضل لا يردان الا على أرقام يعرفونها وعبر إشارة متفق عليها.
 
عادت أم فهد لسابق عهدها، لكنها لم تتمكن من مخاطبة ابنها، ورغم ان قلبها مشغول بنواياه، وعقلها يتساءل عن سبب صمته عن وجودها بمنزل خاله، الا أنها كانت تطمئن بالها "ربما خجل مني لأنه نقض وعده لي .. فقرر أن يصمت" كما أن طول المدة قد أعاد لها ولشريفة طمأنينتهما، فعادا لحياتهما الطبيعية، ورجعت أم فهد لمنزل العمة ليجمع العائلة والزوجين مجددا.
 
كان فهد مشغول البال جدا، يريد أن يقتنص صاحب الرقم، لقد أصدر تعليماته بمراقبة هاتف شقيقته، ورصد موقع الرقم في حالة ورود مكالمة منه أو اليه، لكن مع عودة الزيارات لم يكن هناك حاجة لإجراء الاتصالات، فوسائل التواصل كانت كافية. أُبلِغ حسن بموعد الرحيل، الا أنه تكتم عليه تماما كاحتراز أمني لا بد منه. صار يجهز أغراضه متحمسا، وصار فضل يرقب ابن خالته متوجسا، يعيش الرجلان مشاعر متناقضة، شيء من الاطمئنان وشيء من الخشية، يمتزجان بقلبيهما فيقترح حسن على فضل مجددا مرافقته، ويقترح فضل على حسن مجددا العدول عن سفره:
- أخشى عليك كثيرا يا حسن .. أنت هنا آمن مستقر وأخاف أن يكون خروجك بوابة للامساك بك!
- عاجلا أو آجلا يا ابن الخالة .. هذا الاحتمال وارد سواء بقينا هنا أو حاولنا الخروج .. وقد استخرت الله يا صديقي .. ألا تثق بخيرته؟
- أراحتك نتيجتها؟
- أراحتني حد البكاء .. هل تعرف ما كانت؟
- أخبرني
- سورة الحج .. الآية  39 (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)
- سبحان الله الخيرة مريحة جدا... الا اني سأقلق عليك كثيرا .. بل ها أنا قلق عليك منذ الآن
 
ربت حسن على كتف فضل، ثم أوصاه بأن يسلم على والدتيهما، وزوجته زهراء وأن يقبل كفي صغيره منتظر.
الهجرة دواء مر يتجرع المجروح مرارته عله يغنيه عن البتر! صار فضل يفكر كثيرا في تغيير مكانه، سيكون من الصعب عليه أن يعود لوحدته القديمة، لقد اعتاد أن يكون حسن رفيق صمته وبوحه، رفيق مغامراته وتعقله، كم سيكون فراقا صعبا!
لاحظ فضل أن شريفة لم تكلمه أبدا منذ عصر الأمس، كان يطمئن نفسه متعذرا بانشغالها تارة، وبنومها تارة، وبعملها تارة، لكن تأخرها عليه جعله يعيش قلقا كبيرا فبعث رسالة يسأل فيها عن غيابها :
( عزيزتي بدأت أقلق عليك فلست معتادا ان تغيبي عني كل هذه المدة .. نقترب من إتمام أربعا وعشرين ساعة منذ آخر رسالة بيننا .. أرجوك تواصلي معي)
كانت زهراء منشغلة بمنتظر، حممته وألبسته ملابس نومه، وصارت تهدهد عليه لعله ينام هانئا منذ انتقلت هي ووليدها لهذه الشقة وهي تشعر براحة عميقة، فلم تعد تسمع دقات الباب المزعجة كل حين، ولم تعد تقفز من نومها مفزوعة على ولدها الآمن، خوفا من جرح طفولته بواسطة وحشية آلات القتل البشرية التي يوظفها الظالم. لقد صارت تشتاق حسن كثيرا، وتشعر بحاجتها الماسة اليه، فمنتظر يكبر ومع كثرة بكائه أحيانا تشعر أنها وحيدة، ففي مثل هذه الأيام والشهور يستمتع الآباء بمساعدة زوجاتهن على حمل صغارهم، ليتفاخروا عليهن بأن الطفل يسكت عند أبيه لا عند والدته! ضحكت زهراء وهي تتخيل كلمات حسن، منذ أن عزم على الرحيل وهي تحلم بمكان يأويها مع زوجها وطفلها، "يقال أن الزواج استقرار .. الهي منَّ علي بفضلك ورحمتك باستقرار" ..
انتظر فضل رسالة من شريفة لعلها تطمئن قلبه، الا أن ذلك لم يحصل، فكر في الاتصال على هاتفها لكنهما متفقان ان لا يتم بينهما أي اتصال الا بإشارة معينة، ولم يتلق فضل هذه الإشارة، مع حلول المساء كان قد فرغ صبر فضل، فطلب من حسن أن يسأل زوجته عن شريفة، لعل سوءا قد حصل لا سمح الله، بعث حسن رسالة لزوجته :
(مرحبا عزيزتي .. يحتاج فضل للاطمئنان على زوجته فهي منقطعة عنه منذ الأمس ولا ترد على رسائله .. نسأل الله أن يكون المانع خيرا)
استبد القلق بزهراء كثيرا، فرغم أن شريفة كانت معهم في الليلة ما قبل الأمس، الا أن سؤال حسن أقلقها، حامت شكوكها حول فهد "هل يعقل أنه أثار زوبعة بعد أن تحسنت صحة عمتي؟!!" بسرعة رفعت هاتفها لتتصل بابنة عمتها، الا أنها لم تجب على اتصالها، أعادت الاتصال مجددا فكان هاتف شريفة مغلقا!! قفزت زهراء من مكانها مسرعة، وتوجهت لصالة شقتها محدثة أختها:
- حبيبتي .. اذهبي لوالدنا وأخبريه أن شريفة غائبة وأنها لا ترد على هاتفها، لعله يتصل بزوج العمة ليسأل عنها .. بدأت أقلق كثيرا
 
 

 
ألتقيكم في الحلقة القادمة .. ِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...