ابحث في مدونتي

الأربعاء، 18 فبراير 2015

قصتي : حب في ن السياسة (31)




مرت عدة أيام، وحسن لم يجد الاستقرار الذي يبحث عنه بعد، لقد غادر الى بلاد لا ينوي الاستقرار فيها، لكن الطريق اليها هو الاكثر امنا. اتخذ من تلك البلاد منطلقا ليقدم على اقامة في عدد من الدول التي تمتلك جامعات عريقة، دون أن تكون مرتبطة بقانون يلزمها بتسليم من يستهدفهم عسكر بلاده. منذ عزم حسن على الرحيل، وهو يحلم بمواصلة تعليمه الذي حرم منه على اثر الملاحقة والاعتقال طوال المدة الفائته، انه يدرك معنى أن يكون ساعيا لتحصيل العلم، يعرف أنه لن يخدم بلاده بشئ أكثر من أن يكون ذا علم وفهم، لقد تعززت هذه القناعة بعمق حسن، طوال مدة اقامته عند الحاج علي، فهذا الرجل لم يتوقف يوما عن التعلم حتى حمل شهادة الدكتوراه بالرغم من تعرضه للكثير من الاستهداف، وحتى بعد حصوله على درجة الدكتوراه، فلا زال هذا الرجل يقرأ ويكتب ويبحث، لقد ساهم بعلمه وفكره وقلمه في تطوير الكثير من البرامج التي تعنى بالطفل والشاب والمرأة في قريته الصغيرة، حتى صار الكثير من أبناءها أطباء ومعلمين وحرفيين مهرة، لقد ساهم الحاج علي في رفع درجة الاكتفاء الداخلي لهذه القرية، عبر برامج تكافل اجتماعي غاية في الروعة، فقدم دراسة لأحد تجار قريته تحمل اقتراحا لتقديم قروض حسنة وميسرة للشباب العاطلين عن العمل، لبدأ مشاريعهم الخاصة من أجل كسب رزقهم، ورغم أن بعض النفوس المريضة لم تتوانى عن الكذب من أجل الحصول على هذا النوع من القروض، ومن ثم التخلف عن سداده الا ان الكثير من أبناء القرية، صاروا من أرباب الأعمال، بل واستقطبوا بعض الطلاب للعمل معهم بنظام الساعات، فصار الطالب فيهم يمتلك مصروفه الشخصي رغم صغر سنه من عمله مع جاره أو ابن حيه، مستشعرا حلاوة تحمله لمسؤولية نفسه بل ومجتمعه أيضا.

لم يتوقف الحاج علي عند هذا الحد، بل قرر تغذيته عبر استثمار مبنى تم شراؤه وتأجير محلاته وشققه، وبذلك ضمن استمرارية مشروع القرض الحسن.

لقد كان الحاج علي، وقبل ان تبدأ عمليات الاستهداف المركزة لأهالي البلاد مؤخرا، يطمح لبناء مستشفى صغير يغطي احتياجات القرية، بتمويل من تجارها وبمساهمات من أهاليها بطريقة مبدعة تشرك الجميع في مسؤولية توفير الرعاية الصحية لأنفسهم وأبناء مجتمعهم، كل بحسب امكانياته مهما كبرت أو تواضعت، على أن يكون موظفوه جميعا، أطباءها وممرضيها ومنظفيها، من أبناء هذه القرية والقرى المجاورة. لكن ذلك الحلم أجل لوقت غير معلوم، وأجل معه حلم بناء مدرسة تحمل ذات المواصفات. لقد تمكن الحاج علي من غرس قناعة بعمق أولئك الشباب "نحن المسؤولون عن بناء مجتمع حر .. لا يتمكن أحد مهما بلغت سلطته وغروره من حرماننا منه لأنه بناه .. فيطعمنا متى شاء ويتركنا للجوع متى شاء".

كان الحاج علي يطمح لاشاعة مشروع "قريتنا نحن نبنيها" بكل قرى بلاده، لغرس مفهوم التكافل الاجتماعي بكل صوره الرائعة التي دعا لها الاسلام، وذلك من أجل تحقيق مجتمع متكامل حر يحتاج لأبنائه لا لعسكر وجبابرة يعتقدون أنهم من يهبون الحياة وأنهم من يسلبوها متى شاءوا!


يدرك حسن أن هذا المشروع، الذي صار يستقر بعمق روحه، يحتاج للمثابرة والعلم والعمل والدعاء، يحتاج لوقت طويل حتى يؤمن به آخرون، فيكوّنون لبنة تنضم للبنة أخرى مكونة صفا حديدي الارادة يضع حجر الاساس للمجتمع الحر الذي صاروا يطمحون اليه.




كان فضل يسير خلف الشرطي مترقبا، يسأل نفسه عن السبب الذي استدعي من أجله، شئ من الرهبه دخل قلبه، حين وجد رجلين ملثمين ينتظران بمكتب الادارة، لقد فهم فضل أنهم من زنزانة الموت التي خرج منها مؤخرا، دق قلبه بقوة وتوتر قليلا، الا أنه صار يهدأ روحه، ويشغل نفسه بالذكر والتسبيح، حتى لا يلاحظ أحدهم توتره:

- فضل حسين جابر؟

- نعم؟

وضع القيد على كفيه، وصمدت عيناه، استرجع فضل وفوض أمره لله، يبدو أنهم اشتاقوا للحم جسده الذي ألهبوه بسياطهم، يبدو أن رائحة دمائه استهوتهم، فطلبوه مجددا ليستلذوا بعذابه وألمه!!

أدخل فضل لغرفة التحقيق التي "لا تحقيق فيها" مجددا! لكنه لم يعد يكترث بهم، سيترك جسده بين أيديهم، ويرتفع بروحه لبارئه فان شاء أخذها وان شاء وهبها لهم، انه لا يملك نفسه، ولا يملك أن يمنع عنها ما يريد لها مالكها.

أُدخل فضل وحيدا للغرفة، فُتح صماد عينيه، وأزيل القيد من يديه، وطلب منه الجلوس أمام طاولة صغيرة موضوعة بنصف الغرفة، كان يجلس عليها شاب في مقتبل العمر، يلبس ملابس مدنية، على عينيه نظارة شمسية وبيده سجارته، لم يكن الشاب ينظر لفضل، بل يوجه بصره في الجهة اليمنى له، بدأ كلامه وهو ينفث دخان سيجارته اتجاه فضل مباشرة:

- فضل؟

- نعم

- ماذا تشرب؟ نضيفك بشاي أم قهوة؟ أم سيجارة؟

- شكرا لا أشرب المنبهات ولا السجائر

- جميل جميل يا فضل .. حسنا عندي مجموعة أسئلة وأريد أن تكون واضحا وصريحا في اجابتها .. اذا كنت متعاونا فستعود لزنزانتك بهدوء .. كل ما سنقوله الآن لن يسجل بمحاضر التحقيق ولن يحضره أحد سوانا .. فأرجوك أن تشعر بالراحة .. ثم تذكر أنني سأحميك من أي شئ

استغرب فضل من كلام المحقق كثيرا، يريده أن يشعر بالراحة! ولن تسجل أقواله! وسيحميه أيضا؟! كان الأمر مريبا بالنسبة لفضل، وقد تبادر الى ذهنه أنهم ربما يريدون أن يجندوه!! والا فما هذا الخطاب الغير معتاد والغير متوقع؟؟! أجاب فضل بهدوء:

- ان شاء الله .. تفضل

- أعرف أنك كنت تقيم بشقة أجرتها لك شيخة خصيصا .. وكان يقيم معك ابن خالتك حسن .. وأعرف أن الكثير ممن يتم القبض عليهم.. وفي سبيل نفي التهمه يختلقون قصصا لم تحصل .. أليس كذلك؟

- أنت أكثر خبرة مني .. فهو عملك ..

- جميل جميل جميل .. حسنا يا سيد فضل .. أريدك أن تخبرني الآن .. أي قصة اختلقت في سبيل أن تتخلص من ضرب الشباب .. أعرف أنهم يقسون عليكم أحيانا

- يقسون علينا أحيانا؟؟ حاشى لله يا سيدي .. لم أختلق قصصا

- كانت هناك اتصالات بينك وبين فتاة .. ربما كنت تتمنى الزواج بها .. وحين وضعت تحت الضغط هنا كذبت بشأن زواجك منها .. صحيح؟


ابتلع فضل ريقه بصعوبة، ودق قلبه بقوة، يبدو أن ما كان يخشاه يوشك على الحصول "لماذا يعاملني بهدوء؟ وقد أقفل الأبواب علينا؟ لم يحصل هذا الأمر في كل اعتقالاتي السابقة .. هل يعقل انه؟؟!!" حاول فضل أن يفكر بسرعة، حتى يتمكن من الوصول لقرار، هل يدعي أن حديثه عن الزواج كان كذبة؟ حينها لربما تفقد السيدة شيخة فرصة في انهاء قضيتها والافراج عنها!! بينما لن تتعرض شريفة لسوء، لكن هل يحمي شريفة ويتخلى عن السيدة شيخة؟؟ لقد كانت بين وحوش يكادون أن يفترسوها "ماذا أفعل يالله .. لم أفكر بهذه اللحظة هكذا؟! لم أتوقع أن أقف بموقع المختار بين سلامة شريفة وسلامة العمة!!" ضرب الشاب على طاولته ضربة قوية، قاطعت عملية تفكير فضل العميقة :

- أنا بانتظار اجابتك أيها السيد .. ليس من عادتي أن أسيطر على أعصابي كثيرا !

- هل يمكن أن تعفيني من الاجابة؟

ضحك الشاب ضحكة أثارت اشمئزاز فضل ... :

- أو تظن أننا هنا في ما يطلبه المشاهدون؟؟؟ حتى الآن أسألك بلطف ... فلا تجبرني على استخدام الطرق الأخرى .. لا أمتلك الكثير من الوقت ..

وكأن فضل صار يفضل الطرق الأخرى، لعل هذا الشاب يبتعد عنه، لقد أدرك انه اما فهد شقيق شريفة، أو مندوبا عنه على أقل تقدير، ظل فضل صامتا، لا يعرف بماذا يجيب، لو كان الأمر بيده لرفع صوته عاليا وهو يقول ان شريفة زوجته، فهو سعيد جدا بهذه الزيجة، ويود لو أخبر الدنيا بها. خشية فضل بدأت بالتحول وهو يفكر "حتى متى سيظل هذا الأمر مخبأً؟ حتى متى سيكون سرا؟ ربما حان الوقت للبوح به، كيف أترك العمة بين أيديهم! لربما أنقذتها بهذا الاعتراف..أخبره يا فضل أنها زوجتك .. ماذا يستطيع أن يفعل؟؟ لن يسلب روحها مادام الله قد أراد لها عمرا!! ولن يفعل بك أكثر مما فُعل بالأيام الماضية .. سامحيني يا شريفة سامحيني لكن لا يمكنني أن اترك العمة شيخة .. سامحيني"

- لم أكذب بأي شأن على الاطلاق ..


انتفضت اوداج الشاب غضبا:

- أخبرني من تكون زوجتك اذا؟

- شريفة ....

انقض الشاب على فضل، وقذفه من كرسيه وصار يوجه له اللكمات تلو اللكمات، وهو يصرخ:

- ايها الوغد .. أنا يتزوج أختي كلب مثلك!!

 لم يتمالك فضل نفسه، فوضع يديه على وجه فهد، وصار يضغط عليه بقوة، لم يتحمل فهد ذلك، فترك فضل مبتعدا عنه، كان الغضب والغرور بلعبان بأعصاب فهد، فصرخ فضل لعل العسكر ينقذ لمرة واحدة فقط موقفا لا يريد أن يقفه، بصوت متعب قال فضل:

- لا أريد أن نؤذي بعضنا يا فهد .. اكراما لشريفة

بمجرد أن ذكر فضل اسم شريفة، انقض فهد عليه مجددا، الجلبة التي أثارها الشابان، جعل الواقفين بالخارج يفتحون الباب ليستطلعوا الأمر، لعل فهد يحتاج للمزيد من الأيدي العاملة، بمجرد أن فتحوا الباب صرخ فهد بوجوههم :

- أقفلوا الباب .. ممنوع الدخول

فأُقفل الباب مجددا، وطلب من فضل أن يعيد الكرسي لمكانه ليجلس عليه، فعل فضل ذلك فقد كان يتمنى أن تنتهي تلك المواجهه، خرج فهد من الغرفة، بينما بقي فضل داخلها يفكر، الكثير من الافكار اقتحمت عقله "ترى كيف من الممكن أن يحذر شريفة؟! لا بد أن تعرف أن فهد اكتشف أمر زواجهما لتستعد" عاد فهد للغرفة حاملا بعض الأوراق :

- وقع هنا ..

- ما هذا ؟؟

- ورقة بيضاء أريدك أن توقع عليها لعلي أحتاجه في معاملة طلاقك من شريفة

- طلاقي؟؟؟ ومن الأحمق الذي أبلغك أني سأطلق زوجتي؟؟؟

- فضل .. حتى الآن أتعامل معك بهدوء .. لا أريد أن يكبر الموضوع أكثر .. ستطلق أختي شئت أم أبيت

- ماذا عن اختك؟؟ هل فكرت فيها؟ كيف سيكون موقفها؟

- أختي لا تملك الا أن توافق لأني سأقتلها ان لم تطلقها .. فاختارا ما تشاءان

- لن أطلق زوجتي .. حتى لو قتلتني

- لا تجبرني على ذلك يا فضل

خرج فهد خارج الغرفة وقبل أن يغلق بابها صاح في الواقفين خارجها:

- اذهبوا لتأدية مهمتكم


فجأة صار فضل كالكرة، يركلها اللاعبون دون أي اكتراث بأناته وآلامه، يبدو أن هؤلاء الموظفون، تركوا مشاعرهم الانسانية التي تجبرهم على التعاطف خارج هذا المبنى، ولم يرجعوا لالتقاطها مجددا!! فذوت وماتت وتحللت وذرت الرياح رمادها! استكثروا عليها حتى أن يكرموها بالدفن في صدورهم لعلها تحيا من جديد!!



عاد فضل لزنزانته المكتظة، وقد أعياه الضرب والتعذيب، كانت الدماء تغطي ملابسه، وقد تكسرت أسنانه، وانتفخ وجهه وكان غير قادر على الحراك، حمله زملاؤه وتركوه تحت الماء قليلا، غسلت دماؤه التي غطت وجهه، بينما كان قلبه يمتلأ ألما، انه قلق .. قلق جدا على شريفة، لطالما وصفت له وحشية فهد، لكنه اليوم صار يعرفها تماما، أراد أن يذهب ليتصل بها هاتفيا، لكن جسده المنهك خذله، فاستسلم للنوم بينما قام أحد المعتقلين بتطبيب جراحه بما يمتلكون من أدوات بسيطة، مستفيدا من خلفيته المهنية كممرض.


كان الحاج علي مجتعما بأسرته كعادته كل ليلة، انضمت لهم هذه الليلة أيضا، شقيقته وابنتها. كان وجهه يتلألأ كلما أقبلت عليه أخته، لم يكن الحاج علي يتوقع أن تعود شقيقته لبيته مجددا، فقد مرت فترة طويلة، أطول مما يعد، فجأة صار جرس الباب يطرق بقوة، وكأن أحدا وضع اصبعه عليه ولم يرفعها، تغيرت ملامح أم فهد، فخبرتها مع طرق الباب بمنزل شقيقها ليست جيدة! ابتسم الحاج علي مطمئنا اياها:

- لا تخافي يا أختي .. منذ اعتقال فضل ومغادرة حسن .. وقد من الله علينا بالهدوء من هجوم الأوباش.. ربما يكون أحد الأطفال المشاغبين ممن اعتادوا اللعب خارج باحة منزلنا

ذهب الحاج علي ليفتح الباب، فأطل عليه وجه صديقه، احتضنه وعيناه تغرقان بالدموع، اشتعل قلب الحاج علي خوفا:

- ما بك؟؟ ماذا جرى؟ هل حصل أي مكروه لشيخة؟؟؟

لم يكن زوجها قادر على الكلام، فأمسكه الحاج علي وأدخله للداخل، أسقاه شربة ماء وهو يقرأ المعوذات عليه، وضع يده على قلب صديقه:

- لم أرك هكذا طوال حياتي .. شغلت قلبي يا صديقي .. أرجوك طمأن قلبي على شيخة

- للتو اتصلت محاميتها وقد أخبرتني بانهم سيفرجون عنها

- الحمدلله الحمدلله الحمدلله .. هل الافراج عنها أمر يبكيك هكذا؟؟

- لم أصدق يا علي .. رجلاي غير قادرتان على حملي .. لا أعرف لم شعرت بالانهيار

- أفقدت الأمل بالله يا صديقي؟؟؟

- حاشى لله .. لكن الايام التي اعتقلت فيها شيخة أسوأ ألف مرة من سنوات قضيتها بالداخل

- هيا بنا .. لنفرح الجميع ونتوجه لاحضار نوارة بيتك


خرج الحاج علي وهو يزغرد مازحا، فركضن البنات اليه يستطلعون الأمر، أخبرهم أن العمة شيخة ستعود بينهم، لم تتمالك أم فهد نفسها من فرط السعادة، وصارت تزغرد فرحا، انها صديقة العمر التي ما فارقتها لحظة، غيبت عن عينيها فجأة وخبأت عن قلبها دون سابق انذار، لقد أصرت أم فهد على أن تكون من أول المستقبلين لشيخة، فذهب الجميع يحملون الأزهار والحلوى وقلوبهم بين كفيهم، يريدون أن يستقبلوا بهم العمة شيخة ...


بسرعة انتشر خبر الافراج عن العمة، فأشعل الشباب بقرية زوجها وعيالها مصابيح الزينة، وحملوا أبواق الفرح لاستقبالها، مرة أخرى تتزين هذه القرى بالسعادة رغم عمليات استئصال الفرح التي يمارسها العسكر ومن جلبهم بكل احترافية فيها لتفشل عملياتهم كل مرة!


استدعيت شيخة عبر مكبر الصوت، فارتعد قلبها خوفا، ظنت أنهم سيعيدوها لغرف التحقيق القذرة، بصعوبة بالغة ذهبت لتستطلع الأمر، فطلبت منها الشرطية أن تحضر كل أغراضها وتعود لها مجددا :

- كل أغراضي؟ لماذا؟

- ستعرفين .. هيا اذهبي لا تتسببي بتأخيرنا



جمعت السيدة شيخة اغراضها، والتي لم تكن شيئا يذكر، لبست عبائتها وحجابها ثم جاءت مفوضة أمرها لله، سألت شرطية أخرى وهي تهم بالذهاب:

- ماذا هنالك؟ هل ستعيدوني للتحقيق

تبسمت في وجهها ثم همست لها:

- سيفرجون عنك

لم تصدق السيدة شيخة الأمر، هل حقا سيفرجون عنها؟ بعد كل ما لاقته لم تتوقع العمة ان تخرج قبل محاكمتها، والآن تقول الشرطية أنهم سيفرجون عنها، تحادرت دموع عينيها فرحا لكن، وكأن الخوف كبل فرحها "لربما تكذب علي! ربما يعيدوني هناك!" باستسلام توجهت معهم لاتمام الاجراءات كما قالت لها الشرطية، فحوصات وتوقيع و ... فجأة وجدت نفسها أمام زوجها مباشرة، نظرت اليه وهو يبتسم والفرح قد ملأ وجهه نورا، مدت كفها لكن لا لتسلم عليه، بل لتضعها على وجهه، صارت تتحسس وجهه ثم تتحسس وجهها :

- هذا انت حقا ؟؟ اذا لست أحلم؟

ضحك زوجها وأمسك يدها، وجرها معه للخارج:

- تعالي .. الجميع ينتظرك .. كلنا مشتاقون اليك ..



وصارا يحثان الخطى ليخرجا من هناك، هناك حيث الانسانية في أدنى مستوياتها، حيث عفونة الانسان في أقصى درجاتها، حيث النفوس المريضة والأبدان الجريحه، هناك حيث يجد الظلم لنفسه متسعا من الأنفس والأرواح ليسكن فيها، بكت شيخة كثيرا بينما يجرها زوجها للخارج، كانت تفتقد حمايته كل تلك الأيام، هذا الرجل لم يتركها يوما مذ قبلت الزواج منه، لكنهم منعوه عنها، تركوه يتألم وهو يشعر بالعجز تجاه شريكة عمره..

فتحت البوابة الكبيرة، وأطلت شيخة وزوجها على جمع كان ينتظرها، يتقدم الجمع صديقة العمر، ومحط السر أم فهد، منذ مدة وشيخة تحافظ على هيبتها بالمشي المتأني، الآن أطلقت سراح رجليها وركضت نحو أحبتها، صارت تحتضنهم وتقبلهم، أولادها .. صديقتها .. بنات الحاج علي وزوجته .. شريفة .. والجميل منتظر ,, منتظر الذي لا زال يبث الامل لكل روح أوهنها الالم لحظة، منتظر الذي بات أيقونة التفاؤل في هذه العائلة.




ألتقيكم في الحلقة القادمة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قف.. فكر.. قرر بوعي

  نسمع كثيرا عن مفردة (الوعي) ونُدعى كثيرا لأن نكون (واعين) بل وحتى في أحاديثنا المعتادة نطالب أن يكون الآخر مالكا-لوعايته الكاملة (تعبير دا...